قصص قصيرة جداً
حيدر الحيدر
حكاية جدتي
المقعد الامامي للحافلة الصغيرة لم يكن يتسع لاثنين… لكنني حشرت نفسي حشراً
فوق اضلاعه الى جنب من سبقني لذلك المقعد المتهرئ ، لتنطلق الحافلة بسرعةٍ جنونية
دون ان تمنحني فرصة ً لأتنفس الصعداء وأُرتب جلستي.
في حين إنتشرت شحنة ضوضاء مكبوتة من المقاعد الخلفية.ما كان باستطاعتي الإلتفات الى الخلف لكنَ المرآة الداخلية التي أمامي إزدحمت بحشدٍ خليطٍ من الناس.
أدرت نظري يساراً.. فدهشت لما أبصرت… !
كانت تقود الحافلة جدتي التي ماتت قبل أربعين من السنوات التي مضت وإنقضت.
وأكثر ما في هذه المفاجئة من إثارة ٍ.
أن جدتي كانت فاقدة لبصرها قبل موتها بعشرين سنة.
مملكة النحل
كانت خلايا مملكة النحل تعمل بنظام ونشاط دؤوب.
ولكن حين إمتدت مخالب الدب اليها وتلطخت اصابعه بعسلها اللذيذ.
إضطربت المملكة وبات الرعب يقود نشاطها.
ضحك كالبكاء :
بعد دورة كاملة حول الكرة الارضية. عاد رائد الفضاء( يوري غاغارين )الى الأرض ونظر الى عقارب ساعته… فوجد ان رحلته تلك استغرقت عشرين دقيقة ، فإبتسم متفائلاً بالمستقبل.
حدث ذلك في عام ستين من القرن الماضي.
يومها كان ( عبدالعباس ) طفلاً صغيرأً يتهئ للإنتقال مع أفراد اسرته من صرائف الشاكرية
الى بيت ( جديد) في مدينة الثورة. وكان في غمرة ٍ من الفرح متفائلاً بالمستقبل أيضاً.
سنوات بعد انتهاء الالفية الثانية.نزل ( عبد العباس ) من باص ٍ للاجرة بالقرب من محل عمله في الشورجة ، قادماً من بيته ( القديم )
نظر(عبد العباس) الى عقارب ساعته فوجد ان رحلته قد استغرقت ثلاث ساعات او اكثر بقليل.
لمْ يبتسم ( عبد العباس ) كما فعل (غاغارين )…
لكنه ضحك طويلاً…. ومازال عبد العباس يضحك!
النهر
نهر ٌ صافٍ قاعه من مرمر ابيض ناصع البياض لا يرتفع منسوب مائه عن المتر الواحد ،، امتداد هذا النهر لا حدود له في عالم القياسات !
وجدت نفسي اغرف من مائه العذب وانا على ضفافه المليئة بألوان الزهور…
ما لبثت ان كنت في وسط هذا النهر منتعشاً بلذة حرارته المعتدلة.
لا يخدش انتعاشي سوى رهبة تنتابني اذ ما لامست اقدامي ذلك القاع المرمري العجيب ،
لم اتمكن من معرفة تلك الرهبة التي تلفني بقدسيتها الرهيبة ، رغم يقيني بعمقه المتواضع الذي لا يمكن ان يخيف من لا يتقن فنون العوم مثلي.
انتشلتني من تمرجح هذه الفكرة في ذهني ، نغمات سمفونية ٍ هادئة اتت مسمعي من بعيد
لتضع قالباُ من سميكاً من الثلج بين ذراعي.
احتضنته ودقات قلبي تذيبه مع كل نبضة… خفت عليه من الذوبان السريع فأخذت اجدف الماء بكف ٍ واخرى تمسك القالب بين اضلعي وخصري.
وبقيت ابطش وابطش سعياً لإدراك الضفاف ،
ما ان وصلتتها حتى بدأت الصخور التي تحميها بالتشقق موعودة بالإنهيار…
بحثت عن وسيلة للخروج من هذا المأزق فلم افلح.بينما قالب الثلج اوشك ان يذوب شيئاً فشيئاً.!
هذه واحدة من احلامي التي بدأ صداها يدغدغ سمعي من جديد ،
مذ انقطعتُ في التواصل معها حيناً من الزمن..
الإنتظار
المسافة الزمنية بين بين فترة إنتظاره في صالة المطار وموعد إقلاع الطائرة كانت
تنبض بالفرح قي عموم حواسه…. فأيام التغرب التي عاشها بعيداً عن أهله توشك
على الإنتهاء بمجرد أن تشق أجنحة الطائرة كتل السحب المتفرقة المنتشرة في
فضاء الغربة.
ربما داعبه ملل المكوث في الإنتظار ، لكنه ما أن سمع عبارة : ( على المسافرين التوجه الى الطائرة ) هبَّ مسرعاً تاركاً وراءه تلك الصالة ،
يدفعه شوق لقاء الأحبة مودعاً القلق الذي كان ينتابه حيناً.
فرحة العودة الى مدينته هي التي أسرعت بخطوات ساقَََيْهِ ليتسلق سُلَّم الطائرة ويستقر مطمئناً بمقعده فيها ، وقد تحققت أحلامه التي أسهرته ليالي.
حين إقتربت الرحلة من نهايتها صارت نظراته تلتهمان زجاج النافذة وهو يرى نفسه محلقاً فوق دجلة وبساتينها ونخيلها الباسقات.
فيشعر بنشوة طفل عاد لأحضان أمه.
ها قد عاد أخيراً يحمل شهادة إختصاص عالية ليخدم بها من هم بإنتظاره من سنين.
وسيحظى بلقاء ذات العينين الزرقاوين التي تكتب له في كل رسائلها :
أنا بإنتظارك أنا….. !
وما أن طلبت المضيفة شد الأحزمة حتى لامست إطارات الطائرة مدرج المطار. وبدلاً من أن تستقر بالتدريج إندفعت بوحشية نحو نفق ٍ مظلم.
وشيئاً فشيئاً ما عاد بإمكانه أن يبصر شيئاً.
أحسَّ أن الطائرة قد توقفت قي نقطة ٍ ما من ذلك النفق وأن رجلين ربتا على كتفيهِ
وسحباه من مقعده.
وقبل أن يسألهما… كان ثمة شريطٍ من لاصقٍ غليظ قد أغلق فمه وخرقةٍ من قماشٍ غامق تعصب عينيه.
أنزلاه من السلَّم وسارا به الى عتمة ٍ من ظلامٍ عميق وتركاه هناك.
توقفت أحلامه عند حدود ذلك الزمن……….
إذ أصبح منذ تلك اللحظة م غ ي ب…. !
آخر مغامرات السندباد
لطالما بحث في جميع الاتجاهات عن تلك المدينة التي استوطنت معالمها البهية كل زاوية ٍ من خياله.فكلما اجتاحته امواج الخوف واحاط به طوفان الهلع ،
هرع بنشوة ، لذلك المكان الذي لا اتجاه له..
همس سكون الليل في اذنيه ودفع به الى فردوس الاحلام وترك له حرية الانطلاق فانطلق بخطواته متحدياً تيارات الجنون…
ـ : فلتفعل الاحلام فعلتها وتقذف به الى حيث ما تتمناه نفسه ،
فقد آن الأوان ان يمزق نسيج الحيطة والحذر لتلبية ذلك النداء الخفي…
وحين تحقق لقدميه الهبوط في مدينة الاحلام ،
توارى النداء عن مسمعه وغدت عيناه تتضوران جوعاً لالتهام بهائها بشهية جائعٍ ٍ مذهول.
آهٍ…. الى اين ستقوده قدماه في هذا المحيط الساحر الرهيب ؟!
قالها بتلذذٍ وهو يحاول التواصل مع هذا الاستفهام ولكن..
عند هذه العبارة انقطع به المشهد.
ولم يستمر به الحال طويلاً فالضباب بدأ يزحف سريعاً سريعاً حتى حجبت عنه بهاء المدينه واضوائها في لحظات لم يستمتع بها ثوان ٍ…
تحسس جسده فلم يجده اذ اختفى في زحمة طريق شاحب الاضواء ،
فما من سبيل امامه الا المسير بلا قدمين…حتى التحف الضباب تماماً واختفى في طياته وقد تبخرت الامنيات….!
كانت تلك آخرمغامرات السندباد الغريبة في الف ليلة وليلة فشكراً لعالم الاحـــــــــــــــــــــلام.