العمارة الأجنبية في العراق
قصة جسر البصرة المعلّق الرابط الجديد بين شط العرب وتجارة العشار – صلاح عبد الرزاق
امستردام
مشاريع ما بعد 2003
منذ ســـــقوط نظام البعث في 9 نيسان 2003 وتأسيس نظام سياسي ديمقراطي ، عانى قطاع إنشاء المشاريع الكبيرة من مشاكل كثيرة أهمها الروتين الإداري في الموافقات والمخاطبات ، تدخل الوزارات والجهات الحكومية ومجالس المحافظات، عدم كفاءة المسؤولين عن المشاريع وطريقة إدارتها ، إضافة إلى المشاكل المالية وعدم وجود شركات متخصصة لتنفيذها. ولذلك تلكأ الكثير من المشاريع في التنفيذ أو لم تكن ضمن المواصفات المطلوبة، ناهيك عن الفساد في العقود مع الشركات المعنية وتعرضها للإبتزاز ورشوة الموظفين. إضافة إلى تقصير الاعلام العراقي في عرض الانجازات والمشاريع الناجحة لأسباب سياسية تهدف إلى التقليل من أهميتها وإلى عدم منح المسؤولين عنها شرف النجاح بل واتهامهم بالفساد بسهولة. الأمر الذي حجب الرؤية الصحيحة والتقييم الموضوعي لكثير من المشاريع الستراتيجية أو النوعية التي تهدف لمعالجة المشاكل التي يعاني منها العراق. بالطبع لا يدعى أحد أنه لا توجد مشاكل في المشاريع لكنني كمهندس أجزم بأنه لا يوجد مشروع في العالم لا يعاني من مشكلة فنية أو هندسية أو تصميمية أو مالية أو حتى حوادث غير متوقعة.
خلال مقالاتنا التي تجاوزت الأربعين مقالاً تناولنا فيها أهم المشاريع التي تم إنجازها في العهدين الملكي والجمهوري ، سلطنا فيها الضوء على المشاريع التي صممتها ونفذتها شركات أجنبية خلال تسعين عاماً. وقد اعتقد البعض أن تناول تلك المشاريع يهدف إلى تمجيد تلك العهود والحكومات ، أو يعتب البعض بقولهم لماذا ليست لدينا هكذا مشاريع بعد السقوط؟
ولذلك اخترنا عدداً من المشاريع التي أنجزت بعد 2003لتكون شاهداً على قدرة وعقلية الإنسان العراقي في رسم مسار حضاري جديد ينهض بالعراق ويساهم في تقدمه وازدهاره. وأن العراق ما زال معطاءاً بعقوله ورجالاته ومعمارييه ومهندسيه ومبدعيه أمثال رفعت الجادرجي وهشام المدفعي وقحطان المدفعي وزها حديد ومحمد مكية و قحطان عوني و حازم التك وفاضل لازار وناصر الاسدي وهشام منير وعدنان زكي امين و ومهدي الحسني وعادل صالح زكي وآخرين ممن تركوا بصماتهم في مئات الأبنية والعمارات والمعالم المعمارية في العراق المعاصر. فكرة جسر البصرة المعلق
في ظل ما تشهده من تنامي الحركة الاقتصادية ونشاط منافذها الحدودية وموانئها ، تعاني مدينة البصرة من زخم مروري كبير سواء بين ضفتي شط العرب نتيجة مرور الشاحنات المحملة بالبضائع عبر منفذ الشلامجة الحدودي مع إيران ، مروراً بقضاء شط العرب، الذي يمثل الضفة الأخرى للمدينة مقابل منطقة العشار التجارية. وكانت أكبر عقبة هي إنشاء جسور عادية مثل بقية مدن العراق لأن هذه الجسور ستعيق حركة الملاحة في شط العرب الحيوي ، وتمنع البواخر القادمة من البحر نحو ميناء المعقل الذي يقع شمال مركز المدينة بنحو ثلاثة كيلومترات. لذلك كان لابد من إنشاء جسر يلبي حاجة النقل البري والنقل البحري في الوقت نفسه. وهكذا جسر يجب أن يكون ارتفاعه عالياً يسمح بمرور السفن الصغيرة والمتوسطة إضافة إلى الكبيرة. كما سينعش الجسر المشاريع السكني في قضاء شط العرب لأنه سيوصل بين ضفتي النهر ليلا ونهاراً وبشكل انسيابي.
في شباط 2013أبرمت محافظة البصرة في عهد الدكتور خلف عبد الصمد عقداً مع شركة ميك MAEG الإيطالية على إنشاء جسر معلق بقيمة (86) مليار دينار (74مليون دولار) وبمدة تعاقدية تقدر ب (690) يوماً. ويربط الجسر بين منطقة الصالحية في قضاء شط العرب من جهة وبين منطقة مناوي باشا من جانب مركز المدينة.
وقد أطلق على الجسر عدة تسميات مثل (جسر التنومة) و (الجسر المعلق) لكن الاسم الرسمي له هو (جسر الشهيد محمد باقر الصدر) وهو الاسم الذي استخدمته المحافظة والوزارات إضافة إلى الشركة الإيطالية في خرائطها وتصاميمها.
شركة ميك الإيطالية
تأسست شركة ميك MAEG عام 1987في محافظة تريفيزو الإيطالية من قبل الأخوين ألفيو أورتولان Alfeo Ortolan باسم شركة أورتولان للانشاءات. وهي من كبريات الشركات العالمية المتخصصة بالجسور والانشاءات المدنية والصناعية. وتعمل في 30دولة ولديها أكثر من ( 800) موظف ومهندس.
وقد نفذت الشركة مئات المشاريع كالجسور الخرسانية والحديدية والمعلقة ، والملاعب الرياضية الضخمة ، ومحطات كهرباء ومواقف سيارات ومحطات سكك حديد ومنشآت مدنية أخرى في عشرات البلدان في القارات الخمس. ولعل أبرز إنجازاتها هي:
-جسر اللانهاية في دبي Infinity Bridge, Dubai
-الجسر المعلق في مدينة لينز بأستراليا Suspension-bridge 26
– جسر سكورو في ستوكهولم بالسويد Skuru Bridge
– جسر التسامح في دبي Tolerance Bridge
– المركز الدولي للمؤتمرات في الجزائر Center International Conferences CIC
– جسر Franchissement Urbain Pleyel في سانت دينيس بفرنسا
– ملعب الجنوب في الوكرة بقطر Al Janoub Stadium
– جسر دريني في كوكيس بألبانيا Drini Bridgem, Kukes, Albania
– جسر ماساريكوفا في أولوموك بجمهورية التشيك Masarykova Bridge, Olomouc , Czech Republic
– موقف سيارات محطة تيرميني بروما إيطاليا Termini Station Parking Lot, Rome, Italy
– جسر ستينا بين جبلين في ستينا بكرواتيا Cetina Bridge, Omis, Croatia
– قصر كوميت للمؤتمرات في أورليانس بفرنسا Co’met Congress Palace, Orleance, France
– ملعب بول بيا في ياوندي بالكاميرون Paul Biya Stadium, Yaounde, Cameron
– جسور السكة الحديد القوسي خط نابولي- كانسيلو بايطاليا Arch Railway Bridges, Italy
– جسر ريفا تريكوزا في سيستري ليفانته بإيطاليا Riva Trigoso, Sestri Levante, Italy
– ملعب كيويس في بيركامو بإيطاليا Gewiss Stadium, Bergamo, Italy
– قبب قصر فيندوم في الدوحة بقطر Palace Vendome Domes, Doha, Qatar
– توسيع مطار FDF في لي لامينتين في المارتينيك Expansion of FDF Airport, Le Lamentin, Martinique
– أبراج واي في أمستردام بهولندا Y-Towers, Amsterdam, The Netherlands
– مجمع غاريبالدي السكني في ميلانو بإيطاليا Garibaldi Complex, Milan, Italy
– محطة كهرباء القاهرة بمصر Energy Plants, Cairo, Egypt
وعشرات المشاريع الضخمة الأخرى في بلدان عديدة في العالم ، وبعض صور المشاريع المنفذة مرفقة بهذا المقال.
مواصفات جسر الشهيد الصدر
يعد الجسر أضخم جسر معلق في العراق والثالث في الشرق الأوسط من حيث الحجم والمواصفات، وبات واحداً من معالم البصرة الفيحاء. وهو يشبه في تصميمه بعض الجسور الشهيرة في العالم، وأقربها إليه من حيث الشكل هو جسر البوسفور الذي يقع في إسطنبول ويربط بين قارتي أوربا وآسيا. كما يشبه جسر ميلو الفرنسي الذي يعد أحد أعلى الجسور في العالم. قام البروفسور الإيطالي مارديودي ميرندا بتصميم الجسر. وهو أحد أبرز مصممي الجسور المعلقة في العالم. وشارك في إنشاء الجسر (89) مهندساً إيطالياً. وقام معمل فازولا Vazzola الإيطالي بصناعة الأجزاء الأولى من الجسر. يبلغ طول الجسر (1280) متراً ، وعرض (22) متراً ، وارتفاع (35) متراً ، ويعلو مستوى المياه في شط العرب ب (35) متراً مما يسمح بمرور البواخر تحته، حيث يبلغ عرض الفتحة الملاحية (150) متراً أما الجزء الواقع فوق النهر فيبلغ طوله (500) متراِ والباقي مقتربات الجسر من الضفتين، وبعمر افتراضي (100) سنة. وتبلغ أعلى نقطة للجسر بارتفاع (75) متراً حيث تشاهد معالمه وأضواؤه من أية نقطة في البصرة. للجسر أربع مسارات للسيارات، إثنان للذهاب، وإثنان للإياب، مع مسارين للمشاة.
قامت الشركة الإيطالية بدق (200) ركيزة Piles في الأرض قادرة على تحمل وزن الجسر والعربات والشاحنات المارة فوقه، بسبب طبيعة الأرض الضعيفة قرب النهر. وشارك (45) مهندساً وفنياً إيطالياً بحفر الأسس ودق الركائز مستخدمين أحدث التقنيات العالمية. كما قامت الشركة بعمليات فحص التربة لأعماق بعيدة والفحص الزلزالي للتأكد من تجانس التربة وقاع النهر. وكان على الشركة الأخذ بنظر الاعتبار ملوحة المياه والترسبات في شط العرب.
وتم تكليف شركة كي لاند البريطانية بالإشراف والمراقبة على تنفيذ المشروع، ومتابعة نسب الإنجاز وحسب المواصفات المحددة. كما قامت (شركة الخيرات العراقية) بمساندة الشركة الإيطالية. وقامت شركة مختصة بإنارة الجسر وفق تصاميم عمرانية تظهر جماليته ، وكانت قد أسهمت في إنارة برج خليفة بدبي.
افتتاح جسر
في 10آب 2017 تم افتتاح الجسر رسمياً بحضور مسؤولي الحكومة المحلية ونواب البصرة في البرلمان العراقي ، وشخصيات ووجهاء وجماهير غفيرة. وكان من المقرر إنجاز الجسر خلال عامين لكن تم إكماله في أربع سنوات بسبب التأخير في المباشرة . وخاضت الشركة الإيطالية تجربة مريرة وقاسية خلال تنفيذ المشروع بسبب التعقيدات الإدارية والتحديات الأمنية داخل البصرة.
وعانت الشركة الإيطالية من الصعوبات المرتبطة بالحصول على سمات الدخول (الفيزا) وتراخيص الإقامة للعاملين في المشروع الذين يمثل الإيطاليون 90 بالمئة منهم. كما تمت إزالة (24) مسكناً ضمن المتجاوزين على أرض المشروع. كما واجه دخول الآليات صعوبات في دوائر الموانئ والكمارك حتى تصل إلى موقع العمل. وبسبب حالة التقشف المالي التي فرضتها الحكومة عام 2014وإيقاف المشاريع، واجهت الحكومة المحلية في البصرة مشكلة توفير التخصيصات المالية من الموازنة العامة.
المصادر
-موقع بصرة Basra في 26أب 2014
-موقع تقريب taghribnews.com في 21 شباط 2013
-موقع أرابيكا 3rabica.org
-موقع إذاعة المربد في 10آب 2017
-موقع أخبار العراق iqnews.net
-السومرية نيوز في 7 مايس 2017
-موقع صوت العراق في 5 أيلول 2017
-جريدة المدى في 25كانون الأول 2016
-موقع شركة ميك الإيطالية