أنستاس بوغوص
غابت الشمس ولم يظهر القمر، فخيم الظلام على الأفق كستارة سوداء تخفي كل شيء. كان الليل أكثر سوادًا من المعتاد، وكأن الكون توقف عن التنفس، لا نجم يتلألأ ولا شعاع ينير، فقط صمت عميق يعم المكان.
في هذا الظلام، شعرت المدينة وكأنها فقدت وجودها، الشوارع الخالية تلتقط همسات الريح التي تمر ببطء بين الأشجار، تهمس بأسرارها لأحد لا يسمع. كل الأضواء الكهربائية التي كانت تحاول محاكاة ضوء القمر بدت ضعيفة وضعيفة جدًا أمام غياب هذا النور الطبيعي الذي يعطينا الأمل والسكينة.
كانت السماء فارغة، بلا أي نجمة، بلا أي ضوء يريح القلب، وكأن الكون قرر أن يعاقب الأرض بحجب ضوءه عن الناس. في هذا الظلام، شعرت القلوب بالخوف والحنين، فقد كان القمر دائمًا رفيق الليالي، مرشدًا في عتمة الطريق، وملهمًا للأحلام والرومانسية.
على الرغم من ذلك، حاول الناس التكيف مع الظلام، أضاءوا مصابيحهم، وحملوا شموعهم، وكأنهم يرفضون الاستسلام لهذا الليل القاتم. وفي البيوت، اجتمعت العائلات حول دفء الموقد، تروي قصصًا عن الأيام التي كان فيها القمر يتلألأ، وعن أحلام المستقبل المضيء.
لكن في عمق الظلام، شعرت الطبيعة أيضًا بتلك الفاجعة. لم تغرد الطيور كما المعتاد، ولم تخرج الحيوانات من مخابئها، فقد كان غياب القمر كأنه قطع عنهم جزءًا من حياتهم. كانت الأشجار تهمس للحظة، تشتاق لأشعة القمر التي كانت تلامس أوراقها، تبارك الأرض وتنشط الحياة.
وفي هذا المشهد الكئيب، بدأت الأفكار تتردد في عقل الإنسان، هل غياب القمر نذير شؤم؟ أم هو فقط دورة طبيعية من دورات الكون؟ هل سيعود النور ليملأ السماء من جديد؟ أو هل سيبقى هذا الليل الطويل بلا نهاية؟
رغم كل هذا الظلام، يبقى الأمل موجودًا في القلب. لأن كل ليل مهما طال، لابد أن يعقبه فجر جديد. وبالتأكيد، سيعود القمر ليضيء سماءنا، ليمنحنا السلام والطمأنينة، ويذكرنا أن النور لا يغيب إلى الأبد، وأن في ظلمة الليل يكمن وعد الفجر.