قصة قصيرة (1)
عودة غالي
في يوم عاصف وممطر ضربت ألأمواج الهائجة سفينة الكابتن غالي الخاوية . تلاشت أجزاء السفينة بين تلك الأمواج العاتية قذفت بغالي منازعا بين أضلعها مابين الغرق والنجاة . رأى لوح من الخشب تشبث به وبدأ قتاله مع الأمواج , موجة ترفعه وأخرى تحتضنه والمطر الأسود يعمي عينيه , لا يرى إلا السواد ولا يسمع سوى صراخ البحر يترآى له في تلك الأمواج امراءة طويلة ترتدي عباءة سوداء تنادي ابنها وتندب حضها .
بينما غالي ينازع مصمما على النجاة فإذا بموجة تتشيط غضبا تحمل بين ساعديها جزاءا من سفينته الخاوية فيسقط على رأسه . يفقد غالي وعيه ويغمض عينيه وينزل إلى قاع البحر . فجأة تخرج حورية ذات جمال ساحر تمسك بيده كأنها تدله على طريقه تخرجه الى سطح البحر .
هدأت العاصفة وأخذت الإمطار بيوتنا لها بين أمواج البحر , ظهر منقذي غالي هم طاقم سفينته في قارب صغير يقفون حيث لا مكان للجلوس . فرؤى غالي مستلقيا على لوح من الخشب . بدأ بالنداء لكن غالي لا يستطيع الحراك لأنه فاقد وعيه تماما . سحبوه ووضعوه فوق رؤوسهم حتى استعاد وعيه .
لـــــــــــــــكن ..؟
أول كلمة نطق بها غالي هي .. من إنا ؟ بعدها بدا مذهول والدهشة على وجهه ثم قال : من انتم …؟ أين نحن …؟
تفاجئ أصدقاء غالي بهذه الكلمات و تأكدوا أن غالي قد فقد ذاكرته لأنه لا تمييز بين أخيه وأبيه وصديقه وعدوه . احسو إن غالي في ورطة لا يستطيع النجاة منها إلا بمرور الزمن .
بدأ غالي بالتحدث عن نفسه وعن حكايته وتجربته القاسية .
عندما نزلت الى الميناء بدأ الجميع على وجوهم الفرح لا اعرف أي شخصا من هم هؤلاء الذين يرقصون ويغنون فرحا بقدومنا والأطفال يصفقون ويقبلونني هل إنا مهم إلى هذه الدرجة من أكون يا ترى وما علاقتي بكل هؤلاء ؟
فأخذونا إلى قاعة كبيرة حيث يجلس فيها رجال على طرفين كل رجل يقابل الأخر وفي الوسط كرسي كبير .
بعد الجلوس الطويل والمرهق تبين لي أنهم يتنازعون على من يتوجب عليه الجلوس على هذا الكرسي او من يستحق أن يكون في هذا المكان . سألت احد الواقفين من انتم ؟ شرح لي القصة بأكملها فإذا بهم أقرباء يعيشون في نفس المكان يأكلون ويشربون من نفس الطعام والشراب ومصالحهم مشتركة لكنهم يطمعون بالحصول على هذا الكرسي الذي لا فائدة منه .بدأ الشجار وأنا أقف متفرج إلى أي جانب أقف فأنا لا اعرف من أكون ومن هو الذي على حق .
خرجت من القاعة مذهولا بما رأيت. سـرت بين الشوارع باحثا عن مرشدا لنفسي دالا لضالتي فأنا تائها بأفكاري وكل شي غريب وكأني أول مرة أرى هذا المكان وصورة الحورية تترآى لي بين الحين والأخر .
بدأ غالي يسير بين الطرقات فقال : ماهذه البيوت العملاقة الشاهقة التي أتعبت عنقي بالنظر أليها من يعيش بها .. ماذا يفعلون هؤلاء الأطفال القذريين ؟ وماذا تريد تلك النساء ..ولما الحراس يصرخون بوجوههم ..؟
استمرت قدماي بالفضول للتعرف على المجهول . بدأت البيوت تتغير حيث الكبيرة والصغيرة ومنها كالطفيلية التي تعيش على جذور الأشجار الكبيرة . استمريت بسيري فرأيت بيوتا تشبه فتاة ضريرة لا يكسوها سوى جذوعا متخشبة يملأها الظلام لا تصلح للسكن سوى الدواب . شعرت بالفضول وطرقت إحدى تلك الأبواب خرجت منها امراءة ومعها طفلها الرضيع وورائها أربعة أطفال على وجوههم يطغي السواد حيث مزق الجوع أحشائهم اعتقدوا أني جالب الوسيلة واحتضنني الأطفال , شعرت بالخوف منهم وركضت مسرعا خارج هذه الطرقات .
أخذتني قدماي إلى مكان يملأه الخضرة وجمال الخلاق وإبداعه فقلت في نفسي هنا سأجد نفسي ومن أكون ؟ فلما غرقت في الأحلام فإذا بتلك الحورية تلمس يداي وتهمس لي ” لاتتأخر أني منتظرة ” فمن برودة يدها افزع من غفوتي . تلك الحورية هي دليلي لضالتي يجب ان ابحث عنها لربما تكون موجودة في البحر ذهبت الى البحر منتظرا ان تخرج وتخبرني من انا لكنها خذلتني .
مرت الأيام وغالي لا يعرف من يكون عاش بين حيرة الأيام وكثرة الكلام ، منهم الملوك يقولون انت منا ؟ منهم المساكين يقولون انت منا ؟ ومنهم الاسياد يقولون انت منا ؟ ومنهم اللصوص يقولون انت منا ؟
هنا بدأت حيرتي الى من انتمي من هي امي ومن يكون ابي اين ذهب وطني ومنزلي …. لماذا فقدت ذاكرتي ؟ ومن تلك الحورية التي تلاحقني ؟
عندما التقي بأحد يقابلني بالبكاء وعندما يرحل عني يبدأ بالتذمر علي .. هل هذا حب ما نوع هذا اللقاء هل هو صديق ام عدو ؟ لما يتحدث عني هكذا ؟ ما الذي فعلته حتى أجد في قلوبهم هذا الحب والحقد في نفس الوقت ؟
ضاقت بي الدنيا وبدأت في الشك حتى بأسمي الذي كان مكتوب على ذراعي هل صحيح اسمي غالي ولما سميت بهذا الاسم ؟ تاهت بي الافكار اين اذهب الان ؟ واين سأقضي هذه الليلة ؟ من يستقبلني ويفتح لي بابه ؟ فجلست في مفترق الطرق حتى سمعت احدآ ينادي بأسمي من بعيد … ” غـالي .. غـالي .. أيـن أنت ؟ “
فلما وصل الي فقـال … ” الى اين انت ذاهب .. تعال معي الى المنزل فأني لن اجعلك تبيت في الخارج ” .
فقلت : شكــرآ … ” وفي داخلي هواجس اتسأل من هذا حتى يستضيفني في بيته فلم انتبه على نفسي حتى قلتها بصوت عالي .. من انت ….؟ “
فقـال (مبتسما) : لا تخف فأنا صديق واسمي عامر .
فلما ذهبنا الى المنزل وجدت الفراش قد جهز لي فغرقت في نومي ولم استفيق حتى الصباح على صوت حنون يطلب مني الاستيقاظ وجدت ذالك الطعام الشهي والرائحة الزكية .
فقـال لي عامر ” لقد أعدت زوجتي لك هذا الطعام أتمنى ان ينال إعجابك “
فقلت : ” شكر لك ولكرم ضيافتك “
لكني عندما كنت أتناول الطعام أحسست بعيون تراقبني من خلف الستار وقبل ان اتمم طعامي سمعت الباب قد طرقت ودخل علينا شخصا ناداني بأخي .
وقـال : أخي أين كنت بحثت عنك في كل مكان .
ولكني لم اشعر به ولا بكلماته فقد كان وجهه يقول شئ ولسانه شئ اخر فجلس معي وتحدث عني وعن ماضي فلم اتذكر أي شئ من الذي قاله . فدخل علينا اثناء الحديث عامر فعندما رأه سألني ان كنت سأذهب معه ام ابقـى لكن كان قد ارتسمت على وجهه علامة عدم الرضا. فأنتابني الفضول لمعرفة من انا ؟
فقلت له : ساذهب معه .
قال عامر : في أي وقت تحتاجني فاني موجود لمساعدتك .
خرجت معه فأعطاني عامر كل ما أحتاج اليه من ملابس ومال وورقة مكتوب فيها (ابحث في داخلك عن من تكون لا تنتظر مرشدآ لذاتك ….عامر) .
فبدأت رحلتي معه وأول ما خطر في ذهني أني لا اعرف مايكون اسمه فقل:
مـــا اسمـــك ؟
فقال : ألا تذكر اسمي ..(وفي عينيه نظرة غضب أرعبتني).
فقلت : أنا لا اذكر شئ فقد سقط العمود على راسي وقد فقدت ذاكرتي .
فقال : (متبسما) كل شئ …؟
فقلت : نعم كل شئ ..
فقال : لا تحزن فأني دليلك …أنا ناصر .
غالي : لا أتذكرك لكنك لست بغريب عني.
في حقيقة الأمر أن ناصر لم يقل اسمه الحقيقي وان اسمه الحقيقي هو مخلص وانه من ألد أعداء غالي . فلذلك مضى غالي معه وهو جاهلا لهوية مرشده أو دليله وماذا قد يحدث له . بدأ ناصر بالحديث عن نفسه وعن كونه ذو صلة قوية جدا بغالي .
ناصر : لقد قمنا بعدت مغامرات في البحر …..
قطع غالي حديثه وقال :حدثني عني أكثر لكي أتذكر؟
وبدأت تتغير ألوان ناصر لأنه لم يقم بأي رحله مع غالي .
ناصر : أتذكر عندما أبحرنا ثلاثة أشهر وعثرنا على جزيرة التي لايسكنها احد قضينا بها خمسة ليالي وقد لهونا ومرحنا وكانت ايامآ لاتنسى .
غالي : لماذا لم تذهب معنا في هذه الرحلة ؟
ناصـر : (يمتمت في كلامه) فقد كنت مريض .. دعنا من الحديث عن الماضي فمازلت أنت على قيد الحياة ابحث عن مستقبلك الذي هو معي .
فرحت وشعرت بالاطمئنان لاني وجدت دليلي ولن اشعر بالخوف من المجهول لكن تلك الحورية لم تتركني فأني اسمع همسها في كل لحظة ليتني أجدها .
انطلقا بعد ان تأكد ناصر ان غالي فاقد تمامآ لذاكرته . بعد ان قطعا مسافة طويلة ووصلا الى مكانآ أشبهه بالبيت المهجور .
ناصـر : من هنا ستبدأ مستقبلك معي.
زهراء ناجي ألعارضي – بغداد