عمّوراتي كما براه المرواتي.. أو يراه ـ د. عمار أحمد

عمّوراتي كما براه المرواتي.. أو يراه ـ د. عمار أحمد
.. وسأنقشُ على خديكِ ما تيسَّر لي من القبلات.. وأرشفُ منبعَ الشهدِ رشفَ طامحٍ للتلذذ بضوء أبهى الامنيات.. فيشهقُ الصباحُ.. ثم يتوضأ ويصلي لمن أبدعكِ آيةً ترنو إليها حشود الصباحات، وتفاحُها يقطُرُ دهشةً، وهي تتمتم مذهووووولةً أهذه من البشر؟
وسأنصِتُ مليّا لهذا الصباح.. وأنا أراه أنساقا أنيقةً من عازفاتٍ على الأعواد، فاتناتٍ تأزَّرْنَ بأطواقٍ من نبضِ ما تبقى من نجوم، وتوشَّحْن بآثار مسار الأقمار، باهراتٍ كنَّ وهنّ يُنشدْنَ ما تآلفَ من نظراتِك الناعسةِ وومضِ غمزاتِك بما يشبه انشراح قلبي.. سأنصِتُ وأنا مترَفٌ بمشهدِ تذاوُبِ ضوءٍ بعبير..
با أنت..
ورديةٌ شفتاكِ ما تركتْ فسحةً للأسودِ من الملام ، سيظل يرشفُ منهما نَهِما حبيبي ورديف أنغامي الباهر المدعو الكلام.. ويظل ينصتُ بشغفٍ وهدووووء لامعين لثرثرةِ عينيك الناعستين، ولصمتِ وجهك المترفِ بابتسامة ترفُّ حولها أسرابُ الحروفِ العاطرةِ ، ورشاقةُ بياضك تنحني لها رشاقة أثقفِ العطور.. وشكرا لأنك قبلت أن يثمل خيالي بوهج هذا المدام..
.. وكنتُ على يقينٍ ناااااصعٍ كإحساسي بفرادتِـك.. بأنْ لا شبيهَ لكِ إلا صوتُ فيروزَ المندّى بنَـثيثِ المطر.. المنتعشِ بلهْـوِ طفولةِ الوقتِ بشعرِك.. صوتُ فيروزَ الذائبُ بهذا البريقِ العاطرِ من عينيك.. وحروفي تتراصفُ بأناقةٍ مفرطةٍ لائقةٍ بسموّك، تحتَ قوسِ فَـرحِ دهشتي الدائمة بكِ.. يا آمرأةً تتوهج وكأنها تمشي تحتَ شلالِ ضوءٍ.. دائما
وهل ستكفي مخازنُ الكلماتِ المكتظةِ، الواسعةِ، الشاسعةِ.. للإحاطة بك.. يا آمرأةً تدوزنُ الألحانُ نبراتِها.. من صوتِها ويسكرُ العنب.. يا حبيبتي المحمولةَ على.. أصواتٍ مِن ذهب ..
يا الله .. لماذا كلما رأيتُكِ يبدو وجهكِ وكـأنه قد توضّأ بضوء..؟
أتحف الله الليل بإغفاءتك.. وأترفَ أضواء الصباح بابتسامتك.. ومَنْ بمثل هنائي وأنا أطوف بين الزينة..و الترف، وأتسامى باللذة الساحرة بين الإغفاءة..والابتسامة..
سأقول لكِ يا باهضةَ الليونةِ ، وناهضةً قامتُـكِ مثلَ أملٍ نافر، وصباحي معكِ مؤثّثٌ بالباهرِ من الأمنيات ومؤنّثٌ بما يكفي من نقوشِ النغمات.. نكايةً بالكنايةِ ، ونكأً للمألوف من اللغة
أغيثيني.. وذوبي في شراييني خمورا من ضياء..
هذه ورداتي.. خذيها وامنحيها من عينيكِ بريقا، ومن جسدك عطرا ضوئيا، ومن وجودِك ألوانَ حياة.. إني أنتظرُها.. وبلمساتك رتّبيها على مائدة الصباح..لأرى ارتشافَك من فنجانِ قهوتك ذائبا بموسيقاه
يا أنت.. يا أنت
ما يشغلني هو الحب وحده.. وليس الحبيبات.. عجيييب أمره كيف غطّى الحياةَ كلها منذ ابتدائها.. ولم يتسعْ إلا لكِ وحدك.. عجييييييب
….ولو كنتُ رساما لعلّـقْتُ نوتاتي الموسيقيةَ على الأشعةِ الخمسةِ الأولى من إطلالةِ الصباح عليكِ، في لوحةٍ يَسمعُ فيها كلُّ من يراها كركراتِ الألوان، وجعلتُ الوقتَ والمكان.. والظلمةَ الشفيفةَ عازفين لمقطوعتي التي لا تكتمل نضارتُها إلا بإنصاتِـك..وأنا عازفٌ عن سواكِ.. إلى الأبد..
أنتِ تذاوبُ الفنون.. وأنا مترعٌ بتناوبِ حالاتِ الجنون… بكِ… يا نشاطَ أيامي وسمرَ لياليَّ المترفَ بالعذوبة..
صباحٌ أنتِ فيهِ الضوءُ و الضوعُ، أنتِ فيهِ المتنُ والإضافة، حكايةٌ فيها كلُّ دَهشاتِ الخرافة..
صباح المرايا التي أنهكها الالتفات حذرا.. من هول هذه المنايا.. صباح غزة المكسر الأضواء.. وهو ينتحب من دهشة الأرواح الطاهرة وهي ترنو إلى القتلة وهم يتلمظون ويرسمون ابتسامات صفراء.. صباحك دمشق صباحك الساهم مع سهوم الياسمين، وحزن الصبايا المنتحبةُ أنوثاتُهن المفرطة على شرفات الأسئلة ما ذا جرى، لماذا جرى ، كيف سينتهي؟
بي رغبة لقول
لستِ بحرا.. فإذا قلت هذا سأجعلك مٌـلكا وصفيا مشاعا….أنتِ موجة ينقش عليها ضوء الصباح بغمزاتِه أعذب الأغاني..فيسعى أي بحر بكل جماله وسحره لينتمي إليها..فيزهو ويُطرب فيلعب كطفل ضاحك مع سواحله حد النشوة
قبلَ دهورٍ كنتُ ذكرا.. كنتِ أنثى
قبل قرون كنتُ طفلا ..كنتِ طفلة
….عقودٍ كنت يافعا.. كنت صبية
.. سنواتٍ كنت شابا.. كنت تحفة
… شهورٍ كنت رجلا ..كنت امرأة
…….أيامٍ كنت استماعا… كنت نَغمة
… ساعاتٍ كنت شيخا . وأنت نِعمة..
قبل دقائق قلتُ أحبكِ.. صرتِ نسمة
قبل ثوانٍ تشافهنا.. تعانقنا.. تذااااااوبنا
انفرشتِ وهجا.. صِرتُ غيمة..
نعم.. نعم أنتِ التي تُشرِقُ على صباحي كأحلى صباح.. فيزخرفُ الوقتُ بالقُبلِ سعادتي ويفرشُ في ممشى أمنياتي بساطا من بهجةٍ وانشراح.. ويُغنّي..
.. أنتِ وآلتي الموسيقيةُ أُنثَيان ترفلان باللطااااافة وتحتاجان مني إلى فرادةٍ غايةً بالترفِ في التعامل معهما، فإذا عزفتُ على آلةٍ العودِ بمهارةٍ أعطتني أنغاما، واستبدلت أحزاني أحلاما، وإذا عزفتُ على الثانيةِ انثالت عليّ فيوضَ رِقّـةٍ، وأورقتْ حبا، وأورفتْ أغنياتٍ تنتزعُ ابتسامةَ اكثرَ الأوقاتِ تجهما، ضحكتا مني عندما علمتا أني كنت أخشى غيرتهما.. وقالتا في وقت واحد، وابتسامةٍ واحدةٍ مُموسقةٍ كحديقتي ورد الله يسامحك يا عمري شكرا للمبدعة أختي وصديقتي الراقية رئيفة المصري فهذه الالتماعة من وحي صورة ونص نشرتهما أمس
.. سلسلةٌ من مشاعري المحمولةِ على فيضِ الأنوثةِ النابضةِ بريقا في عينيكِ، ربطْتُـها بين كوكبين، وعلّقتُ صورتَـكِ عليها، وأنتِ تلتفتينَ إليَّ.. وأطّرْتُـها بالجميلات من النجوم.. وكتبتُ وسبّورتي سماءُ الليلِ كلُّها بضوءٍ مشاعري المكتظةِ بغوايتها، وغرابتِها اللامعةٍ انبهارا بكِ
كأنَّ السِّحرَ يلتفتُ منبهرا بهيمنةِ إطلالتِـك على هذا السَّحَر.. فيرسمُ الجمااااالُ ابتسامةً على شفتيه المملوءتين بماء لذّةِ الحياة..
وكيف لا أحبك حدَّ الجنون.. يا قلبي المترفَ بنبضِها.. وأنتَ من أحبَّ امرأةً تذاوبتْ بها كلُّ بدائعِ الفنون؟
لمْ أرَ امتزاجَ الضوءِ بماءِ لذةِ الحياة، ولا العطرِ ببهاءِ الأمنيات . إلّا بوجهِك.. يا سيدةً ترتّلُ بمحرابِ فرادةِ حسنِها تراتيلَ الانبهار.. أندرُ الجميلات.. وأترفُهنّ..
… وسأملأ كأس لذتي بما بنساب من سحر عينيك الشفييييف.. وأبددُ اليأسَ من هذا الفراغ الكثييييف بما يتهيأ لي من تخيّلي لك وأنتِ تمشينَ عطرا في الحدائق، تُـسوِّرُ مسارَك فيه دهشةُ الورود، وينتشي طربا لها كلُّ اخضرارِ الشجر.. يا أنت يا لونَ إيقاعِ المطر..
… وأنتِ كل ما يذيب عن حياتي الملل، يا سكّر الأمل، يا سرَّ شهدِ الوقتِ يا لونَ ابتهاجِ العسل.. كيفَ أسيءُ لك؟ . بالله أسألك .

في قسوةِ النأي حلمي سَرى بك.. قد صِرتُ حزنَ الناي يرويه وهمُ الماءِ في… سَرابك
أنا مَنْ هَلَـك… شوقا إلى استنشاقِ عطرِ روحِك.. وعطشاً بلهفةِ شوقٍ طاحنٍ يُراوِدُ.. مَنْهَلك
يا سيدي
وكأنّ برقاً من بهائِـك رجّني ، قالَ انتَبِه.. فكيفَ لا يَسحرُني ضوءٌ نديٌّ ناعمٌ وأنتَ بِـه
…. عندما كان الوقتُ ملونا.. بالضحك البريء، والصداقةِ الحميمة مع الدب الصامت الذي يغفو بجانبي إذا نمت، وينصت لأحلامي بلا أي اعتراض، أو تعكير
عندما كان الوقت مرصعا بشرائط ابنة الجيران الملونة
ومترفا بالرغبة باستعجال الرجولة
عندما كان الوقت كذلك
لم أكن سعيدا؛ لأن أبي كان يضرب أمي فتبكي
ولأن شيخ الحي كان يضرب أبي فنبكي
ولأن الأب الاكبر كان يستدعي شيوخ الحارات
ليضربهم فلا أحد يضحك…عندما كان الوقت كذلك
كنت حزينا حد تجعد الوقت..
اليوم صار الوقت ناحلا
لأن صورة أبي ما زال يضرب أمي فتبكي مستمرة
ولأن العمر ولّى على سيول البكاء
ولأن ذات الأشرطة الملونةِ شاخت حزنا على فراق الأولاد والأحفاد، الذين ابتلعتهم الحروب، والغربات والاغترابات
ولأن الدب الصغير ظل صغيرا صامتا منزويا نشفته غربته بعيدا عن أحلام الصغار..
ولأن المدن صارت ترزح تحت القصف، وتترنح تحت ثقل النزوح، ومرارةِ أهلها من الانزياح
وغزو اللقطاء.. وغبار الظلام العالق على القادمين بفرح الأمان من رعب الكهوف
لأن كل هذا…
فأنا حزين حد تجعد الوقت وذوبان الألوان، وانطفاء بهجة الأوان..
يُتلفني غيابُك.. يُتحفني ورودُك.. خزينتي ذكراك وزينتي ورودُك
هو الذي سكت

لا أفكّرُ بالهربِ منك أبدا.. لأنّي أَعرِفُ أَنّي سألجأ بعدَه.. إليك

….. وأنتِ سرُّ عطرِ الوقتِ إذا ما تنفّسَ السَّحر . قال المرواتي لفراغِ آخرِ الليلِ وهمّ ببكاءٍ عميم، جاهلا تماما سرَّ هذا الحزنِ الذي يُشبِهُ فقْدَ وطن ..
ليعلم العالم لو لم تكوني في حياتي لافترضت امراة تشبهك تماما لسبب بسيط ومعقد في آن معا هو إنني أحبك
… وأنتِ تصعديني على سلمي الموسيقي وشَمْتُ سيقانَك بالأنغامِ الملوَّنة.. فَجنَّ جنونُ الفراشات..
… وكلما دوى انفجار والتجأت الطفولة إلى بكائها والنساء إلى ذعرهن، والجرحى إلى قارعة الأنين، والنهار إلى الترهل، والليل إلى التصحر، والتاريخ إلى العكاز اللين، والمستقبل إلى المغاور، والقتلى إلى نهايتهم.. أتيقن أكثر من أن الحياة ما زالت بقيد الخراب على قيد الموت..
لا لنْ أكونَ الظمأ الوهميَّ في سرابِك
فلا تكوني حزنَ ليلِ الفقدِ لو سرى بي
أنا من درى بسرّ شهدِ الحبِّ في رضابِك
فمتى ترينَ هناءكِ المأمولِ في الرضى بي
الزمنُ هو الذي أراه ولا أراه.. هو
حنيني الدائم لروعة الطفولةِ الكامنة في الغياب التام للموت، والتجاعيدُ المباركةُ على وجهِ أبي، وذهولي من موته مع كل التوقعات، وانحناءُ أمي في مشيها، وتعاظمُ رغبتي بالارتقاء كلما قبّلتُ يديها ورأسَها، وبقايا بيتِ جَدّي المزخرفةُ بكل أحاديثِ نسائه العلنية والسرية، وكركرات أبي عندما طفلا.. هل كان أبي طفلا؟
وهو قدرة المساء على استقطاب الحزن، نعم.. والزمنُ أيضا حشودُ الأيام المتراكمة خارج السنوات وهي مصفدة بعد كل هذه الانكسارات.. والتفاف خيوط العناكب على ضحكات القلوب.. إنه تيبس وريقات الورد في دفاترنا التي كانت عاطرة بمراهقاتنا.. هو هذهِ الفرشاةُ العصية على الرؤيةِ التي ترسم الخطوطَ البيض على سواد شعري.. الزمن تفاصيل أخرى عديدة.. ولكنه أنتِ أيضا..
… والغرابةُ كلُّ الغرابةِ في أنْ لا أراني غريبا في يومِنا هذا.. والاستقرارُ كل الاستقرار في أن أكونَ قلقا كأنّي على جناحي أمنيةٍ باهرة وحائرة من انعدام طرائق التحقق..
ابتسمي لأُطْرَب.. وتكلمي لأتعطَّر.. ومَوسِقي الوقت بأنوثتك وتفاصيلِها الملونةِ لأثملَ..وعانقيني لعلي أنسى.. فأرى كما لمْ أرَ..
الظِّلالُ خَجَلُ الأمكنةِ بعدَ انكشافِها بضوءٍ.. كتبَ المرواتي على الحائطِ المنقوشِ بآثارِ المطر، ومُشاكساتِ الأولاد، وهو ينظرُ إلى شابٍّ يحثُّ خطاه حاملا آلةَ عُود.. تتبَعُهُ عطورُ أشواقِ تلكَ البنتِ النَّضِرَةِ التي تتخفى ناطرةً وناظرةً مِن خلفَ البابِ الأخضر ذي الكفّ المقلوبةِ الحمراء….
مِنْ شُرفةٍ بأعلى المساءِ المُترفِ بوداعةِ الموصلِ القديمةِ، وتعبُ العائدينَ يتسرّبُ في الأزقّةِ المتراصّة الملتفتةِ إلى نهر دجلةَ بانتظارِ نسائمِ ابتساماتِه الحريريةِ البيضاء، أطلّ المَرْواتي بوجهٍ مكتومِ الملامحِ وهمّ بأن يقولَ أنا أفكر.. إذن أنا موجووووووع ..ولكنّ رغبةً عارمةً بالنقشِ بريشةِ العودِ على سلم النهاوند الهابط إلى القرار.. جعلتهُ يبتسمُ ويستنشق عطرَ مسائهِ بعمق..
والعازفُ الموهوم..
يسمعُ من نغماتِه روائعَ الألحان..
من وترٍ مكتوم
وينبري مدافعا عن فنّه العظيم
ويحكي للطرشان عن فرادةٍ ما نالها إنسان..
لكنه في خلوةٍ يبكي دما
ويغتلي.. في حُزنِه الكظيم..
فيطفو فوقَ سطحِ أحزانِه.. يجرّه الوُجوم
كما تجرّ الريحُ في شتائِه العاري
عذاباتِ الغيوم..
لكنّ المَرْواتي حَزنَ عليه..وما زال يفكّر مترددا هل يحفظُها في أوراقِه أو لا؟
…. بصوتٍ كأنه نثيثُ برد في صيف، وأناقةُ مساءٍ يتأملُ في خريف ، وبابتسامةٍ كأنها فيضُ دفء على شتاءٍ يُرتلُ مطرا، وابتهاجُ الألوانِ بربيعٍ يُموسقُ نسائمه، قالت لي تلك التي يرنو لها الجمالُ ليهنأ أحبك كلمة عطّرتْ فضاءَ مشفى الطوارئ.. وكانت كفيلةً باندحارِ كلِّ هولِ الانفجار
قَسَما بقلبي الذي
عُمْرَينِ للصدّ قد . أمهلك..
هلْ ظلّ قلبا يفيضُ الحبُّ في نبضِه.. أمْ هلك؟
يا سيدي مرات مرات ومرات.. نهرٌ منَ الأحزانِ جاورَ رافديك.. والدهرُ ما زال يُقبّلُ وجنتيك
يا قِبلة الأزمانِ قد شدّ يديك
النذلُ والخَوانُ
يا سيدي..
يا عزمَ أسيادِ الدُّنى.. لهفي عليك
ما زال المرواتي يُدندنُ على أملِ الوصولِ بأُلحونتِه إلى مُنتهى المرام.. وفي كلِّ احتمالٍ.. يبكي..
وفيما بعد
يا صيفَ هذا العمرِ قد أربككْ مطرٌ هطولٌ بينَ سيلٍ وصَبْ
همْ ألبسوا سنواتِنا موتَهم سيفضحُ النايُ خبايا القصب؟ ؟
المرواتي يعلمُ أن هذين البيتين بين السريعِ والرَّجَز.. وأن تسكين القافية في الشطر الأول لا يجوز ولكنه لمْ يُغيّر.. أحسّ بأن ذائقتَه قبلت بهذا المَزج.. كان بحاجةٍ لمثل هذا البوح، وفي سرِّه اعتذر للفراهيدي.. لأن البديل زَخٌّ هطول بين سيل وصب…. ولكن لا.. مطر أوقع.. أنهى حواره الداخلي بالنظر إلى العود الباسم…
… ومنَ الجنونِ أن تقفَ قبالةَ حائطٍ وتقولَ له يا أطرش ولكنك أطرشُ بامتياز إن لم تسمعْ حوارَ الأمكنة.. ومجنونٌ يا أنتَ لو اعترضتَ على عدمِ وقوفِ الزمنِ، ولكنكَ عاقلٌ بامتياز أيضا لو وقفتَ تتأملُ نسيجَ الأزمان.. لترتّقَ ما تشققَ أو تفتق.. وترتقي.. ابتسم المرواتي فرحا بشطحاتِ هذا المريدِ، وأطلق ابتسامةً ناصعةً بوجه الحياة..
برسالة نصية كتب جمالك بسيييييط جدا يشبه عمق تأملي فيه، وثباته يشبه تجدد إحساسي الدائم به.. أراد المرواتي أن يرد بطريقته على منتقدي ولعه بها وعشقه المفرط لها.. فاتصل بها ما رأيك؟
… وبغيابِك.. الوقتُ مكتظٌّ بالبَشَر ولكنْ لا أحدَ.. تعالي فأنا أحبُّ أنْ أطِلَّ على العالمِ مِنْ عينيكِ فأرى جمالَ الحشود.. وانثيالَ موسيقا عطرِ فرحِ الورود.. كتبَ المَرْواتي على جذاذةٍ وهو يَمُرّ بسوقِ الطيورِ وقتَ الذروة..
يا شيخي لا تقلِ افتحْ عينيك جيدا.. لأنَّ هذا يعني وجوبَ أن أرى..
والذي يَرى أبعدَ وأعمق سيصابُ بالعمى في» من.. هذا الربيع الموثث بالسخام والانفصام.. فأيُّ ربيعٍ بالأسودِ من الحزنِ والأبيضِ من البَلَهِ هذا..؟؟ عظّمَ المَرْواتي نفسَه بالتغافل.. والتباهي بهذا المُريدِ الفريد..وهو ينظر إلى ما تكتبه المريدة الجديدة وهي تحاول التعليق على افتحي عينيك..
كلُّ النساء مرايا.. كلُّهن هدايا.. وأنتِ أمامَهن الناظرةُ.. الناضرة..
البحر صحراء ندية.. الصحراء بحر ناااشف.. وأنت بينهما ملاذي.. الأخضر العذب..
ترددت المريدة.. ولكن قلب المرواتي قرأ.. واستبشر..
.. كادتْ سعادتي تكتمل؛ قصرٌ فارِهٌ محاطٌ بنخيلٍ فارع.. ولمْ أعد أعلم بعدد سياراتي.. ولا الأرصدة التي تكفل بها مدير أعمالي.. سكرتيرتي نادرة الوجود بكل المقاييس.. آلاف مؤلفة من الصور في أجمل بقع العالم..أشهر الأكلات وأشهاها تصلني بدقائق.. شهرةٌ لمْ تَعُدِ الآفاقُ تتسعْ لها..حرصٌ على العودةِ للوطنِ كلما اقتربت ذكرى عيد الحرية للاستمتاع بكل حرية به..، ولكن حالة واحدة كانت تنقصني.. واحدةٌ فقط هي الاستمرار بالنوم.. زنزانتي شديدةَ الضيقِ، جامدةَ الوقت، كثيفةَ الحزنِ هذه لا تساعد على النوم أيضا.. من ذاكرة المرواتي
….. ولا حقائبَ..بحثنا كثيرا عن طريقة نؤمن بها حقائب تتسع لأمننا وغدِنا وآمالنا.. وعندما أمّنّاها وخرجنا من بيوتنا المتشبثة بنا أوووه..لا طريق لا ضوءَ لا سَعَة لا ابتساماتِ لا أمانَ.. بذلنا من العمر آلاف الأيام وعبّدنا طريقا بأترفِ مشاعرنا وأزهى أفراحنا وألمع ساعات شبابنا وأرشق أمنياتنا ولكننا تفاجأنا بأن لا نهاية.. ومن ظلامه عرَ فنا أننا كنّا نحفرُ نفقا.. كنا مأخوذين بقوة الحياة البعيدة الذاهبين إليها.. وعندما لاح الضوء في نهايته كانت التجاعيد قد أثقلت ما تبقى من الأعمار . ولكن الأطفال الجاهلين بما يجري ما زالوا يلعبون ويدحرجون أفراحهم ويركضون.. ويكركرون بعُمْق وعَبَق..
AZP09

مشاركة