زمان جديد
عبد الحق بن رحمون
النَّاس أيام زمان ، لمّا كانت النّية والثقة، ترعى مطمئنة بين أفرادهم، كانوا واثقين من أنفسهم،ومن مصداقيتهم، وكانوا يعقدون اتفاقهم، عبر شهود مكونة من جماعة من الناس، ويقرؤون الفاتحة في وليمة يجتمعون حولها مؤكدين أنهم شهود على ما اتفقوا عليه؛ ميثاقهم، وعهدهم، وشرفهم مسنود، باشتراك وجبة الطعام والتراب أي القبيلة التي ينتمون إليها. ومن هنا جاء ما يسمى بعقد الفاتحة. ومع تطور الحال إلى محال، صارت الثقة، تصفعها الفتن، وصار لابد من وجود «الكاغيط» للتزميم والتقييد، وبذلك سمّي العقد عليه اتفاق بين طرفين يلتزم بمقتضاه، كل منهما تنفيذ ما اتفقا عليه ، كعقد البيع والزواج، وعقد العمل، ويلزم بموجبه شخص أن يعمل في خدمة شخص آخر لقاء أجر.
وهذه الأيام تعيش العديد من الأسر المغربية على وقع حيرة، حيث يجد فلذات أكبادهم أنفسهم مجبرين التوقيع على مضض على عقود التخدير ضد محاربة البطالة، أي عقود التوظيف في التعليم. وبين هذا الاختيار في العمل على مضدد ، أو الاستمرار في الوقوف برأس الشارع والجلوس على أرصفة المقاهي؛ اختار شبان وشابات إيداع ملفاتهم في الأكاديميات الجهوية لوزاة التربية الوطنية والتكوين المهني الوزارية بعد الإعلان عن توظيف 11 ألف أستاذا وأستاذة بالتعاقد.
والتوقيع على عقدة التوظيف، فيه خوف، يراود الكثير من الشبان والشابات هذه الأيام،على فقدان شغلهم في أي وقت، وبدون سابق إعلام، إنه خوف من مستقبل يشبه المرأة المتزوجة، الخائفة أن تعود يوما ما إلى بيت أبيها أو أشقائها، بعد تجربة فشل تجربتها في الزواج من زوج جاحد، ويتركها تواجه مصيرا مريرا في الحياة، وغامض لاهي مطلقة، ولا هي في بيت زوجها.
هذا وكانت الحكومة المغربية، قد صادقت على مرسوم التشغيل بعقود الإدارات العمومية، ودخل رسميا المرسوم المتعلق بـ «تحدد شروط وكيفيات التشغيل بموجب عقود الإدارات العمومية» حيز التنفيذ بعد نشره في آخر عدد من الجريدة الرسمية الصادر في منتصف شهر آب (أغسطس) الماضي. ولهذا فالعمل بالعقود في الإدارات العمومية، هو حالة مرعبة ومخيفة لأنها تقتل التحفيز، في الشباب الذين سيحالفهم (هن) الحظ في النجاح بحقول اليأس الجديدة، التي لا تأمين فيها، على العمر، أي يمكن تشبيهها بالدوام اليومي، في الضيعات الفلاحية الاسبانية أو الايطالية، وقبول كل أشكال الاهانة إلى غاية الحصول على وثائق الاقامة.
ويمكن أن نشبه طريقة العمل في التعليم بواسطة العقود، بمختبر للتجارب والتي ستنعكس مردوديتها ونتائجها في القادم من السنوات، لأن رجال ونساء التعليم سيعتبرون أن اسمهم مكتوب فقط بقلم الرصاص، في سجل الأجور بالأكاديميات، كما يعتبرون أنفسهم أنه في أي وقت، وبدون مسبّبات أو إخلال في بنود العقد الموقع عليه مع الطرف الآخر، يمكن محوهم بالممحاة، بصفة نهائية من الوظيفة، ليتم تعويضهم بأشخاص آخرين من بين الموجودين في لائحة طوابير الانتظار.
ومستقبل جيل (الكونطرا) أو التوظيف عبر العقود، إنه جيل مهدد، وجيل سيحلقون رأسه حلاقة الصفر، ولا يتركون له شعرة في رأسه ليحتج على مصيره الغامض.
والتوقيع على (الكونطرا) يشبه القتل الرحيم لشهية الاجتهاد والابتكار.
والتوقيع على الكونطارا بأصابع البصمة، أو بقلم المستقبل الجاف، هو توقيع على المستقبل الغامض، إنه مستقبل، يأكلون فيه السّم كي لايموتون كمداً، ويواجهون بعدها انتظارات قاسية، لتلبية رهانات الحياة من أجل شراء شقة، ثم الرغبة في الطموح للزواج، والعلاج من الأمراض، والأمراض المزمنة، التي قد يتعرض لها أي شخص مع القلق اليومي في انتظار الوصول إلى سن المعاش، وهذا غير ممكن في مقابل صيغة العمل الجديدة بالعقود، لأنه لامعاش ينتظرهم، بعد وصولهم إلى سن الشيخوخة من أجل العيش بكرامة .
ولهذا فالخوف أن تصبح حياتنا اليومية عبارة عن عقود محدودة التاريخ والصلاحية.
والخوف أيضا أن يصبح الحب المحددة الأجل في بلادنا بالعقود.
والخوف أن تصبح العلاقات الانسانية المحددة الأجل بالعقود.
والخوف أن تصبح العلاقات الأبوية محددة الأجل وبالعقود.
والخوف أن تصبح العلاقة محددة الأجل بالوطن وبحب الوطن، وتتم بالعقود قبل التفكير في هجرة نهائية خارج البلاد.
كما أيضا الخوف أن تصبح العقود مع نفسك واهية قبل أن تكون عقودا والتزاما مع الآخرين.
والخوف أن تصبح العقود من الخوف ذاته.
الخوف أن تصبح العقود المحددة الأجل في النضال والتضحية والتطوع.
الخوف كذلك أن تصبح العقود في العمل الجمعوي زيفا تقتل التطوع والعمل الإنساني في الأوضاع الصعبة.
الخوف أن تصبح العقود المحددة المدة سجل تجاري لتصدير اليأس.
الخوف أن تصبح العقود المحددة المدة، تشمل الزواج، وكل المعاملات النسائية من حب ومعاشرة زوجية، يضعون على أسفل وثيقتها عدد «الجيغات» المتوفرة والمدة الواجب استهلاكها قبل نفاذ التعبئة والرصيدة.
ارحمونا من عقود العمل هاته التي تشبه مزرعة لتوظيف 11 ألف أمنية في مختبرات اليأس الذي يستشرف المستقبل الغامض.