عزيز السيد جاسم وكتابة القصة القصيرة -3- السرد يكمّل التنوع الأسلوبي والمضموني في تحديد الخصوصية رزاق ابراهيم حسن والقصة تتوزع على مقاطع، وكل مقطع منها يشكل قصة، ويتناول المقطع الاول علاقة (جيري) المدير العام مع زوجته الرائعة الجمال، التي تهيء له اروع اشكال الاغراء، ويعجز عن الاستجابة لرغبتها. وفي المقطع الثاني يظهر (جيري) بسلوك الظالم المتعجرف مع العمال يعرضهم للاعتقال لانهم يطالبون بزيادة الاجور، و(لا يتوانى عن افساد ما يستطيع افساده من بعض الفتيات البائعات بكل الاساليب.. بالترهيب.. والترغيب، والمفاجأة والخداع.. مستغلا فقر الفتاة التي تبحث عن عمل شريف، والضغط عليها من موقع العوز ص 195)، ذلك (انه يقيم علاقاته مع بعض الوجوه المهمة من خلال الفتيات المفسدات بالاكراه. ص195)، كما يعرض احد العمال للطرد والاعتقال لانه استطاع ان يتواصل جنسيا مع زوجته، وان يواقعها اكثر من مرة في اليوم الواحد، ويحدث ذلك في الوقت الذي يفشل فيه المدير نفسه في مضاجعته زوجته برغم محاولاته للتقرب منها ثلاث ليال متعاقبة. والمقاطع الاخرى تتوزع بين ابراز العجز الجنسي للمدير العام وبين ادعائه بالفحولة، والكذب على الآخرين، ومحاولة التعويض عن عجزه بالاستعلاء على العمال، وتعريضهم للظلم، وابعادهم عن نيل حقوقهم، وفي القصة يكون العجز الجنسي رمزا للعجز الطبقي، والعجز الاخلاقي، والعجز الاداري ايضا. وفي هذه القصة لا يلجأ الكاتب الى الترتيب الزمني للوقائع، وانما تقديمها بما يؤدي الى تعميق الاحساس بالسقوط الاخلاقي للمدير العام، مستخدما في اطار السرد الوصف والتحليل من خلال الشخصية نفسها، ومن خلال الراوي، اذ ان الكاتب يريد ان يفضح ويدين هذه الشخصية بدورها منها، وبإسهام من الآخرين، وإسهام من الراوي نفسه. وقصة (الحذر وهموم السيد المدير) تتناول السلوكيات والمواقف السلبية المتدنية لفئة المديرين، ولكن المدير فيها ليس حديث النعمة، ولم يكن عاملا كما هو الحال في قصة(ثلاث ليالي في مخدع الزوجية من حياة بيروقراطي مبتدئ) وانما هو من عائلة اقطاعية ثرية، كانت متحالفة مع السلطة ضد العناصر السياسية وافكارها. وتتكون هذه القصة من اقسام عدة كل قسم يمكن ان يكون قصة مستقلة، مع احتفاظها بارتباطها بالقصة الاخرى، والقصة تتركز على فضح وتعرية المدير من خلال المدير نفسه، ومن خلال الآخرين. وتبدأ القصة بوصف ساخر للمدير وهو في مكتبه، اذ (سحب كرسيا الى الوراء ثم دار به بشأن نفسه دورات عدة مأخوذا بسحر تلك العجلات الصغيرة التي تكرمت على الكرسي بمزايا العربة، جذب نفسا عميقا وهز قبضته في الهواء باعتداد، فيما كان يهم بالوقوف متوجها الى غرفة المرافق الصحية، هناك وقف امام المرآة وجها لوجه، تأمل نفسه جيدا، وتحسس بدلته السوداء المرقطة ببياض صاخب، ودقق النظر بإعجاب بربطة عنقه بلونها الاحمر الفاقع ونقوشها الملونة، واطلق صفيرا متقطعا، رافقته ضحكات صغيرة حادة، مشبعة بتعابير عن الاهمية المفرطة والارتياح الزائد، عاين وجهه بترفع، كيما يبدو امامه بصورته المطلوبة وتمتم باندهاش: آه هذا هو الجمال المنشود ص126. وهذا الوصف يقدم صورة كاريكاتيرية للمدير، وهو يوضح ايضا ان هذا المدير لا يولي مسؤولياته وواجباته الادارية اي اهتمام، وانما يهتم بشكله ومظهره الخارجي معبرا بذلك عن سطحية مفرطة وعن نرجسية عالية، وعن عدم شعور بالمسؤولية وهذا ما تؤكده القصة نفسها، فالمدير العام يشغل نفسه بالاتصال الهاتفي مع زوجته، وهو يرسل الموظفين الى الخارج لأغراض واحتياجات شخصية، ويمارس الجولات التفتيشية في الدائرة لاستعراض نفسه امام الموظفين، حيث يفرح لاية كلمة او بادرة تملق ونفاق وخضوع، ولكنه يعتبر النقد خروجا على الممارسات الديمقراطية والقيم الادارية. ويقول له احد الموظفين: (ان زيارتك ليست تعبيرا عن الديمقراطية.. بل هي بالضبط تعبير صارخ عن البيروقراطية، فما دامت الزيارات فارغة من اي موضوع فأية جدوى لها؟ فكرت بذلك كثيرا.. وعرفت انك تعاني من عقدة الجوع للامرة، الجوع للجاه.. وفي كل زيارة تشبع الجوع بمرآى انحناءات الموظفين لك، ينهضون لك وتحوم بينهم بغطرسة. ص137)، ونفهم من هذا الموظف، واسمه (احمد) ان هذا المدير الذي يتظاهر بالاندماج في الواقع الجديد، والذي يركب الموجة هو الاقطاعي وابن الاقطاعي مزعل الشيخ جاسب والذي استبدل اسمه برفعت جاسب، والذي كان السبب في سجن سمير والسبب في موت امه بعد ان عانت من الحزن على وليدها، وتقدم القصة قصة سمير وما عاناه من مزعل وابيه وكأنها مستقلة عن القصة السابقة. والقصة كما هو واضح تقدم المدير العام بكل خصائص الاستبداد والتخلف، وهي قصة ذات شخصيات متعددة، فهناك شخصية السكرتير وشخصية الموظف الاقدم وشخصية سمير وشخصية احمد وام سمير ومزعل جاسب وحكمت جاسب وجاسم ووالدة سمير وشاهدة اخت مزعل جاسب وجاسب الاقطاعي، ومع اختلاف هذه الشخصيات عن بعضها، فأن جميعها ثابتة على خصائص معينة، وهي لا تسهم في بناء الشخصية الرئيسة (المدير العام) ولا تدفعها الى تغيير سلوكها ومواقفها وانما تكشف وتفضح سلوك ومواقف هذه الشخصية، وما تنطوي عليه من طبائع شر واستبداد وحب للمظاهر الشكلية الفارغة، واندفاع الى السلطة والجاه والغطرسة وذلك لا يحول من دون ممارسة هذه الشخصية دورها في صنع وتحريك الوقائع والحوادث، وفي اقامة الانسجام والتضاد بين الشخصيات، وفي تحريك العلاقات المختلفة بينهما. ومن ناحية اخرى فأن شخصيات عزيز السيد جاسم برغم ثباتها، وميلها للبعد الواحد في بعض قصصه، فأنها ليست من الشخصيات الجامدة والمسطحة والسهلة، وانما هي من الشخصيات التي تتوافر على قدر كبير من الغنى، ولاسيما انها تدخل في صراع من اجل تكوين ذواتها، وان تكون ذات مطامح وخصائص عن الشخصيات الاخرى. وذلك ما تؤكده شخصية المدير في قصة (الحذر والسيد المدير) فهي شخصية برغم بعدها الواحد، وثباتها على خصائص معينة، الا انها شخصية مليئة بالتوترات الداخلية، وذلك لم يحصر التعبير عن هذه الشخصية بزاوية واحدة، وانما جمع بين السرد والتداعيات واللاوعي وبين تدخل الراوي وحضور الشخصية نفسها في السياق وكان بامكان عزيز السيد جاسم ان يرتفع بهذه الشخصية والشخصيات القريبة منها في الانتماء الطبقي الى مستوى الرمز، لكنه يتعمد في ابعادها عن هذا المستوى، واعتماد الوضوح والمباشرة في التعبير عن سلبياتها وجوانب السوء والرداءة فيها، ولذلك حفلت القصص التي تتناول الشخصيات البرجوازية بالافكار الصريحة التي تدفع لغة القصة بعض الاحيان الى التقريرية والمقالية. واذا كان القاص عزيز السيد جاسم قد لاحق البرجوازيين في مخادع النوم، وفي الدوائر وفي العلاقات مع الآخرين، كاشفا عن سياستهم وسوء اعمالهم وتصرفاتهم فأنه في قصة (برجوازي هذه الايام) يضيف للبرجوازيين سيئات ودناءات اخرى، فالسيد (نون) برجوازي كبير واسع الثراء، وعندما يدخل المحال يشتري كمية كبيرة من مختلف السلع والحاجيات، ولكنه لم يتورع من سرقة قطعة من (الشوكلاته). وهذا قسم من هذه القصة، والقسم الثاني يتناول قيام البرجوازي نفسه بقرض صديق له مبلغا من المال لقاء فائدة، او مقابل الربا، كما يتناول القسم الثالث تحرش البرجوازي بإحدى الفتيات، وعندما ترد عليه الفتاة بالضرب، وتفضح تصرفه يدعي انها هي التي تحرشت به، وانها من طبقة المجتمع السفلي. وهذه القصة كما هو حال اغلب قصص عزيز السيد جاسم تتألف من ثلاث قصص تكون احيانا مرقمة، واحيانا من دون ارقام، وتبدو جميع القصص في قصة (برجوازي هذه الايام) على انها امثلة على دناءة البرجوازي (نون) فهي تقدم في المثال الاول دليلا على لصوصيته، وفي المثال الثاني دليلا على استعداده للحصول على الارباح بأية طريقة، واي شخص حتى وان كان صديقه، وانه مستعد للسقوط الاخلاقي بكل صوره، وللتغطية على هذا السقوط بالادعاءات الكاذبة، والنيل من الآخرين كذبا وبهتانا. وفي قصة (برجوازي هذه الايام) تبدو الرذيلة وكأنها من طبيعة هذا البرجوازي، فالقصة في اكثر اجزائها مروية من الكاتب، والبرجوازي محكوم فيها بطبيعته الشريرة، ولا يعاني اي صراع او توتر، ولذلك كان يندفع للشر والسرقة والابتزاز وتقبل الإهانات من دون ردود افعال او نيات مضادة. وكما هو حال اغلب قصص عزيز السيد جاسم فأنه يقدم في القصة الواحدة شخصيات عدة، ففي (برجوازي هذه الايام) يكون صاحب المحل هو الشخصية الثانية، وهو برجوازي مؤجل، يحافظ على اخلاق الخادم برغم تصاعد ثروته بانتظام، وهذا ما يحدث في القسم الاول، وفي القسم الثاني يكون صديق البرجوازي هو الشخصية الثانية، وفي القسم الثالث تكون زوجة الرجوازي هي الشخصية الثانية وقصة (برجوازي هذه الايام) شديدة السخرية من البرجوازي، شديدة التهكم على تصرفاته ولكي تزيد من سخريتها به، ومن قبح صورته، فأنها تجعله يحسب نفسه ذكيا وهو في منتهى الغباء، ويتوهم نفسه محبوبا ولكنه في الحقيقة مكشوف ومفضوح في عيون الآخرين، ومكروه من قبلهم ويستدل من هذه القصص ان عزيز السيد جاسم لا يكتب القصة بفكره وموقفه السياسي فقط، وانما بعواطفه ايضا، فهو يكره البرجوازيين والاقطاعيين ومن يعيشون على اتعاب الناس، وهو عندما يكتب عن شخصيات مكروهة لديه لا يكتب عنها بشكل محايد، ولا يتركها تمارس تصرفاتها من دون رادع ورقيب، وانما يراقبها من الداخل والخارج، ويفضح نياتها ومقاصدها، وينحاز ضدها، ويعبئ لغة القصة ضدها ايضا، ولكنه عندما يكتب عن شخصيات محبوبة لديه، فانه يكتب عنها بحب وانحياز، ويجعل قصته دفاعا فكريا وعاطفيا و(لغويا) عنها. وذلك لا يتم لأسباب عاطفية ونفسية، وانما لاسباب فكرية، فعزيز السيد جاسم مع الفقراء والعمال والفلاحين، ومع الحرية والعدل، والذين يتسمون بالمثل العليا، ويدعون اليها، ويناضلون من اجلها. والشخصية التي يقف معها يتناولها برقة ولطف، واسلوب مليء بالايحاء والابعاد الشعرية والترميز، ولكنه في الشخصيات التي يقف ضدها يكون مباشرا وشديد الوضوح، ويكون اتهامه صارخا، حادا لهذه الشخصيات وذلك ما ظهر عليه عزيز في القصص التي تناولت الشخصيات ذات الانتماء الطبقي البرجوازي، وفي قصة (حلم السيد الريفي) نتعرف على شخصية اثيرة لديه، وهي شخصية ذات صفات اخلاقية عالية، وملامح صوفية وحلمية. فالسيد الريفي (عندما يستيقظ من نومته.. تبادره معرفة كاملة انه كان يحلم كالنائم، وكان يراقب ويفسر احلامه ايضا كالمستيقظ، كذلك الامر في يقظة.. تنتابه احيانا احلام او افكار كالاحلام. ص72) وهذا يوضح ان السيد الريفي متطابق في الداخل والخارج، في اليقظة والحلم، وهو اضافة الى ذلك لا يقيم حاجزا بينه وبين الاشياء، ويجيل (النظر على السطح الجميل، تحيط به اشجار النخيل وعناقيد الرطب تتدلى بنظام وكرم ورحمه ص76) ولان السيد الريفي بهذه الصفات فأن السمك الحي يدخل الى بيته كما هو حاله في النهر او البحر، وفي الوقت الذي يغرق فيه بيت الاقطاعي الشيخ ظالم ويغرق هو، وتغرق كنوزه الثمينة التي كانت تثير لديه روح العداوة والاستبداد، فأن بيت السيد الريفي كان مزدحما بالناس والانعام.. فداره اصبحت دار امان.. ويهرع اليها الناس البسطاء تسوقهم دعوة خفية الى ان هناك انقاذا لحياتهم من مياه الطوفان. ومن الواضح ان قصة (حلم السيد الريفي) تجمع في شخصية هذا السيد بعض سمات الاولياء وسمات المناضلين الثوريين، بين سمات الصوفيين وسمات المثقفين المناضلين من اجل حياة افضل للناس الفقراء والبسطاء، اذ تقدم كل ذلك في لغة شعرية عالية، مفعمة بالايحـــاء والمفردات الصوفية. ان عزيز السيد جاسم في القصص التي تتناول شخصيات من اصحاب الاموال يدفع كل واحدة منها الى السقوط والموت، فليس في قصصه انسجام بين المال الكثير وحسن الخلق، ولا يوجد توافق بين حب جمع الأموال وحب الناس. بل انه في قصة (شتاء طفولتنا) يدفع السياسي المناضل منذ طفولته الى كراهية ذوي الاموال من التجار والاقطاعيين، فعندما يقترح سامي الطفل على صديقه الطفل بناء شيء من الرمل، وصديقه يقترح عليه بناء كوخ يرفض سامي ذلك قائلا: (انت تعيش الأن في كوخ.. صغير.. فيه نافذة واحدة (رازونه) فيه ابوك وامك واخوتك. وحتى كلب العائلة.. يبصبص في اوقات الطعام. ويصبح فردا في الاسرة.. لماذا نبني اذن كوخا بالرمل.. انا سأبني قلعة. ص107). والقلعة ليست للفقراء وانما للحكام والاغنياء، وهي كما جاء في القصة (رمز لأناس من نوع آخر.. يرتدون عقالا غليظا وكوفية مزركشة لهم براطم تنتفخ غالبا من شدة الكبرياء.. وعيون تدخر اشعاعات هوجاء.. لهم خدم ومحظيات.. ويتعاطون مشروبات غامضة.. اعتقد انها تسمى (العرق) وهم مهابون بسبب قدرة عاجلة على قطع الرزق بالنسبة للفلاحين. ص108). وهذا ما يوضحه الصديق، ولكن سامي يبني القلعة، وكانت تشمل على مظاهر مأخوذة من مجموعة قلاع، وتتركز وراء سور لا باب فيه ولا نافذة، وهذا ما اراده سامي ان تكون القلعة سجنا لاصحابها وساكنيها من الحكام والاغنياء. وعندما ينتقل الصديقان الى الجانب الآخر من الشاطي يشير سامي الى زورق حيث كان ابن تاجر يلهو بصحبة الجدافين قائلا وهو يمشط شعره: ان شعري افضل من شعره، وكان يقصد ابن التاجر. وبعد سنوات يلتقي الصديقان في متنزه المدينة، وكان بصحبة سامي فتاة جميلة ولكنه يفضل الخادمة عليها ويمعن في اذلالها لانها من اسرة ثرية وفيما كان الصديق يسير في مدينة ثانية يفاجأ بسامي وهو مكبل (بقيد حديدي.. ورجلان من الشرطة يحرسان هذا القيد. ص115) اذ يعرف ان سامي سياسي، وانه معتقل بسبب ذلك، وانه يحرص ان يكون مسؤولا عن نفسه ومصيره واختياره، وكان موقفه تجاه الحكام والاغنياء يقع في هذا الاطار، وليس تعبيرا عن نزوة طفولية عابرة. وقصة (شتاء وطفولتنا) تتكون من مشاهد عدة، تتواصل مع شخصية وراوي القصة، بحيث تمتد على زمن طويل، وعلى مراحل عمرية عدة، وتتواصل مع الطفولة على انها الصورة التي تطل من مختلف هذه المراحل، جامعة بين السرد والذكريات، وبين الماضي والحاضر، وبين الانتماء الطبقي والممارسات الاخرى. قصص وملاحظات لقد اراد عزيز السيد جاسم ان تكون قصصه متنوعة اسلوبيا ومضمونيا، والقصص متنوعة من حيث الاجواء والشخصيات، ولم تحمل الكثير من التنوع الاسلوبي، فغالبيتها تعتمد السرد، وتعتمد الوصف الذي يقترب من المشاهد السينمائية والنزعة التحليلية، والافادة من الحوار والتداعيات واغلب قصصه ذات سمات روائية، اذ انها ذات شخصيات متعددة، تتحرك في امكنة عدة، وغالبا ما تتحرك هذه الشخصيات على مراحل عمرية عدة. وبرغم حرص عزيز السيد جاسم على ابعاد قصصه عن التقريرية والمفردات والتعابير السياسية الواضحة والمباشرة الا ان ذلك لا يتحقق في جميع القصص، اذ جاء بعضها محملا بهذه المفردات والتعابير، كما جاءت بعض العناوين تقريرية مثل (الحدود المقدسة للعلاقة) و(الحذر وهموم السيد المدير) و(ثلاث ليالي في مخدع الزوجية من حياة بيروقراطي مبتدئ) و(عدوى الطبائع). وذلك لا يرجع الى قصور في التعامل مع الجوانب الفنية للقصة. وانما يرجع الى ان عزيز السيد جاسم مفكر وكاتب سياسي، ويتناول في القصة موضوعات سياسية، وهو يريد في بعض القصص ان يكون صريحا وواضحا وكل ذلك ينعكس بدرجات متفاوتة على بعض القصص، ويجعل للسياسي حضورا بارزا فيها على صعيد المضمون والقاموس اللغوي. ولا يمكن القول: ان عزيز السيد جاسم قد اراد بكتابة القصة ان يغلب كتابته لها على بقية نشاطاته الكتابية المتعددة، فقد كتب في السياسة والسيرة والاقتصاد والنقد الادبي والرواية اكثر بكثير مما كتب في القصة، وهي بالنسبة له ميدان من ميادين هذه النشاطات، وليس الميدان الأساس الذي يريد به منافسة القاصــــــــين الآخرين، والحلول محلهم. ولكنه من ناحية اخرى لم يكتب القصة للتمرين، وللتعبير عن انفعالات واحتياجات معينة، وانما كان في كتابتها لها يريد ان يكون واحدا من كتابها، ومن المتميزين فيها، ولعله قد حقق ذلك في بعض قصصه مثل (حصانة السيد سين) و(الديك) و(عدوى الطبائع) و(الكتابة على جدران الهواء) و(محضر ناقص عن مقتل عصفور) اذ يمكن وضعها الى جانب افضل القصص العراقية.