عالم الرواية
الرواية علم كبير وفن راقي ، الكثير منا لا يعرفون هذا الفن أو لا يستطيعون الولوج في وجدانه وفهمه فهم أصولي وجاد ، يعتبرونها أداة للتسلية وللهو ، هذا شائع في الكثير من البلدان التي تعني في المادة قبل الروح والوعي والإدراك .
الرواية لها أهداف ومعان سامية وفيها حكم وعبر كامنة في ثناياها ، ربما لم تكتب بصورة مباشرة أي رمزية ، لأنها منقسمة وتابعة لمدارس ومذاهب مختلفة ، كل مدرسة لها أسلوبها وفنها وسحرها ، نرى روايات كتبت على السنة الحيوانات أو المجانين أو العقلاء الخ….
ربما من السذاجة أن يقول احد الأشخاص هل الحيوان يتكلم ؟ الحيوان لا يتكلم ، فلماذا يتكلم في هذه الرواية ، أنها خرافية ، لا أريد أن أعيب تلك الأقاويل التي تنتهك عالم الرواية البديع.
عرف العرب الرواية من قديم الزمان ، كتب الأساطير ، والأشعار ، منها ملحمة كلكامش وغيرها ، وقصص وليالي ألف ليلة وليلة ، وكليلة ودمنة ، وحي بن يقضان وغيرها الكثير لا مجال لحصرها بمقال صغير .
وعرف الغرب أيضا الروايات والأساطير ، كل بلد له ثقافته وتاريخه ، وأساطير خاصة به ، حتى كتابة التاريخ لا يستطيع المؤرخ أن يؤرخ شيئا إلا له معرفة بكتابة الرواية .
الكثير ممن يروني وأنا منهمك بقراءة رواية ما أو كتابة أحدى رواياتي ، يقولون لي ماذا تنفعك هذه الروايات بل ما هي فائدتها ، لماذا لا تقرأ كتبا أخرى ، فيها فائدة لك ، انك تهدر وقتك في قراءة شيء لا ينفع ، في الحقيقة أجد من الصعوبة لكي اعرف بعض الأشخاص ماذا تعني الرواية ، وما هي فائدتها .
الغرب يجلون الرواية ويعطونها أهمية بالغة ، لأنهم يعرفون بأنها تدخل إلى الصميم وتلعب في القلوب قبل العقول ، في بعض الأحيان نحتاج إلى التفكير بقلوبنا أي نتبع قلوبنا قبل عقولنا .
كان نابليون يحذر من الروائيين ، لأنه يعتبرهم مصدر قلق له ، فمن خلالهم يمكن أن تكون هنالك ثورات وتغيير في القوانين ، فنراه مثلا في بعض الأوقات يتقرب إليهم وبعض الأوقات نراه ينفيهم أو يشدد الرقابة عليهم كما فعل مع مدام دو ستايل وشاتو بغيان ، وأقدم من هذا سقراط دفع ثمن حياته من اجل أدبه عندما أعلنت المحكمة بإعدامه ليضطر لشرب السم بيده .
وهنالك روايات غيرت أشياء وقوانين من المستحيل أن تتغير في ذلك العصر ، في عصر لم تكن للكلمة أي دور ، السلاح هو الناطق ، هو الفيصل ، لكن هنالك أقوى من هذا السلاح وهذا الاستبداد ألا وهو الضمير وصوت الشعب .
استطاع الرواة أن يدخلوا لقلوب الشعــــــــوب ويأسروها ويصوروا لهم ما يعانيه الشـــــــعب لغيروا من تصرفات الحكام بل أنهم استحوذوا على قلـــــــــوب الحكام مثلما فعل الكاتب الكبير فيودور دستويوفسكي في روايته (ذكريات في منزل الأموات) التي صور بها ما يعانوه السجناء بمختلف الملل والنحل وما يكابدوه داخل السجن، إضافة إلى سجنهم فهم كانوا يعذبون هكذا كانت عقوبة السجن في حكم القياصرة، فقد أثرت هذه الرواية ليست في قلوب الناس وإنما أثــــرت أيضا بقلب اسكندر الثاني أحد قياصرة روسيا (حَكَمَ ما بين العامين 1855 و 1881)، عندما قراها رق قلبه ، ولغا العقوبات داخل السجن.
أما (هيريت ستاو) إحدى أعظم الروائيين في أمريكا ، فقد كتبت رواية (كوخ العم توم) نشرتها في سنة 1852م صورت من خلالها معاناة العبد الأسود في الولايات المتحدة ولا إنسانية الرق والعبودية وما يعانوه هؤلاء على أيدي أسيادهم كما كانوا يدعون في تلك الحقبة.
أثارت هذه الرواية ضجة عالمية ليست في الولايات المتحدة فحسب بل لتجتاح جميع أوربا وكانت الرواية الأكثر مبيعا في الأسواق بعد الكتاب المقدس ولتندلع بعد نشر هذه الرواية بأقل من عشرة أعوام الحرب الأهلية في الولايات المتحدة بين الجنوب والشمال (1861–1865) اثر صدور قانون إلغاء الرق ، لقد كانت هذه الرواية اثر عظيم على الوجدان الأمريكي، حتى يحكى أن الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن (محرر العبيد) قال عندما قابلها ومصافحا إياها (إذن فهذه هي السيدة الصغيرة التي أشعلت هذه الحرب الكبيرة) .
هنالك روايات أخرى كثيرة غيرت وأثرت في الحياة ، أردت أن أعطي نبذة مختصرة وأمثلة قليلة عن الرواية ، لتكون لنا معرفة عن هذا العلم القديم والجديد ، نحن أول مكتشفيه ولا نعرفه نعده جديد على ثقافتنا.
سيف شمس الدين الالوسي – بغداد
/9/2012 Issue 4294 – Date 3 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4294 التاريخ 3»9»2012
AZPPPL