صديقتي

 

 

 

 

 صديقتي

عواطف نعيم

كنا قد تعاهدنا أنا وصديقتي حين كنا صغارا أن نتزوج ذات الرجل لكي نبقى سويا فقدم كنا نحب أن نبقى معا ولا نفترق الا عند النوم ، لكن صديقتي جاءت بعد أيام لتخبرني أن فكرة الزواج من ذات الرجل فكرة سيئة وقد تكون سببا في افتراقنا كما حدث مع جارتهم  سنية  قبل أيام والتي جاء لها زوجها بأمرأة أخرى لتشاركها العيش في ذات البيت الصغير الذي لا يحوي سوى غرفة واحدة للنوم وهول صغير  ( للكعدة  ) ومخزن صغير عبارة عن مسقف مائل لوضع بعض الاغراض فيه وهي لديها ثلاثة أطفال مازالوا صغارا فأين يكون مكان هذه الشابة الصغيرة التي جاء بها زوجها ؟ تعجبت مما يحدث وسألت صديقتي فعلا كيف سيكون الحال ؟ صاحبتي شدت ظفيرتها لتعيد ظفرشعرها الاشقر المهدول ، قالت لقد غادرت سنية البيت وذهبت الى أهلها … لذا علينا أن لا نتزوج ذات الرجل بل تتزوج كل واحدة  منا رجلا أخر ولكن علينا أن نعيش في بيوت متجاورة ، تسألت بدوري واذا كان زوجك أو زوجي لا يمتلك المال الكافي ليستأجر لنا بيتا ؟ أجابت وعيناها اللتان تتمددان على وجهها الابيض النضر اذن نسكن في غرفتين متجاورتين في بيت كبير تشترك فيه أكثر من عائلة كما هو الحال في البيوت التي تسكنها العوائل في منطقة  (قهوة شكر ) ، فرحت لهذا الحل ووجدته مريحا لذا طلبت من صديقتي أن نعود لتحضير واجباتنا المدرسية فقد كانت ما تزال في بداية عامها الدراسي في السنة الاولى من الدراسة الابتدائية وكنت أسبقها بسنتين لذا كانت أقوم بمراجعة الدروس معها وأسعد باللعب والجري  والحديث معها ، صديقتي تحب الضحك وتهوى مشاهدة الافلام في سينما الشرق الصيفي التي تقع قريبة من سكننا في منطقة  ( فضوة عرب ) ، كنا نتسلل الى مقاعد الاربعين في سينما الشرق الصيفي حيث نفترش الارض وعيوننا تتطلع الى تلك الشاشة الساحرة المليئة بالعجائب والالوان ، تطل علينا حسناوات السينما وهن يستعملن صابون ( لوكس ) الذي يمنحهن جمالا خلابا ، تسأل صديقتي وهي ( منسدحه ) على الثيل الاخضر لماذا لا نشتري هذا الصابون بدلا من صابون الرقي الذي يحرق عيوننا حين نغتسل به ؟ لا أدري بماذا أجيب  ، لكنها تقول قد يكون هذا اللوكس غاليا في ثمنه أو غير متواجد في الاسواق الصغيرة التي نشتري منها حاجاتنا ، رفرفت برموشها الطوية الكثيفة  وتواصلت بالنظر الى الشاشة ، شهقت وهي ترى الدخان يتصاعد من الفانوس السحري ويظهر الجني بلونه الازرق وظفيرته الطويلة التي تنوس على كتفه ويتعالى صوته شبيك لبيك يا مولاي ، صديقتي الرقيقة كانت تمنحني الكثير من الفرح وهي تقلد الممثلة السينمائية حبيبة علاء الدين  في مشيتها  وتغنجها وتضع تاجا من الورق الملون على رأسها وأنا معها الامير الذي ينقذها من الوزير الشرير وحين يشتد الصراخ وتتعالى اصواتنا  بطلب النجدة ومنادات الجنود وامتشاق السيوف كانت أمي تفتح باب غرفة النوم التي تحولت الى فوضى  وهرج طالبة منا الهدوء لأن خالي وصل الى البيت ليتناول الغذاء ثم يغادر الى عمله ثانية ولن يعجبه أن يسمع صراخنا وأن يكتشف أننا نذهب الى السينما ليليا  لنشاهد الافلام التي تعد في نظره مسيئة ومفسدة لما فيها من مشاهد عري وقبلات وتنهدات حب ، نصمت خوفا  ، أعتذر من أمي التي يعلو وجهها السمح ظل ابتساة حزينة وأبدأ مع صديقتي في لملمة الاغراض وتعديل الفراش في غرفة نوم أمي التي تجمعني وأياها ليلا  حيث تضعني بين أحضانها بعد أن تضع فراشا طريا على الارض تاركة السرير بسعته لابي وحده ، يمر الوقت عجلا يدفعنا أمامه ننزع عن جلودنا ما اعتدناه ويتلبسنا الجديد ،  صديقتي تتغير فقد بدأ برعمان صغيران يبرزان في صدرها ويكادان يخرجان من قماش قميصها الابيض الشفاف كانت تتعمد وضع الحقيبة المدرسية على صدرها كي تخفيهما أخبرتها أن ذلك لن يجدي نفعا لآن قميصها لايخفي ما تحته والفانيلة التي ترتديها تحت القميص غير كافية لأخفاء معالم البرعمين الصغيرين الناهدين في صدرها ! رفعت  نحوي عينيها الخضراوين كخضرة أشجار بعقوبة واللتين تملأن نصف وجهها وتسألت ماذا أفعل ؟ ألبسي الحمالة كما تفعل خالتي سعاد  ، عادت تسأل ماهي الحمالة ؟ أنا لأ أعرف لكنها قادرة على أخفاء البرعمين  ، تسألت ووجهها الابيض المدور مثل صحن قيمر من الحلة وأنت لماذا لا تلبسين الحمالة ؟  أنا سألبسها لوكان لي مثل برعميك ولكن صدري ما زال هزيلا لا بروز فيه ، أزاحت خصلة الشعر الاشقر عن جبهتها  وتمتمت سأخبر أمي وستشتري لي الحمالة  لكن أتعرفين ؟ ماذا خبريني ؟ أنا أحب هذين البرعمين ، كركرت مثل دفقة ماء ، لملمت كتبها واضعة أياها في الحقيبة المدرسية وقبلتني من وجنتي  ومضت على أن نلتقي ليلا عند سينما الشرق الصيفي لنشاهد للمرة العشرين فيلم ( علاء الدين والمصباح السحري )  ، دخلت أمي سألتني لماذا ذهبت صاحبتك ولم تبقيها للغداء معنا  ؟ أخبرتها أننا سنلتقي ليلا وأن جدي سيأخذنا الى السينما كما يفعل كل يوم ، صمتت أمي ونظرت الي طويلا ثم دعتني لتناول الغذاء ، لم تأت صديقتي ليلا الى سينما الشرق وبقيت وحدي مع بعض الاصدفاء مرتمين على العشب الندي وعيوننا معلقة الى شاشة السينما المشعة بالضوء  ، المفاجأة كانت في الفيلم فقد تم تغييره وبدلا من مشاهدة علاء الدين شاهدنا البطل ماجستي وهو يصارع المردة والجن والاسود ، كانت دهشتنا لا توصف ونحن نشاهد ذلك البطل الفاتن بعضلاته البارزة وقوامه المفتول وهو يصرع الوحوش ويتصدى للاسود ولا يتواني عن تمزيق فكي الاسد كما لوكان يفتح غطاء الثلاجة الخشبية التي تضع أمي فيها الثلج ليحفظ الطعام باردا ويبعد عنه العطب ، لم أر صديقتي في اليوم الثاني وحين ذهبت الى دارها كان الباب مغلقا ولم يكن ثمة اجابة ، عدت الى البيت ، كنت في حيرة وقلق أين ذهبت صديقتي  ؟ لقد تعودت أن تعلمني بغيابها وتحركها ، تعودت أن تكون معي ونحن نذهب الى المدرسة ونقطع الطريق بالثرثرة والضحك وحين العودة الى البيت نتوقف عند المرأة العجوز ونشتري منها الحلوى التي فرشتها على صينية مدورة مملؤة بالطحين تضع لنا الحلوى الملونة ونلتهمها قبل أن تسيل من قطعة الورق التي وضعت عليها ونحن نضحك وقد أحمرت شفاهنا بلون الحلوى وصديقتي التي تزين فمها الضاحك شفتان بلون البرقوق  يتوهج خداها من الضحك توهج رمان بعقوبة في حمرته  ، كنت أحب ضحك صديقتي فقد كان يمنحها جمالا ساحرا فتبدو مثل لوحة  متلألأة بالضوء لا أستطيع لمسها وأكتفي بالتطلع اليها مبهورة ، من أين جاءت صديقتي بكل ذاك الجمال وهي من ذلك البيت الصغير المنخفض والغارق في الظلمة أغلب الوقت ؟ لم تأت  صديقتي لليوم الثاني ، قلقت كثيرا ، ذهبت الى بيتها المغلق  الذي بدا لي كئيبا خاويا  ، طرقت الباب لاكثر من مرة ، لم أتلق ردا ،  غادرت المكان تلفت أكثر من مرة علّ الباب يفتح  لكن السكون العابس  هو كل ما رأيت ،  في بيتي أنتبهت أمي لشرودي وأحست قلقي سألتني بطريقتها الودودة هل هناك ما يشغلك ؟   مثل ماذا يأ أمي ؟

 غير دراستك هل هناك شيء ما ؟

 صديقتي لم أرها منذ يومين ولا علم لي بأخبارها أنا خائفة أن يكون قد حدث لها مكروه !! ضمتني أمي الى صدرها ومسحت على شعري وأخبرتني بصوت خفيض أن صديقتي لن تأت ! لماذا يا أمي أين ذهبت ؟ قالت أمي وهي تنظر في عيني بتلك النظرة الحزينة  لقد أخذوها الى بعقوبة وهناك سيتم زواجها من أبن خالتها .

 ذلك الرجل الضخم الذي يزورهم ويحمل لهم أقفاص البرتقال والرمان ؟

نعم هو ، يا أمي ولكنه كبير وهي صغيره قالت أمي هو أبن خالتها وقد خطبها منذ كانت صغيرة لم تتعلم المشي بعد ، ووافقت العائلة على ذلك .

 وصديقتي هل وافقت ، هل ذهبت برضاها ، لماذا لم تخبرني ؟

 قالت أمي وهي تضمني الى صدرها هذا أمر يتم بين الكبار ، من تظنين كان يصرف على عائلة صديقتك ؟ أبوها المريض الذي لا يغادر سريره ، أمها المسكينة التي لا تحسن غير الطبخ والعناية بالاب المريض  والبكاء على الموتى ؟ أبن خالتها هو الذي كان يتكفل بكل شيء .

 لكن صديقتي لن تقبل فهي تريد طريقا أخر لحياتها ليس فيه الرجل الضخم ذي الكرش المندلق أبن خالتها ، صرخت هذا ليس عدلا !!

 أمسكت أمي بوجهي بين راحتيها وسمّرت عينيها في عيني وطلبت مني أن أنسى صديقتي وعينيها الخضراوين اللتين تملأن كل وجهها والتي كانت أمي حين تقبلها تضحك وتقول لها ( كل وجهك عيون يا حلو )  ، أفلت نفسي من ذراعي أمي ذهبت الى غرفتها أقفلت الباب ، أجهشت بالبكاء ، كان فراقها وضحكتها وبراءتها وعذب كلماتها صعب وموجع  ،  الان بعد كّر السنوات بحلوها ومرها عندما أغمض عيني تنبعث من ثنايا الروح عيناها الخضراوان مثل خضرة أشجار بساتين بعقوبة  وفيهما عتب شديد أهمس لهما ما زلتما معي في زوايا القلب والروح  ….

{ كاتبة ومخرجة مسرحية

مشاركة