يقال إن أحد الشعوب الأوربية عندما يموت أحد منهم يكتب على شاهد قبره إن عمره بقدر السنين الحلوة التي عاشها فقط فيكتب فلان بن فلان ولد في كذا تأريخ وتوفي في كذا تأريخ وتعرفون قصة جبر العراقي عندما توفي ماذا كتب على شاهد قبره السبعينيات.
فنحن جيل الخمسينات عندما أكلنا الدراسة في منتصف وأكملنا الخدمة الالزامية قبل سنتين من استلام القائد الضرورة سدة الحكم أو المنصب الأول في الجولة والحكومة ويتذكر جيلنا والجيل الذي سبقه والذي تلاه ما عاناه العراقيون من سياسة رعناء وحروب مجنونة دفع العراقيون ثمنها باهظا في الأرواح والممتلكات حتى عام 2003 ولقد دفعنا نحن جيل الخمسينيات ومعنا كل العراقيين آنذاك ثنت هذا الطيش والرعونة والغطرسة والجبروت وكنا نعوذ بالله ونلوذ بالصمت ونتكئ على الصبر ونحبس النفس عما ترغب فيه ونجبرها على السكوت عما لاترغب فيه وكان صبرنا على نوعين إما أن يكون ابتغاء وجه الله كما في قوله تعالى:
((والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية))
وأما صبرا عن الشهوات أو كتمان السر وعدم إظهار ما لايحسن إظهاره أو صبرا على المتاعب والظلم اتقاء السجن أو قطع الأرزاق أو الموت في أحيان كثيـرة وكنا نعزي أنفسنا بتعداد فوائد الصبر ومزاياه وان الصبر أبرز الأخلاق فالزهد صبر والقناعة صبر والحلم صبر والوقار صبر والشجاعة صبر والجود صبر وان الله مع الصابرين فماذا كانت النتيجة ؟
بعد الحروب الطاحنة التي لاناقة لنا فيها ولاجمل وضعنا في أتون حصار اقتصادي لايعرف الرحمة فبعنا ما فاض عن حاجتنا وما لم يفض وحين اشتد الحصار ولامس العظم بعنا الحاجات الأساسية كالأثاث والمكتبات والبيوت وغيرها وافترشنا الأرض والتحفنا السماء ولم يعد لدينا ما نقتات به ناهيك عما نقرأه وقد لاحقنا الحصار بضراوة حتى إلى ما يغطي سوءاتنا ولو لم نكن على أعتاب الألفية الثالثة لطفقنا نخصف عليها من ورق الشجر. وكان قطار العمر يمضي ونحن صابرون وها هو خريف العمر قد دخل علينا ولا زلنا صابرين فماذا بعد ؟ !
وأخيرا استبشرنا خيرا وتنفسنا الصعداء
عندما أزاح الأمريكان وحلفاؤهم الطاغوت الذي جثم على صدورنا أكثر من ثلاثة عقود , تنفسنا الحرية وداعبت الديمقراطية مخيلة الشعب العراقي الصابر وصرنا نحلم بدولة العدل والمساواة والمواطنة الحقيقية .. لكن مرت عشر سنوات عجاف ما بين مفخخة وناسفة وكاتم..
عشر سنوات دفعنا ثمنا باهظا أيضا للديمقراطية عشر سنوات ونحن نتخبط في ظلام نلتمس من خلاله الطريق الى الديمقراطية وماذا بعد ؟؟ !!
نحن الذين في خريف العمر من جيل الخمسينيات أعيانا الصبر وما عاد له منزع لكننا نأمل لمن هم في ربيع العمر أن يرتعوا في ظلال الديمقراطية ..
أما نحن فـ (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) .
جلال الربيعي