حلم ليلة منتصف صيف 2-2
سر ولع شكسبير بصراع المتمردات – نصوص – ترجمة : فضيلة يزل
4. ثورية أم رجعية ؟
ـ منهجان متطرفان في المسرحية
بما ان تقديم مجموعة من النساء المتمردات في “حلم ليلة منتصف صيف” كان واضحاً، فإن مقاصد شكسبير السياسية في إيصال صراعات الجنس هذه إلى المسرح تناقش على نطاق واسع في الوقت الحاضر.
سأركز الآن على رأيين متطرفين . من جانب، رأي المؤرخون الحداثويون أمثال ستيفن غرينبلات Steven Greenblattالذي ناقش المؤشر الواضح على انحراف المرأة عن نظام المعايير المبين على المسرح ويدل على الثورة .. من جانب أخر النقاد من النساء أمثال شيلا نيلسون غارنر Sheila Nelson Garnerالتي اعتبرت الحل في نهاية المسرحية في تعزيز سلطة الرجال.
4 ـ 1 : يُغلب شكسبير سلطة الرجل على سلطة المرأة
تركز شيلا نيلسون غارنر على النتيجة في ثورة النساء في نهاية المسرحية. ومناقشتها الرئيسة كانت، على الرغم من الانتقادات الكثيرة التي تناولت عودة العشاق من عالم الجن، “ومضامينها الاجتماعية والجنسية .. التي مرت دون ان تلاحظ” كان المضمون الرئيس التغلب على السلطة الثوروية للنساء. عندما وافقت النساء على الزواج، ورضين بسيادة أزواج المستقبل. على الرغم من ان رغبة هيرميا بالزواج من ليساندر كانت مسيطرة عليها وهي تبدو كسبت النقاش، وقد حددت قوتها الثورية التمردية مرة أخرى بالزواج. واصبحت مرة أخرى مطيعة للرجل. تبين غارنر بأن “التجديد في التسلسل الهرمي القائم في نهاية المسرحية يؤكد نظام سيادة الأب في الأسرة وسلطته، والإصرار على تحديد سلطة المرأة.
تركز غانر على كيف يقوي الرجال سلطتهم بتمزيق ارتباطات المرأة الأخرى. وتركزأيضاً بشكل مفصل على العلاقة بين هيرميا وهيلينا وحكاية تيتانيا عن موت صديقتها وهي تضع الطفل الهندي. فضلاً عن أنها تقول لقد أصبحت هيبوليتا ضعيفة وذلك فقط بسبب فصلها عن قومها الأمزونيين، لذا عليها ان تذعن لثيسيوس.لقد أكدت هيرميا صداقتها مع هيلينا في بداية المسرحية إذ تحدثتا عن المكان الذي غالباً “أنت هيلينا وأنا اعتدنا الاضطجاع على أسرة اللهو/ نفرغ ما في صدرينا بالبوح الجميل”. وقد فرق الفوز بليساندر بين الصديقتين. وبالتالي انفصلت الواحدة عن الأخرى مؤقتاً وتخلتا في النهاية عن سلطتيهما للرجلين اللذين سيتزوجانهما. ” بما ان الرجال كانوا السبب في تمزيق صداقتهما لذا فقدن سلطتهن الأنثوية.
من وجهة نظر غانر كان عرض معاقبة تيتانيا ـ وقوعها في حب حمار ـ وشجارات الغيرة بين العاشقين أشبعت في الواقع الحاجات السايكولوجية لدى الرجال. “غيرة أوبيرون التي ظهرت ثانية عندما أقسمت تيتانيا على الابتعاد عن فراشه وعشرته” وأولت كل اهتمامها للصبي المسروق. وعلى وفق رأي غارنر كان هذا الصبي يمثل الرابط أو الصلة بين تيتانيا وأمه المتوفاة، صديقتها السابقة. وعزم أوبيرون على تدمير هذا الرابط من خلال محاولة الحصول على الصبي وأخذه منها. وبما ان تيتانيا لم تعد تحترمه قام بمعاقبتها كي يثبت ان سلطته هي الأقوى مستخدماً جرعة الحب ليجعل تيتانيا تقع في حب حمار، وأراد بذلك ان يسخر منها. تعلق غارنر على ذلك فتقول “ارتكبت تيتانيا الحماقات” ، إضافة إلى إرهاب أوبيرون لها للسيطرة عليها ثانية.
لقد كانت غيرة الرجال نقطة أساسية في مناقشة غارنر التي لاحظت ان الصراع من أجل حب المرأة الاستثنائي دافعاً لتدمير العلاقة بين النساء. وتميز غارنر ثيسيوس من خلال “إغارته على هذه المرأة القوية هيبوليتا بشكل غير اعتيادي وزواجه منها”. ليشبع حاجته لحب استثنائي للمرأة. “بما يخدم الحاجات الجنسية للرجال أيضاً ويعزز مكانتهم الاجتماعية”. عندما وقعت هيبوليتا في الأسر، تمكن ثيسيوس من اختطافها من بين أخواتها في الأمزون”. وتحطم العلاقات بين النساء مرة أخرى كي تُنقذ سيادة الرجال. وقد عرفنا ذلك من بداية المسرحية إذ كانت خطته ناجحة في جعل هيبوليتا توافق على الزواج منه. لذا وفقاً لوجهة نظر غارنر، اعطت مسرحية “حلم ليلة منتصف صيف” لسلطة الرجال بعداً ادرامياً، عندما كان اهتمام المسرحية منصباً على تهويل دور النساء، مع إنهن لم يتحدين سلطة الرجال ـ ووضعن في المكان البعيد عن السلطة. لذلك اتسمت المسرحية بسمة الرجعية.
4 ـ 2 : القليل من قوة الخيال يمكن ان يحقق الكثير في المسرحية
على الرغم من احتفاظ الرجل بسلطته حتى النهاية، فإن المؤرخين الحداثويين أمثال ستيفن غريبلات ولويس أي. مونتروس ركزوا بشكل كبير على حقيقة ان سلوك العصيان ومؤشرات التمرد على المسرح أوصلا هذه الأفكار الثورية إلى الجمهور.
يشير مونتروس إلى قوة الخيال الذي قدم له ستيفن غرينبلات وصفاً مفصلاً في مقالته ” الرواية والخيال Fiction and Fiction” عن مسرحية الثانية عشرة ليلاً. إذ قال : “يمكن تخيل الرواية” مشيراً إلى التلميحات الجنسية في المسرحية، والتي تعني بشكل عام بأن المؤشر الحقيقي للرغبات التي لا يمكن التحدث عنها ويمكن ان تكون أكثر تأثيراً من تمثيل هذه الأفكار على المسرح ـ الذي يخضع للرقابة بطريقة أو بأخرى. يمكن نقل هذه الفرضية بيسر إلى “حلم ليلة منتصف صيف” ، في حين في مسرحية “الثانية عشرة ليلاً” الاهتياج الجنسي الخيالي . . سيلاحظ بعيداً عن أنظار الجمهور وعن مسرح العرض، الحياة الأخرى للأزواج الجدد في “حلم ليلة منتصف صيف” تركوا هذا الأمر إلى خيال المشاهد أيضاً. يبين مونتروس بأن ” مباركة أوبيرون لفراش الزوجية لثيسيوس وهيبوليتا استثارة الدورة الجنسية والقسوة المألوفة ..”، وهذا يعني بأنه على الرغم من تمرد النساء ، يوافقن على سيادة وهيمنة الزوج، فالصراع الحقيقي لن يسوى أبداً. كيف ستتطور المناقشة عبر عدة أجيال متروكاً لخيال المراقب (وكما أننا نعرف الآن، تركنا الأمر لتغير ما يحدث في فهم النظام الأبوي).
مثال أخر على الإشارة لشي لا يمكن الحديث عنه هو حلم بوتوم، إذ يقول بوتوم بأن له تجربة بها “عين الرجل لا تسمع، وأذنه لا تبصر”. تجربة حقيقة عن ممارسة الحب مع الملكة ظلت غير متحدث عنها وتركت هي الأخرى إلى من يمتلك خيالاً يصورها.
لقد وصفت بشكل واضح مهمة الشاعر في استخدام الخيال أداة مؤثرة في تعليق ثيسيوس على الحلم:
وعندما يتجسد الخيال خارجاً
تكوينات الأشياء مجهولة، وقلم الشاعر
يحيلها إلى أشكال ويمنحها لرياح العدم
تصبح مجرد مستوطنة محلية وأسماً جعل شكسبير جوانب الخيال دراماتيكية في المسرحية. أما الأدوات فوق الدراماتيكية مثل مسرحية داخل مسرحية، فتشبع الخيال. يوضح ثيسيوس :”لا يوجد شيء جيد في هذا النوع سوى الأشباح، والأسوأ كان عدم وجود السيّء ، إذا أصلحه الخيال؛”. لقد كانت أهمية الخيال مؤكدة عندما يقول بوك في الأبيات الأخيرة في المسرحية:
أنتم المشاهدون ليس لكم سوى ان تناموا هنا
بينما تكون هذه الرؤى قد ظهرت؛
وهذه الفكرة الواهنة البليدة،
وليس هناك استسلام أكثر بل حلم
لا يشجبه النبلاء.
إذ فهمت المسرحية على أنها حلم، هل سيكون لها بعد ذلك نفس المعنى بالنسبة لنا، وكونها حلم رأه مجموعة العشاق في المسرحية؟ يخاطب بوك الجمهور بتأثير مماثل لمسرحية داخل مسرحية: تشجع الجمهور على استخدام الخيال مرة أخرى.ما يسميه بوك “فكرة بليدة” في الواقع هي فكرة جادة جداً. ان استخدام السخرية نستدل عليه من تعليق بوك :” كما أنني بوك الصادق” ..، بما ان العفاريت معروفة بكونها غير صادقة. تلاعبه بمشاعر العشاق يبين بأنه غير محترم وغير صادق.
من الجدير بالذكر، أن ملاحظات غرينبلات عن قوة الخيال وتحديات سلطة الرجل على المسرح يجب ان يكون لها تأثير مباشر وقوي على أعادة تحديد العلاقات التي تتعلق بالجنس والسلطة.
فضلاً عنه، يبين مونتروس بأن “النص الشكسبيري يكشف عن .. المعايير الأبوية المعاصرة لتأثر الرجال بسلطات المرأة”. من خلال عرض كيف ولماذا يعاقب الرجال النساء لسلوكهن المتمرد، يكشف شكسبير بأنهم مضطرون لفعل ذلك إذا أرادو الإبقاء على نظام التسلط الأبوي. وهذا النظام ، كما تعرضه حكاية تيتانيا عن المجتمع الذي يسود فيه التسلط الأمومي وهو طبيعي بلا شك. لذا لا يوجد مبرر عقلاني لنظام سيادة الأب. وكما يبين سلوك الشخصيات الذكرية، أنها بالأحرى مجبرة على التصرف الوحشي.أن الكشف عن هذه الآليات في سيطرة الرجال على النساء يعرض هيمنة نظام سيادة الأب للخطر.
بعدها نجد ان التأثير الواضح لمسرحية “حلم ليلة منتصف صيف” تأثيراً تمردياً : ففكرة عدم الموافقة على النظام القائم سيصعد حالة الوعي النقدي التي تخص العلاقة بين الجنس والسلطة. وكما ذكرنا في المقدمة، كانت هذه مسألة حساسة جداً في العصر الأليزابيثي.
5. وجهة نظر ختامية ـ ليست من النص
لا يمكننا الحكم لماذا عمد شكسبير إلى عرض صراع النساء المتمردات، إذ لا توجد تقارير عن شكسبير بأنه متورطاً بأي نوع من أنواع العمل السياسي. لذا نحن نتوقع ذلك فقط. بالنسبة لي أنه يدعو إلى الإقناع بأن عرض تمرد النساء ينقل أفكار لوجهات نظر مختلفة عن الجنس والسلطة. لكن كيف كان تلقي هذه الأفكار في الواقع وما الذي أحدثته في أذهان المشاهدين ، لا نعرف على وجهة الدقة.
أن اختلاف النقد لمسرحية “حلم ليلة منتصف صيف” يبين بأنه يمكن تفسير النص على أساس فكرتيه الثورية وكذلك الرجعية. ما كانت الأراء الأولى المتناقضة لتعود إلى التعددية البعدية للمسرحية. فإن كلا من ثورة النساء وصراع الرجال للمحافظة على النظام الحالي واستمراره قضايا تعالجها “حلم ليلة منتصف صيف”. فهي ليست بعيدة عن كلا الموقفين، إذ يعرض شكسبير بطريقة دراماتيكية العلاقة الجدلية بين الجنس والسلطة. هنا تعكس المسرحية الواقع الأليزابيثي. عندما كانت امرأة تقود الدولة ويسيطر الرجال على جميع السلطات الأخرى. ان نظام سيادة الأب لم يستبدل بنظام سيادة الأم، ولا يمكن أعادة أقامته بالكامل.لم تتحدث مسرحية شكسبير عن أي نوع من أنواع التغيير. فهي تعرض سلطة الاثنين الذكور والإناث، وهي بالأحرى تحافظ على الموقف الحالي بجميع توتراته. لذا فهي لا تعرض الموقف الحالي في العصور الأليزابيثية فقط بل لها تأثير على كيف تلقى الناس الموقف أيضاً. أما ردود الفعل في المسرحية ـ فليس هناك مشكلة إذا كانوا ثائرين ضد سلطة الذكر أو الزعامة النسوية للأمة ـ ويجب ان تفهم أيضاً على أساس إنها ردود أفعال ضد الواقع الأليزابيثي. محاولة الإجابة على فيما إذا كان شكسبيرمصلحاً أو محافظاً، يقودنا هذا السؤال بشكل محض إلى وجهة نظر أخرى بأنه يمكننا القول بأن شكسبير يمثل تحديداً وجهة نظر معاصرة للحكم الأليزابيثي فقط. وأعماله تقدم وتخلق الواقع الأليزابيثي، الذي كان، محدداً بالصراع بين الجنس والسلطة ـ الفكرة الأساسية لمسرحية “حلم منتصف ليلة صيف”.


















