زمان جديد وهب الرئيس ما لا يملك

زمان جديد وهب الرئيس ما لا يملك
عبدالرزاق الربيعي
يفسر البعض اهداء الرئيس العراقي جلال الطالباني وزير الديوان الاميري الكويتي ناصر الصباح بندقية صيد برنو تعود لصدام حسين، بادرة طيبة هدفها تنقية الأجواء وتطييب النفوس والخواطر وتمتين العلاقات الأخوية التي تربط الشعبين العراقي والكويتي، بخاصة أنها تعيش هذه الأيام عصرها الذهبي بعد سنوات من القصف الصاروخي والمدفعي والاعلامي الذي لم يوقفه سقوط النظام السابق باعتباره هو الذي اجتاح الكويت، فوضع العلاقات بين العراق والكويت في حيص بيص وامتدت الأزمة حتى على مستوى الأفراد.
وأذكر انني بعد حرب الخليج الثانية وجدت خلال بحثي في أرشيف الصور بجريدة الجمهورية التي كنت أعمل بها صورة للكاتب المصري الراحل عبدالحكيم قاسم كتب على ظهرها أنها مهداة للشاعرة الكويتية سعدية مفرح، ففكرت في استلال الصورة من الأرشيف لاعادتها الى الشاعرة الصديقة بحكم العائدية لاصلاح ما أفسدت العساكر.
وهاهو الطالباني يحاول أن يعبر عن حسن نوايا في بادرة مهدت لها بوادر أخرى أبرزها حضور أمير الكويت مؤتمر قمة بغداد، ولكن للبادرة محمولات رمزية فاهداء السلاح، حتى لو كان عبارة عن بندقية صيد، يعني الكثير، ويعني أكثر لو كان السلاح يعود لشخص تفنن باستخدام أسلحة الصيد والقتال وسواهما كصدام حسين، غير أن الجدل الذي أثير حول تلك البادرة يدخل في التفريق بين المال الخاص والعام، فممتلكات صدام حسين تدخل في باب المال العام الذي عائديته للدولة العراقية، لا لشخص الطالباني ولا المالكي، ولذا لا يحق لأي كان أن يتصرف بهذه الممتلكات حتى لو كان رئيس الجمهورية.
واذا كنت قد ترددت كثيرا في سحب صورة قاسم من الأرشيف بعد مساءلتي لنفسي ان كان هذا العمل جائزا، فالصورة كانت قد دخلت في باب المال العام، وصاحبته معلومة. لكن يبدو أن الطالباني لم يتردد بالتأكيد، بل اعتبر نفسه هو صاحب البندقية بحكم الوظيفة فأهداها والهدية على مقدار مهديها كما يقول الشاعر
أهدت سليمان يوم العرض نملته
رجل الجراد التي قد كان في فيها
وخاطبت بلسان الحال قائلة
ان الهدايا على مقدار مهديها
وبندقية صيد تعني الكثير في الأعراف، فهي دليل دقة في التصويب وفروسية وحب للطبيعة رغم أن هذا الكلام لا يعجب بريجيت باردو المدافعة عن حقوق الحيوان.
ويبدو أن الطالباني أخذ من العرب الكثير من العادات ومن بينها الكرم، فقد سبق له اهداء قطعة من الآثار العراقية الى وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون خلال احدى زياراتها الى واشنطن، كما أشارت جريدة الزمان اللندنية مؤكدة الأمر الذي لاقى استياء في بغداد باعتبار ان تقديم هدايا شخصية من الآثار العراقية غير قانوني .
وهو في تلك نهج نهج رئيس الوزراء السابق د.ابراهيم الجعفري عندما أهدى رامسفيلد وزير الخارجية الأمريكي في حكومة جورج بوش الابن سيف الامام علي عندما كان بول بريمر الحاكم المدني للعراق.
واذا كانت بندقية البرنو ارثا صداميا، فسيف الامام علي ذو الفقار ارث قومي لا يمكن التفريط به، ولمن؟ لرامسفيلد. سؤال يورث الصداع والقهر والاحباط.
و الأمر لا يتوقف عند بندقية صيد، فكل ما يتعلق بالنظام السابق من تحفيات ثمينة او رخيصة وأسلحة ووثائق، و قصور صار يسكنها كبار المسؤولين، تعد جزءا من تاريخ العراق وينبغي احصاؤها لتذكير الأجيال القادمة بمرحلة عسيرة مر بها، ان لم نفعل مثلما فعل الرئيس التونسي المنصف المرزوقي عندما باع جميع قصور الرئيس التونسي السابق ووضع ثمنها تحت تصرف هيئة تشغيل العاطلين في تونس بعد انتخابه للرئاسة، حسب الزمان، لكن أن نقوم بجعل أنفسنا أصحاباً شرعيين لهذه الأملاك، في مرحلة ديمقراطية كما هو معلن، ونتصرف بها كيفما نشاء، فهذا تصرف يعيدنا الى نفق ديكتاتوري يرى أن كل ما على الأرض التي يحكمها هي ملك صرف له. وهذه مسألة تستحق منا الكثير من النظر.
/5/2012 Issue 4190 – Date 3 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4190 التاريخ 3»5»2012
AZP20
RZRB