زمان جديد معجزة بدولار

زمان جديد معجزة بدولار
حيدر البصري
منذ حوالي شهر أو شهرين، وأحدهم، لا أعرف من هو، يرسل لي، عبر بريدي الالكتروني، موضوعات مختلفة، منها ما أقرأه، ومنها ما لم يسعني الوقت لذلك، حتى وقعت عيناي، صباح اليوم، على موضوع عنونه باسم ثمن المعجزة.
أثار العنوان فضولي لقراءته، ولقد وجدته في غاية الروعة، بما يتضمنه، وخلاصة الموضوع هي أن طفلة أفرغت ما في حصالتها من نقود، لتتسلل عبر الباب الخلفي لبيتها الى الصيدلية، حاملة المبلغ في يدها، فيطول بها انتظار الصيدلي، الذي كان منشغلاً عنها بالحديث مع أخ له كان عائداً من شيكاغو، ولم تفلح محاولاتها في لفت انتباهه، حتى اذا رمت بعملة معدنية على زجاج الطاولة، التي أمامه أثارت انتباهه، ليبدي بذلك انزعاجه.
لماذا صنعتي ذلك، فأنا منشغل بالحديث مع أخي.
ولكن الحديث مع أخيك ليس أهم من صحة أخي أندرو، الذي هو بحاجة ماسة الى دواء.
وما ذلك الدواء؟
إنه المعجزة.
المعجزة ليس في صيدليتي دواء بهذا الاسم.
نعم.. يفترض أن يوجد، فلقد سمعت أبي يقول لأمي ان ابننا أندرو يعاني من ورم في الرأس، وهو بحاجة الى عملية، ولا أمتلك النقود اللازمة لإجرائها، فليس لأندرو من علاج سوى المعجزة، ولقد جئت أشتريه له، فأنا أمتلك النقود لذلك.
يتدخل الأخ العائد من شيكاغو في الحوار الذي دار بين الطفلة والصيدلي، مقترباً من الطفلة سائلاً اياها وكم تمتلكين من النقود لشراء الدواء المعجزة؟
دولار واحداً وأحد عشر سنتاً.
ممتاز.. انه المبلغ المطلوب لذلك الدواء.
تبين أن شقيق الصيدلي هو الدكتور كارلتون أرمسترونغ، جرّاح الأعصاب الشهير، الذي تناول المبلغ من يد الفتاة، وتناول باليد الأخرى يد الفتاة، سائلاً اياها أن تدلّه على بيتها، ليقدم على اجراء العملية وينقذ شقيق الطفلة من براثن هادم اللذات.
في العراق كم من أندرو هناك، ولكن هل تمتلك شقيقة أندرو العراق حصالة تحتوي على دولاراً وأحد عشر سنتاً ؟
أنا أشك في ذلك.
واذا امتلكت شقيقة أندرو العراقي ذلك المبلغ، ترى هل بإمكانها التسلل الى الصيدلية لشراء المعجزة؟
أشك في ذلك أيضاً، فلا ضمان لوصولها سالمة الى الصيدلية، ولا لعودتها منها كذلك. واذا وصلت، ترى هل تجد كارلتون أرمسترونغ، عراقياً، عائداً من شيكاغو، أو لندن، أو غيرها؟
لا أظن ذلك، ليس لأن العراق ليس فيه كارلتون أرمسترونغ، بل على العكس من ذلك، فقبل أيام كنت أشاهد تقريراً على شاشة احدى الفضائيات المعروفة مفاد التقرير أن هناك 7600 طبيب عراقي في بريطانيا وحدها، 600 طبيب من أولئك هم من ذوي الاختصاصات، ولو أن أولئك الأطباء، والكلام للتقرير، رجعوا الى العراق، فان النظام الصحي البريطاني سينهار برمّته. فالعراق مليء بأمثال الدكتور أرمسترونغ، ولكنهم موزعون في شتى بقاع الأرض، ولو تسنّى لهم أن يعودوا لبلدهم، لكانوا هم المعجزات الحقيقية، التي من شأنها أن تنقذ أندرو العراق، ولكن لا حول ولا قوة الا بالله.
AZP20

مشاركة