زمان جديد قصة اللقلاقة التي أرادت تقليد الحمامة عبدالحق بن رحمون

زمان جديد قصة اللقلاقة التي أرادت تقليد الحمامة عبدالحق بن رحمون
اليوم موعدنا مع قصة بلارج الذي هو اللقلاق، ومؤنثه لقلاقة، ولقلقة. ما علينا. المهم أنّ اللقلاقة أرادت ذات يوم أن تقلد الحمامة، وما كان عليها إلا أن خانت نفسها خيانة عشواء وزطمت على الإسفلت وهي حافية تتقادفها نزوات الهديل والعش الرطب بريش البلبل. ولكي يصير لها نفس طباع وتصرفات الحمامة من حيث الوقار والاحترام والتحليق في السماء عاليا، قلدت اللقلاقة. الحمامة. في كل شيء، حتى الريش قصته وصبغته . حتى الهديل قلدته . وفي ذلك عبرة لأولي الألباب في الأمثولة الشعبية المغربية الرصينة.
إلا أن اللقلاقة وهي ضعيفة المشاعر والأحاسيس، ظلت دوما تشعر بنقصان قيمتها ومردوديتها، وكلما شعرت بالضعف، غمست منقارها في زجاجة بداخلها الوحل، لذلك حاولت بمختلف الوسائل أن تصل إلى مرادها لتقليد الحمامة، وطوال الوقت، ظلت اللقلاقة ،تخسر حياتها، وتخسر عشها ،فخسرت كل رأس مالها في الحياة، وكل الأشياء التي بنتها قشة قشة. فماكان من اللقلاق رفيقها هجرتها إلى بلاد الجليد . وإلى وجهة مجهولة، لايعلم الله ماذا فعلت به الطبيعة القاسية. وهكذا ظلت اللقلاقة يتيمة كيتم الحجر الأصم المجرد، من صفات الخالق الأولى وممسوخة مثل الحجر الأصم .
السبب أنها حاولت تقليد الحمامة، في صوتها، وفي أصابعها وفي موهبتها الربانية . وكل ماكان حولها تحاول تقليده، بمختلف الوسائل، إلى أن حدث وفقدت صوابها، وعاشت يائسة في كل حياتها بعد أن هجرتها أسراب اللقالق . لذلك هناك في مجتمعنا ناس، همها هو التقليد، ما أن تظهر فكرة ما، حتى تسرقها وتحاول تبنيها،في الرسم، في الغناء، وفي البرامج التلفزيونية، وفي إنشاء مواقع إلكترونية، وفي بناء أحياء من الصفيح، لكن مستحيل أن تصير اللقلاقة من سلالة الحمامة وتحافظ على كل مقومات أصالتها، وكبريائها، لأن اللقلاق أو بلارج المقلد يبقى يقلد الماركات التجارية، ويعيش مصيرا مأزوما ومقلدا الآخرين، وضائع بين هنا وهناك . فكثير من شركات الصابون وكثير من شركات العطور،وكثير من شركات التوابل، وكثير من محال المجوهرات لها ماركات أصلية، وعالمية، لكن لما يأتي اللقلاق أو اللقلاقة ويحاولان تقليد هذه الماركات، فإنهما لايصنعان غير الفقاعات والماركات الشاذة والتي لاجنسية لها . وبذلك يكون لقلاق ولقلاقة، حسب قصص ابن المقفع يردمان رأسهما في الرمل، بعد فشل دريع، لأن القدامى قالوا لايبقى إلا الصح والحق . وفي المغرب في ثمانينيات القرن الماضي كان لدينا مشروب غازي اسمه لاسيكون أي اللقلاق، وربما اليوم الشركة المصنعة لهذا المشروع غيرت مشروعها وصارت منتجة للجعة .
و لاسيكون هو مشروب ارتبط بسيرة معيش المغاربة، لكن في ذات الوقت، كان موضع السخرية عبر مشهد إشهاري ساهم في الترويج لهذا المشروب الذي اختفى اليوم .
وباختصار اللقلاق الذي يبني عشه عاليا، ويوقر الناس ولا يقلد الحمامة، يرفعه الأهالي درجات في مقام الأصفياء، أما حينما يقلد الآخرين فأطفال القرى، يرجمونه بالحجارة، كي يهجر قريتهم وفي ذلك حكمة فيها شؤون وشجون.
رفاقي رفيقاتي أصدقائي صديقاتي
أقول قولي هذا والحمد لله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. والفاهم يفهم والحاضر يبلغ الغائب.
ملحوظة أي تشابه بين قصة ابن المقفع واللقلاق هو بمحض الصدفة، والعهدة على ابن المقفع الذي عاد إلى شوارع الدارالبيضاء يمتطي دراجة هوائية، ليوزع كتاب كليلة ودمنة على الأطفال والصبيان في طبعة مزدانة بالألوان لحيوانات أليفة وخيالية .
AZP20