رسالة شديدة السخرية مضمخة بالدماء
فاتح عبدالسلام
التفجيرات الجديدة التي اكتسحت العراق من الموصل إلى كربلاء مروراً بفاجعة الحلة والدمار الذي كان في بغداد وكركوك وأقضية ومدن كثيرة، كانت رسالة شخصية ساخرة إلى القائد العام للقوات المسلحة صاحب وزارات الدفاع والداخلية والأمن. في وقت كانت أبواق ومزامير ودنابك ودفوف سياسية كثيرة في السلطة العراقية تقول إنَّ تنظيم القاعدة منقذ السياسيين من وحل الفشل دائماً قد انتقل في هجرة عكسية إلى سوريا التي كانت رافداً رئيسياً له نحو العراق. هذه الرسالة شديدة السخرية المضمخة بالدماء الزكية لا يبدو إنها ستكون الأخيرة، لعلّها الأولى في مسلسل دموي جديد مقبل على العراق مجدداً. التفجيرات كانت ذات توقيت له سيطرة مركزية على سعة كبيرة من الرقعة الجغرافية ممّا يعرضها إلى خطر الانكشاف فيها لو كان أحد بالمرصاد لها
خبراء أمنيون يقولون إنَّ الاعداد لهذه التفجيرات يحتاج إلى قدرات متفوقة في الاستطلاع والرصد والاستخبارات والموارد اللوجستية والتنفيذ بما يعادل وحدات تنظيمية عسكرية أو شبه عسكرية على غاية من التدريب حيث لم تفشل عملية واحدة بينها. مَنْ له هذه الامكانات في عراق اليوم؟
البرلمان الدائر في فلك وهمي من نزع الثقة عن رئيس الحكومة أو عدم نزعها، يبدو غير قادر البتة أن يسأل الحكومة عن تقصير أمني هائل تسبب في تكبيد العراقيين اكثر من سبعين قتيلاً في ساعة واحدة مع مئات الجرحى. حيث إنّ مجرد السؤال سيدخل في حسابات الاستهداف السياسي.
ما العمل؟ حكومة ذات طابع أمني في أدائها لا تستطيع ضبط الأمن. وملف خدمات فاشل بيد وزارات تقع ضمن مسؤولية أعضاء في قائمة منافسة لرئيس الحكومة. حلقتان تتداخلان ويكون المواطن العراقي الضحية الدائمة فيهما. أيُّ بلد في العالم يعيش إحباطاً مشابهاً؟
نتوقع أنْ يخرج مسؤولون في بغداد ليقولوا إنهم ألقوا القبض على المخططين والمنفذين وإنهم محسبون على فصيل سياسي خصم، كما كان يحدث في كل مرّة. إلى متى تستمر لعبة الدم الرخيصة؟ وكيف سيؤول مصير العراق الذي لا يكاد ينهض من بركة دم حتى يخوض في بركة أخرى أكبر منها؟ أسئلة أقسى من إجاباتها.
هناك صمت يشبه الصراخ بأنَّ الجهة التي تخطط وتنفذ أكبر من أنْ يشير إليها أحد صراحةً. عندما تصل الأوضاع إلى هذه الدرجة من السوء والدمار والتردي يحتاج البلد إلى حكومة انقاذ لا أريد التحدث عن مواصفاتها، حتى لو كانت من داخل المشهد السياسي المتداول، لكن يجب أنْ تكون حكومة انقاذ عراقية تتحمل كلفة أنْ تكون عراقية لا شرقية ولا غربية مهما كانت الكلفة عالية لأنَّها لن تكون بمستوى خسائر هذه الأرواح الطاهرة في ساعة واحدة من تاريخ العراق السائر نحو ظلام مشرّب بالدماء والآهات.
/6/2012 Issue 4226 – Date 14 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4226 التاريخ 14»6»2012
FASL