رؤيا الدير‮ ‬- نصوص – سامي‮ ‬المطيري

رؤيا الدير – نصوص – سامي المطيري

ناحية الحيرة حيرى يغلفها رمل التصحر مداخن معامل الطابوق ومكائن الديزل

_ تبدو بائسة كبعير أجرب تأكلته منايا القير والزفت .

_ صحراء فجاج تلوب تمتدتوسع افقها المترامي ,تمس لعنانها النخيل الجداول

_أخال تعشق الكينات الصلعاء تهزأ من أبل مشبوحة كانت وما زالت تمخر عبابها.

_ يقيناً غادرها النهر الوحيدوالثيل الاخضر وأنمحت واحاتها.

_ إلا بقايا قد كان.

_فضاءات جمة على الارض أزيحت في انعكاسات الظل المنفرج وهي تتأمل الافق . بحر رملي يفصل بين مستقر وآخرقد تكون منفرداً متروكاً أزاء الكون

يصفعك أشعاع لا يطاق زجاج صقيل يخدش البشرة السمراء خلال النهار

وفي الليل أمامك ألسماء العميقة بقلائد نجومها الراعفة

_ من بين فوضى الاوجار . يلوح بيت الشاعر ناظم السعود القريب من برطمي النهر الغائب الذي ترك خلفه بقايا طين وحجارة رسوبية مسننة وأعجاز نخل تناوحت بالرياح .

لا توجد أحداث بين عين التمر وجلح الصحراء  واطواف الحضارة المندرسة التي تركته مشروعا مؤجلا في ناحية الحيرة وارباضها التي تبعثرت فيها البيوت العشوائية المرصوفة بالصفيح والطين واكوام حجارة غابرة واعمدة من الفسيفساء عتيقة ونباح كلاب ضالة واصوات تكنسها الرياح نهيق حماروبائعي اقمشة مع ذلك تبدو كالحة بين تلك البيوت.

_ هنالك مدرستان أيلتان للسقوط يتعلم فيها الاطفال ابجدية حروف الامراض وهم يهرشون رؤسهم المفلطحة التي استوطن فيها القمل ومشتقاته ينشط دورتهم الدموية يتناطحون كخراف خرقاء ورائحة الروث والضراط والبول تفوح في المكان.

_ الشاعر بتوحده وغربته يغذ السير نحو شآبيب التاريخ التائهة بين الماء والرمل.

_ يتأمل ألمستوصف القديم الذي يترمح فيه عاشور الاعرج منحنياً يلم قطوف الشاش والقطن المنقع بالدم واللعاب وسرنجات الابر الملوثة بالفايروسات والبكتريا

_ يؤرقه الهوس بأطلال مدينة تخفي تاريخها بأظلاف قوقعة حلزونية أو جوشن محارة عجوز تسببت في فراغ الازل وفي الارض المنخفضة يعكس ظل الضوء المنكسر يشنات خيال يخوت الهوام الراسيات يمخرن لجاج الحلم الضبابي وقد انحسرت أمواجها الحجرية. تخلصت من رتابة المد والجزر وطغيان سلطة القمر.

_ يحمل رواءه الى ابنه الاصغر يوسف وقد قد العوز قميصه المتهري.

_ ابي اريد ان العب الى المسناية.

_ لا بأس ولكن توخى الحذر .

_ على بعد خطوات تبرز نتوءات مسننة جوجؤ هلالي حديد صخور

_ اشلاء نيزك

_ اوه قبل ان انسى لا تنسى مر بدربك على حنون الاسكافي عله خاط حذاء اخيك وفي العودة ابتع لي علبة سكائر ودواء السكري.

_ حاضر يا ابي.

_ حاول الطفل تثبيت اصابعه في تجويف هلامي لأجل التسلق والخروج من بطن الحوت سقطت آجرة تائخة ملأى بالاشنان نقشت عليها حروف وكلمات دون نقاطانزلقت من فجوات اصابعه اللينة تقلبت على رخاوة القاع كأنها تنتظر ان تلتقطها يد الشاعر وان يعيد لليخت النائم على وسائد الرمل بريقه المنطفئ وبأصابع خشنة متشنجة فركها حاول جليها باللعاب وجدها من الفخار او الخزف.

          -قص على اهله واقربائه دورة الرؤية واشد ما ادهشه وجود مقاطع من قصيدة للنابغة الذبياني يصف فيها صاحبة اليخت المتجرد زوجة النعمان أبيات تعبر عن فحوى الروح الشمولي حين تكون اللقى غير واضحة بسبب كسور او تشوهات.

          -في الركن صليب نقشت عليه صلاة القداس وزنار عاجي ملقى بين العظام على هيئة غرنوق وتراكمات من الطمي والطحالب والمحار وقبعات سلاحف بحرية وحشرات السمك الفضي الزاحف وابرة العجوز والعناكب البنية والواح شكلت من اخاديد ناشفة.

          -قد يكون الحديث عن مراحل خفية بالذات فيه بعض التماهي التي دونت في خضم الاحداث احاسيس وقائع حتى يتمكن من ترميم أجزاء الرقم المتعفنة والخائسة مسح آجرة اخرى لاح له الشيخ سنعان وهو ينفض غبار التاريخ

          –        من هذا؟   سأل نفسه

          –        هو شيخ زمانه في التقوى والعبادة كان اذا دخل الصلاة أخرج  من كل شيء اليها واذا ركع كأن الرخم على ظهره قواما صواما كامل الخلق وحسن المعشر .

          –        اعتكف بمكة خمسة وعشرين حجيجا .

          –        لا اعرف كيف تقاسي الازمنة انذاك.

          –        ذات صباح تشريني تأهب الشيخ للصلاة واذا بفتاة تجلس بقربه وتنــادمه كانها حور العين .

          –        بسمل حوقل استغفر تعوذ.

          –        وقد فاح عطر العنبر والمسك يذكي المكان حيث تركت تحت وسادته زنار عاجي على هيئة غرنوق استلته من بين احراش شعرها القمحي تحبس في متاهاته اوبرا شاطئ الفرات.

_ احتفظ بسره حتى لأقرب الناس والاميرة تزوره بل سكنت اليه تلبسته.

_ علينا الاسراع الى الحيرة لأدرك تفسير ما يحدث؟

_ شد الرحال يتبعه مريدوه وثلة من الموالي والخدم تناقصوا في الطربق .

_ وهنالك على مشارف ارض النعمان بانت الحيرة بأبراجها وكنائسها وأديرتها وخيال قصر الخورنق لؤلؤه بين بساتين النخيل يتكئ على اسرار جرته يعانقه نديمه السدير . والزوراء وزّة برية تتثائب بقطرات الندى يستقبل الضيوف .

_ وقف الشيخ الجليل امام شرفة قصر وهو يردد.

_ هذا ما سعيت اليه.

_ على شرفة قصر منيف اطلت أميرة مسيحية ذات روح ملائكية نفحة من روح الله بدر في ممالك الحسن تربعت في احضان برج الجمال .

_ سقط الشيخ مغمياً عليه وكأنه ثوب مطروح ضاع منه كل شيء .

_ هي هي من رأيت في يقضتي ومنامي واشعلت في قلبي نار لا يتقد مثيلها.

_ امتعض الاتباع وغادرته الثلة الباقية ونداء استغاثة يفتت قلب الحجر .

_ قال منهم أصيب الشيخ بمس؟

_  قال أخر اغسل هذا الوسواس تطهر بماء زمزم

_ قال وبارقة امل جفت على شفتيه اني قد طرحت المسبحة من يدي أرشدوني الى محراب تلك الاميرة حتى لا اشتغل بغير الصلاة.

_ دنت منه يسبقها عطرها وحفيف أجنحة الجواري

_ لهفي عليك سقيم شراب الحب  .

_ آتيتك يا أميرتي قاطعاً المفازات والصحارى سائراً على دمي وفي جبتي ما كان غير الوجد اليك والاحتفاض بزنارك.

_ قالت وعيناها تنث لؤلؤاً لهفتي عليك انت الفارس البدوي .

_ أرتمت بأحضان غياهب الحب السرمدي بضع سنين والشيخ سمعان والاميرة هند الصغرى يحكمان مملكة الحيرة وبتوال السنين أختفت المملكة وقيل أحترقت وطهرت من أرجاس أوثانها في القرن السابع.

_ ختم ناظم السعود قراءة الالواح وراح يغذي الذاكرة الممحاة بحبر الزهايمر ذلك لأنه أنسان مرهف الاحساس مسكون بهاجس أن يروي قصة قرأها وعاش أحداثها وشغوف بسماع ما يحكى له عنها.

_ ثمة دير سمي دير هند أو دير سمعان في حواشي كتاب ( الديارات للشابشكي) ولا اجد مبرراً في ردم الاحداث أو ترميم الفجوات وحدها خيول الكلمات بصهيلها تفك طلاسم جذور الحجارة.

_ وبرؤى المتخيل وقدراته الابداعية يسعى ناظم السعود أن يستنهض ولو بسلال الحواة الشيخ سمعان مثل عنقاء الرماد وهاهو ينهض وسط فقاعات الضباب يذود عن أطلال مملكته بعد أن أدركته جموح خيل البرابرة وسنابكها في مأمنه وكبت به الصهوات بالقرن السابع حيث قتل وسبيت النساء وأحرقت المدينة بقيادة سيف الله المسلول .

_ وبذاكرة السلوك الجمعي وحديث الناس الذين يقطنون الاطلال بأنهم شاهدوا الاشباح تتنقل وتؤكد بعض العوائل الفقيرة التي قطنت السرادق أنهم يسمعون أصوات أستغاثة عويل نساء صهيل خيول صليل سيوف وأن أحدهم شاهد فتاة موثوقة اليدين مدماة . ومنذ ذلك الحين والناس تبارك حجارة الاطلال لطلب الرزق وبعض النسوة يلقين عباءاتهن من فوق الاعمد الرخامية وأخرون يسترزقون وهم يعملون من طوب الاطلال وحجارته الحمراء حرز وتمائم واشياء أخرى.

هامش السرود الإفتراضية

_ هذا السرد ممكن أن تتحمله اللغة المنطوقة حتى يصبح تعبيراً متجدداً يبحث عن قيم فنية وجمالية ومنحها الشكل المناسب وأخراجها من الهلامية لتحقيق غاية في ذاته .

  إن كل ما في الكون خاضع لسلطة السرد وان المسلك الذي يسلكه النص يعتمد على خصوصية المؤلف وقدرته التخيلية (تخيل المتخيل)التي يصوغ وفقها عالمه السردي وأقامة نسق فكري واجتماعي وتأسيس واقع جديد للحدث ؟ في تقولات بواعث الاشياء.