ثمن الديمقراطية
سامي الزبيدي
بعد أن اتضحت النوايا والأهداف الحقيقة للغزو الأمريكي للعراق عام 2003وسقوط ذريعة الأسلحة الكيمياوية التي افتعلت لشن الحرب على العراق خصوصاً بعد إجراء تفتيش دقيق لكل المشأت والأماكن التي كان يشك في وجود أسلحة كيمياوية فيها ومن قبل الأمريكان أنفسهم بعد دخولهم العراق أقتنع العراقيون قبل غيرهم ومعهم العالم أجمع أن الأهداف الحقيقية لاحتلال العراق كانت لتدمير القدرات الكبيرة للقوات المسلحة العراقية وإجهاض مشروع الصناعة العسكرية المتنامية التي باتت تشكل تهديداً للمصالح الأمريكية والإسرائيلية ومن ثم الاستيلاء على النفط العراقي الذي يشكل ثاني أكبر احتياط في العالم ، وتدمير النسيج الوطني العراقي من خلال إثارة الصراع الطائفي بين مكونات الشعب المتآخية منذ ألاف السنين و تمزيق وحدة هذا البلد أرضاً وشعباً و البدء بمشروع الشرق الأوسط الجديد لتقسيم المنطقة العربية. فعمت الفوضى التي سماها المحتل بالخلاقة وغير الخلاقة العراق من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، وأدخل الأمريكان صنيعتهم القاعدة إلى العراق لتباشر بعملياتها الإجرامية القذرة من تفجيرات واغتيالات وقتل وتهجير طائفي لم يعرف العراقيون مثلها من قبل ، كما قامت بحل الجيش العراقي والأجهزة الأمنية الأخرى وفسحت المجال للميليشيات لتعبث بأمن العراق ولتكمل ما بدأت به القاعدة من أعمال إجرامية فأستبيحت دماء العراقيين وأموالهم وأعراضهم وتصاعدت أعمال القتل والاغتيالات لتطال النخب العلمية والكفاءات الوطنية كالأطباء والمهندسين والأكاديميين والعلماء وضباط الجيش في عملية ممنهجة بمساعدة مخابرات دول إقليمية لإفراغ الوطن من كل نخبه العلمية والأكاديمية . وللإيحاء للعراقيين أن الأمريكان جاءوا ليخلصوا هذا الشعب من نظام دكتاتوري شمولي وإقامة بدلاً عنه نظام ديمقراطي تعددي أقدم الأمريكان على تشكيل مجلس حكم على أساس طائفي مقيت ثم أملوا دستوراً على العراقيين مليء بالمطبات والتناقضات ليؤجج الصراعات الطائفية فيما بعد وأجروا انتخابات تشريعية ليست في أوانها لان الشعب العراقي لم يهيأ لهذه الانتخابات ولا للعملية الديمقراطية كما قاموا بتشكيل جيش وقوات أمنية جديدة بنيت على أسس غير مهنية وغير صحيحة بعد أن تم دمج الميليشيات المسلحة فيها لهذا فلم تستطيع هذه القوات حماية أرواح العراقيين وتوفير الأمن والأمان لهم رغم مليارات الدولارات التي صرفت على تدريبها وتسليحها وبمرور الأشهر والسنين زادت معاناة العراقيين من العمليات الإرهابية المتمثلة بتفجير العجلات المفخخة والعبوات والأحزمة الناسفة وعمليات الاغتيالات والقتل والتهجير على أسس طائفية واستفحلت الأعمال الطائفية لتشمل تفجير المساجد والحسينيات والكنائس ودور المواطنين الأبرياء وأصبح الدم العراقي رخيصاً يراق كل يوم من قبل الإرهابيين والميليشيات وازدادت أعداد الشهداء والجرحى والمفقودين والمغدورين وازدادت تبعاً لذلك أعداد الأيتام والأرامل لتصل إلى أرقام مخيفة ومع كل هذا القتل والدمارو السياسيين مشغولين عن معاناة الشعب ومآسيه بالصراع على المناصب والمكاسب والكراسي . وبالإضافة إلى الآم العرقيين ومعاناتهم الطويلة من الإرهاب والقتل والصراع الطائفي وفقدان الأمن فهم يعانون معاناة من نوع أخر تتمثل في انعدام الخدمات الأساسية وفي المقدمة منها الكهرباء والماء والسكن والخدمات الصحية وتدهور التعليم والقضاء واستفحال البطالة وانتشار المخدرات وسرقة المال العام والمحاصصة الطائفية والفساد المالي والإداري في جميع مؤسسات الدولة والمحسوبية والمنسوبية وإبعاد الكفاءات والخبرات عن الوظائف المهمة وسيطرة المزورين وغير المهنيين وأنصاف المتعلمين على الوظائف الأساسية في الدولة وبذلك فقدت الدولة المدنية أحد أهم مقوماتها التي تسمح للمهنيين والأكاديميين والتكنوقراط من أخذ دورهم الأساسي في بناء مؤسسات رصينة لدولة مدنية حديثة .كما حرفت الديمقراطية التي وعدنا بها عن محتواها مسارها الحقيقي بعد أن سيطرت المحاصصة الطائفية على الحياة السياسية في العراق فالانتخابات تخضع لهذه المحاصصة والمناصب العليا في الدولة وفي مجلس النواب توزع وفق المحاصصة الطائفية نزولاً إلى الهيئات واللجان والمناصب العسكرية والأمنية والوظائف الحكومية الأخرى . و بسبب الغزو والاحتلال الأمريكي وما أفرزه من صراع طائفي مقيت على المستويين السياسي والاجتماعي وما تمخض عن ذلك من عمليات القتل والاغتيالات والانفجارات والعمليات الإجرامية الأخرى قدم العراقيون نتيجتها تضحيات جسام تمثلت في أكثر من مليوني شهيد وأكثر منهم من الجرحى والمعاقين ومليوني أرملة وأكثر من أربعة ملايين يتيم وستة ملايين يعيشون تحت خط الفقر يقتاتون على المزابل ويسكنون بيوت الطين والصفيح ومثلهم من الأميين بعد أن كان العراق في طليعة الدول التي قضت على الأمية .وانتشرت آفة المخدرات بشكل مخيف بين شبابه ترافقها البطالة لتدمران الشباب و تعطلان دورهم المهم في بناء وطنهم ، هذا بالإضافة إلى تدمير المدن ومؤسسات الدولة وبناها التحتية وممتلكات المواطنين نتيجة الغزو والعدوان الأمريكي والعمليات الإرهابية والعمليات العسكرية التي استنزفت ميزانية الدولة وأموال الشعب وفوق كل هذه المصائب عم الفساد المالي والإداري كل مؤسسات الدولة وأصبحت عمليات سرقة المال العام وممتلكات الدولة ظاهرة خطيرة أبطالها السياسيون والمسؤولون الحكوميون وتسببت هاتين الظاهرتين في سوء الخدمات وقلة المشاريع الستراتيجية وسرقة الأموال المخصصة لها وأصبحت عملية الإثراء السريع وشراء وبناء العقارات الضخمة داخل وخارج الوطن على حساب ملايين المحرومين ظاهرة يختص بها سياسيو الصدفة وكبار المسئولين الحزبيين والحكوميين ، وانتشرت المحسوبية والمنسوبية بشكل ملفت للنظر وباتت الوظائف الحكومية حصراً على عوائل وأقارب وحواشي المسؤولين لتنزوي الخبرات والكفاءات المهنية والعلمية بعيداً عن سوح العمل والبناء مما تسبب في تردي التعليم بكافة مستوياته وتردي الخدمات الصحية والبلدية وغياب النظام والقانون وتسييس القضاء وتفشي الرشوة في جميع دوائر الدولة ، أما المؤسسات الإعلامية والثقافية فقد أخضعت هي الأخرى للمحاصصة الطائفية والحزبية وابتعدت نتيجة لذلك عن أهدافها النبيلة ومسارها الحقيقي لخدمة المجتمع . هذا غيض من فيض دخل العراق بسببه في نفق مظلم طيلة أحد عشر عاماً وصراعاً طائفياً دمر البلاد والعباد ودمر اللحمة الوطنية والتماسك الاجتماعي بين مكونات الشعب القومية والدينية والمذهبية التي لم تعرف مثل هـــــــــــذا الصراع على مدى تـــــــاريخ العراق القديم والحديث أعاد العراق قروناً عديدة إلى الوراء بعد أن كان في طليــــــعة دول العلم الثالث في جمــــــيع المجالات وكان مشروعاً حقيقياً لدولة متطورة حديثة تنعم بثرواتها وتسخرها للبناء والأعمار و لانجاز المشاريع العلمية والصناعية والزراعية والاقتصادية والتجارية والثقافية والأدبية والفنية وليســـــاهم مع دول العلم الأخرى في خدمة البشرية والعالم أجمع – فهل هذا هو الثمن الحقيقي للديمقراطية التي ينادي بها العالم المتحضر والتي وعدنا بها الأمريكان ؟ أم إن هذا هو ثمن الديمقراطية للعراقيين فقط لأننا ابتلينا بسياسيين لايعرفون معنى الديمقراطية ولا يفقهون شيئاً من السياسة ولا الكياسة ولا الإدارة ، وحبانا الله بثروة نفطية كبيرة سال لها لعاب الدول الكبرى فحولوها سياسيونا بدعم وأجندات خارجية ومصالح فئوية وشخصية ضيقة نقمة علينا بدلاً من أن تكون نعمة . إن الديمقراطية هي حكم الشعب وقول الشعب وخيار الشعب ورفاهية الشعب واحترام الحريات الشخصية وحريات الشعب واحترام إرادة الشعب واحترام الرأي الآخر فأين شعبنا من هذا كله أيها السادة الساسة