بوكر الطابق 99 – نصوص – عبدالكريم يحيى الزيباري
رواية (الطابق (99 للروائية البوكرية جنى فواز الحسن انتشرت حالما أعلنت في القائمة الطويلة، قرأتُ جزءاً منها كتبتُ بأنَّها ستصل إلى القائمة القصيرة لهذه الأسباب التي سأذكر بعضها:
الصفحة الأولى من ثلاثة مقاطع لغوية لعاشق يسرد بضمير المتكلم (كان يحلو لي أن أتأمل انعكاسها.. كنتُ أتعمد اصطحابها إلى المقاهي… غالباً ما كنتُ أختلس النظر إلى عينيها… كنتُ أتأمل وجهها.. كنتُ أتأمل وجهها حتى تنظرَ إليَّ… كنتُ أقارن دائماً بين هيلدا التي أتحسَّسها وانعكاسها، إلى أنْ بلغَ بي حدَّ الجنون أنْ صرت أضاجعها أمام المرآة) لو قمنا بحذف الفعل الناقص (كان، كنتُ) لن ينقص المعنى شيئاً.
في الصفحة الثانية (تبتسم وتدفن رأسها في أقرب جزءٍ من جسدي إليه، كان شعرها الطويل البني والناعم ينفلش على كتفيها… كنتُ أخاف أنْ تتمكن من التفوق على كونها مجرد ذاتها..بت أشعر بالعجز أمامها) الضمير المُتَّصِل يعود إلى أقرب شيءٍ إليه، ولا يتعداه إلى لضرورة (وتدفن رأسها في أقرب جزءٍ من جسدي إليه) إلى ماذا؟ إلى أقرب جزء من جسدي. فأين الحاجة إلى (إليه)؟ ينفلش: كلمة لا وجود لها في جميع معاجم اللغة العربية، قديمها وحديثها. ينفلش على كتفيها تعني منفلتاً على كتفيها.في الصفحة الثالثة (ولكني فعلاً كنتُ أنسى وجودها أحياناً.. نسيت أموراً كثيرة مع هيلدا، كأنَها لم تكن يوماً: اسواق صبر وشاتيلا ورائحة عرق المارة فيها… هناك أرض غاضبة.. رمونا نحن فيها، وارتمينا نحن علينا وبتنا نحن والسمنت محتجزين في بضعة كيلومترات يستحيل أنْ تحتضنَ ماضينا وذاكرتنا) إنها تتحدث عن الشَّتات الفلسطيني، ورئيس لجنة التحكيم الأكاديمي الفلسطيني مريد البرغوثي مسكونٌ بهذا الشتات ضَمَّت القائمة رواية الفلسطيني عاطف أبو سيف(حياة معلّقة) والتي تتناول هموم الفلسطينين. وتقول جنى فواز الحسن(الغناء أيضاً فعل مقاومة، ألم يستعمله الأسرى في المعتقلات والسجون كتعويض عن الأنين، فكان لهم شقّ من النور المنقطع عنهم ووسيلة للتحايل على الحنجرة/ص15) و؟ علامة تنقيط تتبع السؤال. ما يهمُّنا هو استمرار المقاومة. (وهو يوضِّب حقائبها في السيارة، رحت أفكر في الحيل التي قد يمكن اتِّباعها لعرقلة رحيلها/ص (20وَضَّبَ في اللغة العربية تستخدم بتشديد الباء وَضَبَّ الجرح أي سال دماً. وللجملة صيغتين (الحيل التي قد اتِّبعها لعرقلة رحيلها) أو (الحيل التي يمكن اتِّباعها لعرقلة رحيلها). قد مع الفعل المضارع حرف تقليل. الإسراف في استخدام كنتُ ونتائج طغيان المجمل السردي جراء الفعل الناقص كنتُ في سرد حالة تتكرر أو ظاهرة تصلح موضوعاً لمقال أو تقرير صحفي (كنتُ أستيقظُ الليل وأجلس على حافة السرير أتأمَّلها… كنتُ أعرف أنَّهُ يمكنني بسهولة أنْ أصدرَ ضجيجاً فتشعر بأرقي/ص (12بعد أنْ تصغي هيلدا إلى ثرثرتي، كنتُ أتمكن دوماً من الاستسلام مجدداً إلى سبات عميق.. حبيبتي كانت تعجز عن النوم..كنت سلبتها النعاس..كنت شعرت بالامتلاء..كنت أشعر أنَّ يداي ترتعشان /ص( 13 والصواب يديَّ لأنَّ الألف في المثنى علامة الرفع، والياء علامة النصب والجر في المثنى، ويديَّ فيها ياءان مُدغمتان. كقول ابراهيم ناجى في الأطلال(أعطني حريتي أطلق يديَّ) وقول صفي الدين الحلي(أنّ يَدي بالصنّيعِ مُرتَهَنَهْ). وقول ابن الخياط (يا ليتَ أنَّ يَدي شلَّتْ ولم يَرنِي/ خلقٌ أمدُّ إليهِ بالسؤالِ يدا). الراوي بضمير المتكلم ذكر أم أنثى؟ (وما عدتُ قادراً سوى على الجلوس معه على مقعد المطار… أنَّ ثقباً في صدري حُفِرَ لحظة صعودها إلى الطائرة/ص(23 تجلس معه ربما سقطت الألف! (حين تتصل لتطمئن عنِّي/ص(24 فعل الاطمئنان يكون مِن وإلى وعلى.البطل يَصِفُ رؤيته ومشاعرهُ كانعكاس لضمير المتكلم: كان/كنت: فقيرا، حزيناً، غاضباً، جائعاً، إسراف في توظيف المجمل السردي باختصار حوادث جمَّة في سطرٍ أو سطرين بأسلوبٍ مباشر خارج إطار النظرية الأدبية مثل(بعد خمس ” سنوات/ أيام/ ساعات….الخ). نحن نريد حواراً يتضمن هذه الثرثرة، يدخلني كقارئ داخل النص. وإذا كان النقَّاد يعدون أسلوب المجمل السردي عيبا في السرد، فما بالك بنص كله إجمالي، وليس فيه أيَّة تفاصيل، تنقلك إلى اللحظة الموصوفة، هذا أسلوب المجمل القصصي (وهو أحد درجات المحاكاتية المتنامية السبع: المجمل القصصي الذي يذكر الفعل دون أن يدخل في مضمونه مثال “حدَّث مارسيل أمَّهُ ساعةً من الزمن”)جيرار جينيت- عودة إلى خطاب الحكاية- ت: محمد معتصم- المركز الثقافي العربي- 2000- بيروت- ص .69 في الفصل الثالث المعنون(مطار نيويورك ( 2000 ينتهي مشهد هيلدا وعشيقها الراوي، ليبدأ الفصل الرابع (لبنان 1982 مخيم صبرا وشاتيلا) قفزة من القمة (99) ثلاثة عقود من الزمن إلى الوراء لتشرح الأمراض النفسية للذكر الشرقي (مجد: الأعرج يحمل ندبةً في وجهه ووالده المجنون لا يريد تصديق الحقائق ويعيش في أوهامهِ) المجد الأعرج والندبة والجنون رموز لروح الشرق المريض الذي لا يصلح للغرب لأنَّهُ لم ير الرجولة إلا في فحولته. تستحق الروائية الحسن جائزة بوكر من أجل تحرير القدس بقوة السرد وأقرب رواية نسوية ممكنة رغم أنفِ المتنبي (حتى رجعتُ وأقلامي قوائلٌ لي، المجد للسّيف ليس المجدُ للقلم) وأنفِ المعري أيضاً
(كلّمْ بسيفِكَ قوماً إن دَعوتهمُ،
من الكلومِ فما يُصغونَ للكلِمِ.
ذو النونِ إن كان سيفَ الهندِ أبلغُ
من، ذي النون في الوعظِ بل من نونَ والقلم).
نبيعُ سردنا بترقيع قدسنا، فلا سردنا يبقى ولا ما نرقع!



















