الوليمة
محفوظ داود سلمان
يوماً دخلتُ إلى الوليمة ، كنت منسكباً
ـ وكنت ألوذ في بعضي ـ كما سُكب الوعاء…
شاهدتُ: كان البعض يأكل لحمه ، والآخرون
هم الجحيم ، وكانوا يشربون دماءَهم ، أو
يقضمون لحوم أخوتهم ، ويندلقون خمراً
فوق أفخاذ النساء …
بملاعقٍ من فضّةٍ ، يكتال بعضهمُ الفراغ من
الصحاف ، وبالسكاكين القديمة بعضهم يبتزّ
أجزاء الضحية وهي تقطر من دماء …
كانوا بأشواكٍ يلّمون الشظايا ـ وهي من ذهبٍ وبعضهمُ بأنيابٍ مذهبّةٍ يقضقض ما تبقى
من عظام …
أو يأكلون على الصحاف هناك أنصاف النهود
يحدّقون ـ وليس عندهمُ عيونُ ـ يعصرون الخمر
من حلماتهنّ كما العناقيد الجميلة يقطفون ندى الغمام …
كنّا بأسطنبول نسكر ، كان يأتي البحر بالأصداف
موسيقى من الأثباج ، يرقص عارياً عبر الظلام …
بملابسٍ فضفاضةٍ كنا نثرثر عن قضايا مثل
تحرير البلاد ، ومثل معركة المصير ، تلّوث الأنهار ،
ـ نقتلها على الاقداح بحثاً ـ يمنعون الخمر ـ قوت الشعب ـ
يصرخ بعضهم هذا المساء …
هل كنت تسمع في الاذاعة صوت قابيلٍ يفتّش
عن أخيه ، وكان قد أخفى الجريمة بالازاهر
والورود وكانت الأخبار تنقل في الهواء …
وسمعتَ عن زنوبيّا كانت تغادر نحو روما وهي
ترفل في سلاسل مجدها ، بلقيس عاريةٌ
وليس هناك من قصرٍ يشف ولا خباء…
في عرس قانا كيف صـار الماء خمراً ، يشربون
الخمر أنهاراً تسيل غداً ، وتهْمي من سماء …
لكن شاعرنا بدارة جلجلٍ : أليوم خمرٌ وهو لي وغدٌ بظـــــــــــهر الغيب ، دعنا في قرارة كأسنا ،
نغتال أوقات الغواية أو تجيء الخيل من أقصى الفضاء …
* * *
كان الممثل يستشيط أمام جمهورٍ من الموتى ـ له كانت
مؤخرة يطوف بها ـ ويصرخ ليس من غودو يجيء
أنا أسير بلا حذاء …
كنا مساءاً نصعد المترو ، وكان البعض يترك
آخر الأخبار مهملةً على خشب المقاعد ،
والجرائد ذابلاتٌ تحت أعجاز النساء …
من لوحةٍ في ساحة التحرير لو سرقوا الخيول الجامحات
نحاسها قد كان أثمن مايكون على جدار …
اليوم سوف نعد مائدةً بأزهارٍ من الجوري ، غاردينيا ،
ونوقد في المساء شموعنا العشرين ، نبدأ
عصرنا الذهبيَّ نرحل في بحار …
والمخمل المشغول بالأزهار ننشرهُ و موسيقى نكسّرها
على جسد من الاوتار ، مارشاتٍ تمجّد نصرنا
ونحطُّ فوق الموج ليس له قرار …
للساقطين هناك قد تركوا البقية من ضحاياهم
مهشمة ـشظايا اللحم في أسنانهم نياً ـ وللخدم البقية من نثار …
* * *
1ـ تناص مع الشاعر بدر شاكر السياب في قصيدة المومس العمياء



















