الوعي بالتنوير أمريكا إنموذجاً – نصوص – ياسر جاسم قاسم

لمحات تاريخية في تطور الفلسفات

الوعي بالتنوير أمريكا إنموذجاً – نصوص – ياسر جاسم قاسم

من خلال دراستي لواقع الحركة التنويرية التي ابتدات في اوربا وانعكاساتها على العالم ولاسيما على القارة (امريكا) رايت لزاما التطرق الى التجربة الامريكية في التنوير التي من النادر ان يعرف عنها شيئا فحديثنا عن التنوير يتلخص دوما في الحديث عن اعلام التنوير الاوربي كفولتير ونيتشة وهوبكنز وغيرهم من رواده والذين اثروا بشكل مباشر او غير مباشر على حركة التنوير الامريكية ، الا ان الامريكيين قادوا حركة تنوير رائعة قبل الحرب الاهلية وبعدها ساهمت في نهضة وحداثة امريكا الحالية بعظمتها في المجالات الفلسفية والفكرية والعلمية والانسانية .

وسنكتب عن حركة التنوير في امريكا ضمن نقاط كي يستطيع القارئ فرزها بشكل سليم والاستفادة منها :

1-         بنيامين فرانكلين : مثل مدينة المستوطنات ولد في بوسطن عام 1706م ، وساعد في ايجاد مؤسسات للتعليم وتطوير علم التربية المدنية واخترع مانعة الصواعق والنظارات ثنائية البؤرة وله ابحاث في الكهرباء وكشف في جميع نشاطاته عن الثقة بالعقل الانساني ، كما اعلن عن التعليم العالي في القرن 17 عبر هارفارد التي تااست عام 1636 ووليم وماري 1693م ،وما بين (1740-1770م) جرى تاسيس 6 كليات جديدة الكلاسيكية واللاهوت كموضوعين رئيسيين فيهما غير ان مناهج الدراسة في الكلية اتسعت لتشمل مناهج اخرى.

2-         اخترعت اول الة طابعة في كامبردج ماساشوستس عام 1639م.

3-         اول انطلاقة محددة من البيورتان الارثذوكس تاسيس كنيسة (براتل ستريت) الاكثر ليبرالية عام 1699م من قبل جماعة من تجار بوسطن.

4-         اول جريدة ناجحة في بوسطن والتي صدرت عام 1704م وجرت اول محاولة لاصدار مجــــلة ادبية عام 1741م.

5-         حال عدد كبير من العناصر القيادية في المرحلة الثورية الى الربوبية desimوتفيد معنى الايمان بالله من غير الاعتقاد بديانات منزلة وقوام الايمان هذا العقل وليس الوحي ومن مظاهرها التوكيد على المناقب والاخلاق ونكران تدخل الخالق في نواميس الكون.

6-         كما كان افتتاح اول نقد للديانة المسيحية في امريكا هو العقل (الوحي الوحيد للانسان) والذي عكف على كتابته الزعيم الثوري ايتان الان وجرى نشره عام 1784م

7-         بدات حركة امتلاك المكتبات في مطلع القرن 18 امتلك كل من كوتون ماذر في بوسطن ووليم بايدر في فرجينيا اكثر من 400 مجلد أي لكل واحد منهما.

8-         في منتصف القرن الثامن عشر تخلى عدد من رجال الدين في بوسطن عن المذهب الكالفاني في القضاء والقدر واكدوا بان الخلاص يعتمد على الاختيار الحر للانسان وهو المعتقد الذي عرف بأسم (ارفينزم) نسبة الى (ارمينيوس) (1560-1609) وهو رجل دين هولندي بروتستانتي انتقد بشكل لاذع تعاليم جون كالفن وبخاصة فكرة القضاء والقدر وقال بامكانية الخلاص لجميع البشر ويطلق على دعاتها وانصارها (الارفينزم) وفسروا ان الدين ماهو الا مجموعة من القواعد والاحكام التي تروم الى تحقيق السعادة الانسانية .

9-         وبينوا بان ذلك هو الافضل في الحياة الدنيا وان رغبة الخالق هي انقاذ جميع الناس واكثر من تاثر بالتفاؤلية الثيولوجية (اللاهوتية)(جارلز جانسي) الذي كتب عن الخيرية (النزوع الى الخير) في الالوهية قرابة العام 1750م ولم ينشر حتى عام 1784م ، وجونثان ميهيو وقد تطور هذا النزوع الى التوحيد (نبذ التثليث والايمان باله واحد) وان لم تكن هناك مجاهرة معلنة بمثل هذا الموقف حتى بعد الثورة .

10-       الكيوكرز في فيلادلفيا ومن صفاتهم : تفاؤل بساطة تشديد على عمل الخير انسجموا مع حركة التنوير الفلسفية وكان من ابرزهم مسجل محاضر الهيئة التشريعية في نيوجرسي (تايلور جون وولمان) الذي اصبح مناوئا لدودا للعبودية وغيرها من المظالم الاجتــــــماعية والاقتصادية .

11-       جونثان ادواردز اقترن اسمه باليقظة ترك الكنيسة عام 1750م كان رايه داحضا للتفاؤلية وهي الايمان بان هذا العالم خير العوالم الممكنة وان الخير سوف ينتصر على الشر في نهاية المطاف تفادى مسالك التمرد الفوضوي لبعض من جماعات الضياء الجديد ولديه مؤلف اســـــــمه حرية الارادة freedom of will

وادواردز هو المفكر الاكثر عمقا ممن انجبتهم امريكا المستوطنات ومقالته او مؤلفه حرية الارادة وفيه عد بان الارادة تصمم على الدوام بالدافع الاقوى ومن ثم فلا معنى لتعبير حرية الخيار، كانت انموذجا على البراعة المنطقية والاكثر تاثيرا مقالته رسالة تخص المشاعر الدينية وفيها اصر على ان الدين هو بالضرورة تجربة وجدانية ، وليس مشكلة قرار معتدل وعقلاني ، فالخالق نقل المعرفة باحسانه الى اولئك الذين اختارهم للخلاص ومن ثم نزع عنهم مقاومة حبه وطاعته والرحمة تعني كامل التسليم الى مشيئة الله وفي كتابات اخرى وصف ادواردز طبيعة الكون وصورة التاريخ الانساني كتعبيرات منسوبة الى الخالق واصر على ان العالم والانسان نفسه ملوثان بالشر غير ان القبح والخطيئة ضروريان حتى يبدو الاحسان والعدالة الالهيان على نحو جلي وظاهر .

كما اظهر نفسه مصدرا لحركة التنوير الفلسفية وفي تحديده الاعتقاد الديني بوصفه نورا روحيا وربانيا يغشى الروح على الفور فانه ساهم في نمو الفردانية الليبرالية كما يعبر بعض الكتاب عن ذلك. وكان لكتاباته اللاهوتية تاثيرات قليلة في حياته ولكنه ترك جماعة ومن اكثرهم اهمية : جوزيف بيلامي وصامويل هوبكنز حيث عكف الرجلان على مواصلة مهمته في اعادة تاويل وعقلنة الكالفنية ونفذ اللاهوت الجديد لادواردز تدريجيا الى الكنيستين الابرشية وعلى نحو اقل المشيخية وفي نهاية القرن الثامن عشر اخذ تقريبا كل رجال الدين في نيو انغلاند ما خلا بوسطن وعددا من الولايات الوسطى يعظون الناس بالمبادئ الادواردية وتسببت جهودهم في منافسات دينية جديدة بدءا من تسعينيات القرن الثامن عشر نزولا الى الحرب الاهلية 13 نيسان 1861م والتي عززت بشكل كبير تاثير الكنائس البروتستانتية وكان لها انعكاسات على التطور الاجتماعي والسياسي الامريكي فلادواردز دور مهم في التاريخ الحضاري الامريكي.

جوناثان ميهيو من بوسطن القى في العام 1750م موعظة مشهورة اعلن فيها ان الخروج على الحكومة الظالمة ليس فقط حق وانما واجب ايضا، وناصر جونثان عضو المشيخية في الكنيسة الابرشية بابسوج ماساشوستس نظرية جون لوك .

كما جرى قبول تنظيم التجارة عبر الحكومة البريطانية من قبل غالبية الامريكيين حتى الثورة برغم نقد التفاصيل وعلى اية حال، فان القلة من الكتاب ناصروا حرية التجارة التامة وكان من اكثرهم تميزا فرانكلين الذي وصل الى هذا الاستنتاج عام 1751 وبعضا من مقالاته التي كانت اسهاماتها اكثر اصالة في النظرية الاقتصادية كتبها خلال مرحلة الاستيطان وله اسهام مميز في مناظرة حول النقد الورقي مناشدا بان التقدم الاقتصادي سيعرقل الا اذا كانت هناك كمية كافية من النقد، ومعترضا على مبدأ ان الذهب والفضة هما فقط من ينقذ النقود او العملة ، واستمد ايضا من الفيزيوقراط الفرنسيين الشعار بان الارض هي المصدر الوحيد للثروة ولذلك فان المزارعين هم فقط المنتجون الحقيقيون وسيكون التجار بالضرورة طفيليون وكان لهذه النظرية قبول واسع في امريكا بسبب تظهيرها لتبرير معارضة السكان القرويون للمصالح المالية بريطانية او محلية على السواء.

ملحوظة هامة:

الفيزيوقراط: اول من طرح نقدا منهجيا للاعتقاد التقليدي في التنظيم الاقتصادي والحث على مبدأ جديد انذاك قوامه عدم التدخل وناقشوا ايضا بان الارض هي المصدر الوحيد للثروة وان الدول يمكن ان تصبح مرفهة حقا فقط بتشجيع الزراعة والمناصر الاكثر تاثيرا في سياسة عدم التدخل او الاسكتلندي ادم سميث (1723-1790) م الذي نشر كتابه ثروة الامم عام 1776م وفيه بين سميث بانه اذا ترك كل فرد حرا بالسعي من اجل مصلحته الذاتية فان عملية التنافس سوف تروج للرفاه العام، فاليد غير المنظورة لله اقامت الانسجام بين مصلحة الفرد وبين مصالح المجموع، وراى سمث بان لا حاجة الى الشركات وفضل نظاما اقتصاديا يدار في اطاره الانتاج والتجارة من قبل صغار الملاك المستقلين .

وفي علاقة التنوير بالعلوم العلمية فلقد كان لتطور الفيزياء تاثير عرضي مهم في اضعاف الاشكال الاكثر خرافة في المعتقدات الدينية فمانعة الصواعق LIGHTNING RODلفرانكلين على سبيل المثال لم تكن مهمة فقط لحماية الابنية من التدمير وانما لانهاء المخاوف من اعتبارها علامة على غضب الخالق ويمكن عد انتشار المواقف العقلانية دالة مناسبة نتجت عن زلزالين ضربا شرقي ماساشوستس فزلزال عام 1728 دفع غالبية السكان الى الاسراع الى الكنائس وشاركوا باهتياج شديد في الصلاة وتلاهم عدد كبير من المهتدين وفي العام 1755 ومن جانب اخر لم يتسبب الزلزال الاكثر قساوة بزيادة في عدد المنتسبين الى الكنيسة ولاقت شروحات البروفيسور وينثروب العلمية له قبولا عاما.

وهنا نسال سؤالا هل باستطاعتنا نحن اليوم ان نؤسس جوامع ليبرالية كما اسس للكنائس الليبرالية في امريكا.