النعي أم العلاج؟

النعي أم العلاج؟
حسن حنفي
بعد ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة لمجلسي الشعب والشورى، وانتخاب اللجنة التأسيسية لوضع الدستور وسيطرة الأغلبية الإسلامية في كلتا الحالتين وربما الرئاسة قادمة أيضا بدأ النعي على ما حدث في معظم الصحف وأجهزة الإعلام المرئية والمسموعة وكأن هزيمة كبرى قد وقعت تعادل هزيمة 1967. فلا توجد صحيفة أو مجلة إلا وتندب الحظ العاثر، وتبكي على حاضر مصر ومستقبلها. والسياسة ليس فيها نعي في حالة الخسارة ولا زهو واستكبار في حالة المكسب بل التعلم في كلتا الحالتين عن أسباب الخسارة لتلافيها وأسباب المكسب للحفاظ عليها. وفي السياسة لا توجد خسارة أبدية لحزب ولا مكسب أبدي لحزب آخر بل يوم لك ويوم عليك وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ، من القصر إلى سجن طرة، ومن سجن طرة إلى القصر. السياسة ليست معركة واحدة خسارة أو مكسبا بل هي عدة معارك يتم الاستعداد لها بناء على التجارب السابقة. وقد يحتاج ذلك إلى عدة دورات انتخابية حتى يعي المنهزمون والمنتصرون أسباب الهزيمة لتلافيها وأسباب النصر للمحافظة عليها. لقد خسر العلمانيون بالرغم من عدم دقة هذا اللفظ لأن لفظ العلمانية في الذهن الشعبي يعني معاداة الدين أو على الأقل فصل الدين عن الدولة. ولذلك أسباب داخلية لدى الليبراليين والاشتراكيين والقوميين والماركسيين وليس فقط أسبابا خارجية قوة الإسلاميين بالدعاية والتمويل الداخلي أو الخارجي. فقد تفتتت القوى والأحزاب السياسية. وتعدد المرشحون في نفس التيار.
محاولة الكتلة المصرية
فتوزعت الأصوات بالرغم من محاولة الكتلة المصرية التجميع والتوحيد، وهو ما قد يتكرر في انتخابات الرئاسة وفي كل انتخابات قادمة في النقابات والاتحادات. صحيح أنه من الصعب توحيد المرشحين نظرا لتباين الأيديولوجيات الليبرالية والاشتراكية والقومية والماركسية ولكن ليس من المستحيل إذا كان الهدف هو منع التيار الإسلامي من الحصول على الأغلبية والوصول إلى الحكم. لم يحاول العلمانيون تحسين صورتهم لدى الرأي العام وبيان أن القيم العلمانية هي مقاصد الشريعة وأن مقاصد الشريعة هي القيم العلمانية الحياة والعقل والعلم وحقوق الإنسان والثروة الوطنية. لم يحاول العلمانيون ربط أيديولوجياتهم بالموروث الثقافي الإسلامي من أجل تكوين ليبرالية إسلامية أو اشتراكية إسلامية أو قومية إسلامية كما يحاول بعض الإسلاميين اليساريين تكوين إسلام ليبرالي وإسلام اشتراكي وإسلام قومي. إذ تضطر الجماهير أحيانا إلى انتخاب المرشحين الإسلاميين لشعاراتهم الإسلام هو الحل ، الإسلام هو البديل ، الحاكمية لله ، تطبيق الشريعة الإسلامية . وهي شعارات واضحة للجمهور. تلبي مطالبهم النفسية بالبحث عن حلول وبدائل لأزماتهم، ونظم سياسية وقانونية تحمي مصالحهم. لم يحاول العلمانيون الإسلاميون، ومنهم الكثير، التحالف مع الإسلاميين العلمانيين وهم أكثر بالرغم من الإعجاب بالنموذج التركي والنموذج الماليزي. لم يحاول أحد الخروج عن دائرة الاستقطاب المميت بين العلمانيين والسلفيين الذي هو في حقيقته صراع على السلطة وليس فقط خلافا أيديولوجيا، والسعي وراء المصلحة الحزبية، وليس المصلحة العامة. تتعامل أجهزة الإعلام دائما مع التيار الإسلامي وتعاديه أكثر مما تعادي إسرائيل. ويفضل العلمانيون الانسحاب من أي تصويت لا يحصلون فيه على الأغلبية، والانسحاب من الساحة وترك الإسلاميين وحدهم لهم الأغلبية المطلقة بدلا من الحوار بين الأقلية والأغلبية والوصول إلى قاسم مشترك. فكلا الفريقين في النهاية مصريون. جمعتهم الثورة وإن تفرقوا بعد ذلك في الوسائل لتحقيق أهدافها. والاتفاق على الغايات أهم من الخلاف في الوسائل. ولم يشجع أحد من العلمانيين يسار الحركة الإسلامية. وضعوا الإسلاميين كلهم في سلة واحدة. ولا توجد جماعة إلا وبها أجنحة وسط ويمين ويسار. واليسار الإسلامي أقرب إلى العلمانيين سواء كانوا داخل الجماعة أم خارجها بإرادتهم أم رغما عنهم. والوسط الإسلامي قادر على أن يعقد حوارا بين يمينه ويساره ويستقطب جزءا منه إلى اليسار. فالجماعات السياسية لا تثبت على حال. تتفنط أوراقها طبقا للظروف والمناسبات. وفي نفس الوقت ليس العلمانيون كلهم في سلة واحدة. هناك فريق منهم يرون بعض الخير في الإسلاميين. ولا يناصبونهم العداء المطلق. وبعد أن يظهر العلماني الإسلامي من العلمانيين، والإسلامي العلماني من الإسلاميين تقل المسافة بين الإسلاميين والعلمانيين. ويزداد الوسط في كل من الفريقين ضد التصلب والتعصب والرفض المتبادل الذي مازال يخضع لحديث الفرقة الناجية. والوحدة الوطنية ليست مستحيلة خاصة ساعة الكوارث. ليس كل العلمانيين شر، والإسلاميون خير. وليس كل الإسلاميين شر، والعلمانيون خير. كل فريق به السلب والإيجاب. يتفق كل فريق مع الآخر في جوانب مثل الحرية والعدالة. ويختلف في جوانب أخرى مثل الدولة المدنية وتطبيق الشريعة الإسلامية. يمكن العمل سويا في جوانب الاتفاق. ويمكن الحوار سويا في جوانب الاختلاف. والإسلاميون لا يرفضون الدولة المدنية إذا ما اتضح معناها. فالدولة لا دين لها. إنما الأفراد هم الذين لهم دين. وتطبيق الشريعة الإسلامية لا يعني الحدود أو الحرابة كما قيل أخيرا في مجلس الشعب. فالحد له سبب وشرط ومانع. الفقر مانع من حد السرقة كما فعل عمر عام المجاعة. والاكتفاء شرط تطبيق الحد. والخلاف بين العلمانيين أيضا حول أولوية الحرية على العدالة أم العدالة على الحرية. كما حدث خلاف في الستينيات حول ترتيب الشعارات الثلاثة الحرية والاشتراكية والوحدة مصر أم الوحدة والاشتراكية والحرية سوريا .
العيب في النفس
إذن يمكن لكل فريق مراجعة النفس، وأن يقوم بنقد ذاتي لنفسه. كما قال المسيح قبل أن تطلب من أخيك نزع القشة من عينه انزعها من عينك أنت. وكما استعجب القرآن أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ . العيب في النفس قبل أن يكون في الآخر. حصل الإسلاميون على الأغلبية في مجلسي الشعب والشورى وفي اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور وربما في انتخابات رئيس الجمهورية وفي كل انتخابات حرة قادمة للاتحادات والنقابات ليس لعيب فيهم ننقدهم له بل لتقصير في الأقلية وعدم استطاعتها حشد الأصوات لصالحها. فلتكن هذه المرة تجربة للعلمانيين أن يوسعوا قواعدهم، وأن يغيروا أسلوبهم، وأن يجددوا ألفاظهم، وأن يستعملوا الموروث الثقافي وسيلة للتعبير عن آرائهم. تحتاج الأقلية أن تتعلم من الدرس. فلا توجد هزيمة دائمة. أما الأغلبية فقد يركبها غرور النصر والخيلاء فتنزاح الغشاوة عن أعين المصوتين لهم. وهذا أيضا هو الدرس الذي تتعلمه. فلا يوجد نصر دائم. ما يهم هو النظر إلى المستقبل. فمعركة واحدة ليست كل الحرب. كسبت الأغلبية معركة وربما لم تكسب الحرب لإثارتها غضب الناس من قراراتها يوما وراء يوم. وخسرت الأقلية معركة وربما لم تخسر الحرب بعد أن تعاطفت معها الجماهير التي لم تصوت لها. فخير محتمل خير من شر قائم. للعلمانيين والإسلاميين عدو مشترك، إسرائيل التي مازالت تحتل الأرض في فلسطين وسوريا ولبنان، وتبني المستوطنات، والولايات المتحدة المؤيدة لإسرائيل. وهناك الفلول التي تريد القضاء على الثورة وإثارة الأزمات حتى يحن الناس إلى النظام القديم، الأمن والخدمات حلو لكن كداب . وهناك بقايا الحزب الوطني وعناصره من رجال الأعمال الذين مازالت لديهم الثروة، ويريدون استعادة السلطة بعد أن أخذوا على غرة في يناير 2011. وهناك العسكر الذين يحكمون مصر منذ ستين عاما ومن الصعب مغادرة الحكم، وتثبت التجربة بعد عام أنهم عامل مساعد على إجهاض الثورة وربما أحد العناصر المكونة للثورة المضادة. على الأغلبية المنتصرة عدم أخذ كل شيء، مجلسي الشعب والشورى واللجنة التأسيسية لوضع الدستور وربما رئاسة الجمهورية وأي انتخابات أخرى قادمة. فالأمة لا تتنفس إلا برئتين، ولا ترى العالم إلا بعينين، ولا تسير إلا على ساقين، والطائر لا يطير إلا بجناحين تأكيدا على الوحدة الوطنية وتأسيا بالتجربة التونسية، رئيس الوزراء من الإسلاميين، ورئيس الجمهورية من اليساريين. وقد تكون الأغلبية خادعة إذا ما أصابها الخيلاء، وانتابها الغرور. يتحملون الأخطاء وحدهم لأنهم لم يستشيروا الرأي الآخر. وقد يكون أكثر خبرة، وأقل انفعالا وزهوا. كل فريق يتعلم من الآخر. فلا أحد يملك الحقيقة المطلقة وإلا أصبح كفرعون الذي لم يسمع لنصح موسى. فالغرور والانكسار نقيضان. قوة جناح مرض، وضعف جناح مرض. ويكون القلب، مصر، هو الخاسر.
/5/2012 Issue 4190 – Date 3 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4190 التاريخ 3»5»2012
AZP07