المشكلات البنيويّة التي تواجه إستطلاعات الرأي –  مجاشع محمد علي

 

 

المشكلات البنيويّة التي تواجه إستطلاعات الرأي –  مجاشع محمد علي

على مدى أشهر قبل الانتخابات الامريكية العام الماضي، أظهرت استطلاعات الرأي أن المرشح الديمقراطي جو بايدن هو الأوفر حظًا للفوز بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة العام الماضي، لكن الجمهوري دونالد ترامب قال إنه سيكذبها مثلما حدث لدى فوزه المفاجئ في عام 2016 لكن بالنهاية انتصرت استطلاعات الرأي على تنبأت ترامب.

وفي العراق ورغم تجربته “الديمقراطية” لم يتم اجراء استطلاعات رأي عام علمية موضوعية تظهر لنا نتائج مقبولة لأي موضوع يثير أهتمام الرأي العام العراقي، ولعل القارئ يسأل عن الوظائف التي يمكن أن تقدمها استطلاعات الرأي للجمهور والنخب السياسية في العراق والجواب أنها “مهمة في بناء جسور من التقارب بين الرأي العام، والساسة وصناع القرار في العراق؛ والرصد العلمي المقنن والمنتظم لمستويات اهتمامات الرأي العام بالقضايا المهمة خلال فترة أو فترات زمنية بعينها ولعل هذا الموضوع يكون واضحاً في التخبط بتشريع القوانين غير المثيرة والمهمة للجمهور العراقي، ولعل الوظيفة الاخرى التي لا تقل اهمية عن سابقاتها هي رصد السمات البارزة في اتجاهات المواطنين نحو أداء الحكومة، والمؤسسات التشريعية، والرموز السياسية (رؤساء الدول، رؤساء الأحزاب، وقادة الرأي، والمرشحين السياسيين وغيرها).

كما ان لإستطلاعات الرأي وظيفة في الرصد العلمي والمنهجي لمستوى الاجماع الاجتماعي بين المواطنين بشأن أولويات بعينها؛ وبخاصة خلال مراحل التحول الديمقراطي، ورصد اتجاهات المواطنين بدقة وإخضاعها للتحليل الدوري المتعمق للوقوف على الآليات التي تحكم عملية تشكيل الرأي العام، واخيراً توفير قاعدة معلوماتية رصينة عن واقع الرأي العام في المجتمع بما يمثل مرجعيةُ ذات دلالة واعتبار يسند إليها صناع السياسات خلال مرحلة اتخاذ القرار بشأن التحديات المجتمعية. ولهذه الوظائف السابقة حظيت مراكز استطلاعات الرأي العام وقياساته في العالم بأهتمام ملحوظ في الديمقراطيات الناشئة بوصفها الآلية العلمية والموضوعية للوقوف على معارف الرأي العام واتجاهاته بشأن القضايا المهمة في المجتمع، كما دأبت الديمقراطيات الناشئة على تقليد تلك الديمقراطيات الراسخة في توظيف مراكز استطلاعات الرأي العام لتكون مكونا من مكونات العملية الديمقراطية خلال عمليات الاستفتاء والاقتراع سواءً في الانتخابات الرئاسية أم الانتخابات البرلمانية. على الجانب الآخر، تعاني استطلاعات الرأي العام في البلدان النامية ومنها العراق العديد من المشكلات البنيويّة المرتبطة بالتمويل وعدم استقلالية مراكز بحوث الرأي العام، وغياب تأهيل الباحثين والكوادر البشرية، فضلاً عن الإشكاليات النظرية والمنهجيّة المرتبطة بإجراءات استطلاعات الرأي العام في سياق تلك المجتمعات النامية.

إن الدول الراسخة ديمقراطياً تهتم بنقل تجاربهم الخاصة باستطلاعات الرأي العام وبخاصة الإقليمية والدولية منها من خلال التعاون مع الدولة حديثة العهد بالديمقراطية؛ كما تدعم الهيئات والمنظمات الدولية وبخاصة منظمة اليونسكو الجهود الخاصة برصد وقياس اهتمامات الرأي العام ليكون شريكاً فاعلاً– أي الرأي العام- في عملية التنمية المستدامة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

مشاركة