المدينة العراقية بين الإجتماعي والسياسي

تلك الكتب

المدينة العراقية بين الإجتماعي والسياسي

كانت تثار بين مرحلة واخرى  ضرورة عدم التركيز على تاريخ الملوك والخلفاء والحكام وذوي الوجاهة والاموال والنفود، وترك الفقراء والمهمشين دون تاريخ، والمرور عليهم مروراً عابراً، او تناولهم من خلال المتنفذين على الصعيد السياسي والاقتصادي، وذكرهم باشارات عابرة وسريعة،  وفي هذه الظروف تصاعدت الدعوات الى الاهتمام بالمهمشين حاضرا وتاريخيا، وان يتم ذلك بمعزل عن السياسة والايديولوجيا، لانهما يقودان الى استذكار وابراز السياسيين والمنظرين الذين يخدمون مصالح وتوجهات سياسية واقتصادية معينة تصب بغير صالح المهمشين.

وقد صدرت مؤلفات تهتم بفئات معينة من المهمشين في التاريخ العربي، ولكن مثل هذه المؤلفات كانت تتعامل مع هؤلاء المهمشين من خلال قياداتهم السياسية، مثل حركتي الزنج والقرامطة، وبالتالي فانها قدمت  دراسات تاريخية  سياسية ، ودراسات عن سيرة هؤلاء السياسيين، وعن دورهم القيادي ، وعن اساليبهم في تعبئة فئات اجتماعية معينة لصالح اهداف سياسية معينة.

كما ان مثل هذه الدراسات تتعامل مع مثل هذه الفئات بمعزل عن الفئات والشرائح الاجتماعية الاخرى، ولذلك فهي ليست تاريخا اجتماعيا  عاما، وانما هي تاريخ سياسي لفئة معينة.

وكان باستطاعة الباحث الدكتور عبدالستار شنين الجنابي ان يجعل كتابه (تاريخ النجف الاجتماعي 1932-1968) مقتصرا على العلاقة بين السياسة والمجتمع كما هو حال الدراسات التي تركزت على هذه العلاقة، لكنه قدم اوسع واشمل صورة عن النجف في العقود الواقعة بين عام 1932 وعام 1968 بمختلف الصعد الاجتماعية  والصحية والاقتصادية والخدمية والثقافية والتربوية والتعليمية…ألخ

وقد احتوى الكتاب على معلومات واحصائيات كثيرة ومهمة عن واقع النجف في هذه العقود، وعن معاناة سكانها، وعن الظروف بين الاحتياجات والمؤسسات المكرسة لتلبيتها، والعمل على توفيرها.

وقد مارست المعلومات والاحصائيات والحقائق المستمدة من جهات معروفة،  وذات مصداقية عالية دورها في التحليل والاستنتاج والتعويض عن الانحياز السياسي لهذا النظام او ذاك، او الانحياز الايديولوجي لهذه الجهة او تلك والباحث الدكتور عبد الستار شنين الجنابي، لم يهمل التاريخ السياسي  لمدينة النجف، وانما كان قد درس هذا التاريخ، وخصص له كتابا  موسعا بعنوان (تاريخ النجف السياسي 1921-1941) ، حيث يشير ذلك الى ان المؤلف كتب (تاريخ النجف الاجتماعي) وهو على دراية واستيعاب لتاريخها السياسي، وهو على وعيه للحدود الفاصلة والجامعة بين  السياسي والاجتماعي، ثم ان كتاب (تاريخ النجف الاجتماعي) تناول  مختلف جوانب المجتمع في النجف ولم يتحدد بميدان معين وبغض النظر عن المقارنة بين الدراسات التي حاولت الجمع بين السياسة والمجتمع، وبين كتاب (تاريخ النجف الاجتماعي) فان هذا الكتاب ليس تاريخا فقط وانما هو دراسة يتداخل فيها الاجتماعي مع الخدمي والثقافي والتربوي والتعليمي..ألخ.

وتتواصل  فيه العقود مع بعضها، بمختلف الجوانب والحقول، كما انه يقدم معلومات  واحصائيات لوضع النجف في العقود السابقة، وما ينطوي عليه من مشكلات، وما يتطلب من حلول ومعالجات راهنة.

والكتاب اضافة الى ذلك يضع المعلومات والاحصائيات والتحليل لها في اطار خصوصية مدينة النجف،  وانعكاسها على مختلف الحقول والميادين ذات الصلة بالمجتمع النجفي.

والكتاب واحد من كتب عديدة تناولت  تاريخ وواقع مدن عراقية معينة، ويطرح هذا الكتاب ضرورة ان لا تاخذ هذا الكتب التاريخ بعيدا عن الحاضر، وانما تضعه في صميم الحاضر، وان تجعل من نفسها دراسة ووثيقة عملية لتغيير الواقع والموروث الى  الافضل، وان تعزز من الهوية العراقية الوطنية لكل مدينة عراقية.

رزاق إبراهيم حسن

مشاركة