الماضي.. يعود صوتاً

الماضي.. يعود صوتاً

أمير بولص إبراهيم

فجأة ً امتلأت غرفته بأصوات تتلاطم مع

بعضها وكأنها

تقاتل ليفوز احدها بالحوار معه بحيث يدت

جدران الغرفة وكأن لها عيون تنظر ُ إليه ِ

بدهشة بل كانت مندهشة بما يحدث..صم َ

آذانه ُ عن تلك الأصوات علها تغادره،

أغمض

عينيه كي لا ينظر في المرآة المعلقة

قبالته وكأنها وجه لساحرة تريد أن تصفعه ُ

على وجهه إذا غض النظر عنها، بدأت الأصوات

تتلاشى بعد أن سيطر عليها صراخ قادم ٌ من

عمق عقله الباطني.. كان الصوت متهدجا ً

وكأنه لرجل تعدى الخمسين من عمره ِ..

– بعد صراع ٍ مع الأزمنة استطعت

أن أفرض صوتي

فوق أصواتهم وأسكتهم فأنا من له الحق في

استجوابك لأني أمتلك ُ ما مضى من عمرك…

اضطرب بعد سماعه ذلك الصوت وكأن جدران

الغرفة

قد هربت ووجه المرآة الذي وجده كوجه ساحرة

قد تحول إلى قطع صغيرة وعلى كل قطعة وجه

يختلف عن الوجوه الأخرى.. نهض من مكانه

ورجليه ترتجفان.. صرخ َ في فضاء الغرفة ِ

:- من أنت أيها الصوت؟

– من أين أتيت؟

ملأت قهقهات الصوت الغرفة حتى كادت أن

تنفذ

بين مسامات جسده ِ النحيل لتكون صدى

لصاحبها…

همهم في قرارة نفسه…

– لابد أنه صوت الساحرة..

ثم استدرك َ..

– لكن الصوت رجولي..

عاد ليجلس على مقعده ِ منكفأ ً على منضدة

قديمة ورثها عن أبيه،

كانت تحمل ُ فوق

كاهلها بعض كتب عن السحر وكتبا ً أخرى

فقدت

عناوينها لِقدم إصدارها.. وبين مجموعتي

الكتب كانت هناك صورة مؤطرة زاويتها

اليمنى بشريط أسود هي صورة لرجل ٍ ملتحي

بلحية خفيفة شائبة البياض .. عيناه

متسعتان وكأنها مبهورة ً من بريق ضوء

مصباح المصور، نظر للصورة بدهشة متسائلاً:

– ربما قد صدر الصوت من الصورة..

ولكن الصوت

ليس لرجل ٍ تعدى السبعين من عمره قبل

رحيله الأبدي.

عاد الصوت مرة أخرى يملأ فضاء الغرفة ِ

رعبا

ً- أنت…أرفع رأسك وتكلم معي…

– من أنت..؟

– أنا من كان معك لحد الدقيقة

السابقة من عمرك

وسأبقى معك حتى مماتك..

حيث هناك سيستقبلك صوتا ً آخر وأعود أنا

لأبقى بين جدران هذه الغرفة وحيدا فأنا

ملكك كما أنت ملكي الآن.

– أنا لست ُ ملك ُ أحد.

– – بل أنت ملكي.

– قلت لك لست ُ ملك أحد

– لا تُكابر.. فأرشيف ُ ما فعلته

في حياتك معي..

يزداد انفعالا ً يحاول أن التخلص من ذلك

الصوت وصداه لكن محاولاته لا تجديه ِ نفعا

ً ليسقط على الأرض  صاغرا ً لاستجوابه..

تتوالى الأسئلة عليه

وكأنها سيل ٌ من السهام صوِّب َ نحوه ُ،

حاول الالتفاف على كثير من الأسئلة تارة

بالكذب وتارة ً بإلقاء اللوم على الزمن.

لكن الصوت كان كالجلاد يجلده مائة جلدة مع

كل سؤال يسأله ُ..فجأة ً تلاشى الصوت.. نهض من

مكانه نحو المرآة ليستطلع ملامح وجهه

كانت صورة الساحرة صامتة ً تغطي المرآة..

أمعن النظر في عينيها الواسعتين.. شاهد

هيئة رجل ٍ يقف خلفه نادما، أغلق َ وجهه

بكفيه ِ بينما تغلغلت بين أصابعه حبات

دمعه.. ألتمعت  في ذهنه حقيقة ما جرى..

أسند َ جبهته على وجه المرآة متيقنا ً إن

الصوت كان لماضيه

مشاركة