الــصــنــم
عندما تدبُ الحركة ُ بأقدام التماثيل تقفز ُ المخاوف ُ أعشاشها بأجنحة ِ الريبة في مسارات ٍ منعدمة ِ الحدود.
أصوات ُ حناجر الكائنات تعبرُ عن أجواء المكان فالجبال ُ التي شكلت سورا ً يضرب ُ الحزام الأخضر الذي طوق َ القرية من كافة ِ اتجاهاتها ثم النهر ُ الواثب على أرضها يجاوره ُ ذلك َ الكوخ القابع بين َ الأشجار متعانقا ً مع أغصانها .
حين َ تجوب ُ عدستك َ المنزل ستجده ُ مليئاً بالتماثيل المتنوعة والأقنعة والوجوه المختلفة انك َ تصاب ُ بالرعب ِ تارة ً وبالدهشة ِ تارة ً أخرى .
الرفوف ُ المتوزعة على جدران الكوخ تستدعي الأبصار َ والأفئدة من أماكنها ،أدوات ُ النحت ِ المتعددة تعطي زاوية أخرى للمشهد ، أنه ُ يستخدم ُ آلاته ُ التي تنوعت بأحجامها وأشكالها التي أصبحت مرآة ً تعكس ُ أنتصاب َ قامته ِ وشعره ُ المنسدح على كتفيه الناعمة صعودا ً الى هامته ِ نزولا ً على حاجبيه اللذان ِ يشكلان منعطفين يشقهما أنفه ُ المتسلط على ملامحه ِ الضخمة أنه ُ النحات ُ سام الذي يعرفه ُ العالم ببراعة ِ فنه ِ وأبداعه الذي لا يوازيه من نظير هو يصنع ُ التماثيل هي حرفته ُ المفضلة .
تقصده ُ وجهاء ُ المدن ِ طالبة منه ُ أن ينحت َ لهم تمثالا ً يعبر ُ عن حضارتهم وثقافتهم لا يرد ُ طلبا ً أبدا يجيد ُ تفصيل الأفكار وإلباسها بجسد المنحوت وعلى أدق المواصفات وبعد انتهائهِ من المهمة يلصق ُ ورقة ً على ذلك َ المنحوت ويرسله ُ الى المدينة المعنية بالطلب .
عيناه ُ الملتصقتان بكل ِ شي ء ٍ يلبث ُ على السطح منقبا ً ماحوله ،يمد ُ جسورا ً بين َ أقطار الأحلام ثم يضع ُ عليها أبوابا ً تتحكم ُ بها الرياح .
هو هكذا لا يستقر ُ في مكان ٍ معين دائما ً ما يهاجر ُ إلى بلدان العالم ويلتقي بشعوبها ,يدور ُ حول َ المدن والقرى يلتقط ُ منها الصور ثم يترجمها الى لوحاته ِ النحتية .
بدأت تماثيل ُ سام تتصنم ُ عند َ أغلب الشعوب حيث ُ أتخذوها آلهة ً من دون الله ، أخذ َ الوباء ُ ينتشر ُ من بلد ٍ لآخر حتى وصل َ الأمر ُ إلى شعب ِ سام أذ أخذت الوفود ُ تتجمهر ُ أمام َ منزله ِ نريد ُ منك َ أن تصنع َ لنا تمثالا كبيرا ً يعبر ُ عن شعبنا يا سام .
سام :أمهلوني بعض الوقت حتى أعد ُ عدتي إلى هذا العمل .
بعدما أستقرت العيون ُ في مخابئها والنجوم ُ تحدق ُ به ِ فيرتعد جسده ُ ثم ترشقه ُ الأفكار بحفنة التكهنات فتعاوده ُ الصحوة ُ من جانب ٍ آخر .
ظل َ يسعى بين َ آراءه ُ المشتتة َ يهندس ُ بتمثال شعبه ِ العظيم الذي تربع َ على صدر ِ وقته ،تحدق ُ به ِ التماثيل ُ المنقسمة الى عدة صنوف تلوح ُ له ُ بخارطة ٍ يؤسس ُ عليها منحوته ُ . طلب َ سام من شعبه ِ الأنتظار لأن َ هذا العمل يستغرق ُ زمنا ً طويلاً .
وافق َ شعب ُ سام على الطلب وأعتزل صاحبهم الأنظار منذ ُ ذلك َ الوقت ،راح َ ينحت ُ بتمثاله ِ العملاق أنه ُ عمل ٌ تأريخي بل وأسطوري سيجسد ُ بهِ خلاصة َ ما تراكم من فنه ِ وإبداعه التي أكتسبها طيلة الحقب الماضية ، أنه ُ ينحت ُ به ِ جزءاً جزءاً بعناية ٍ فائقة أنه ُ ثمرة ُ كل ما يملك تأفل ُ السنة ُ وتحل ُ الأخرى وسام منقطعا ً عن العيون منهمكا ً بعمله ِ الشاق ،الاختبار ُ الأصعب ُ في حياته وبعد َ ما مرت السنوات ُ بكل ِ ما تحمله ُ من عناء وتعب وسهر أكمل َ سام تمثاله ُ الكبير هو مستعد ٌ الآن إلى تقديمهِ الى لشعبه ِ وعم َ الخبر ُ جميع الوطن.
أستعد َ الناس ُ برمتهم لمشاهدة ِ تمثالهم الكبير لم يبق َ فردا ً إلا وتأهب َ لهذا الحدث ،ساحة ُ العاصمة ِ تحضرت لاستقبال الشعب .
تجمع َ الناس ُ في ساحة ِ العاصمة منتظرين إزالة الستار عن تمثالهم الكبير ،أنكشف َ الستار ُ ليظهرَ أعظمُ تمثالٍ على سطح الأرض أنه ُ تمثال ُ سام العظيم الذي كلفه ُ شبابه .
نزلت الدهشة ُ على قلوب ِ الحاضرين وحلت الهيبة ُ فارضة ً شموخها على الجمع لا يدري كيف َ يتخلص ُ الحضور ُ من هذه ِ المشاهد الغير طبيعية أنه ُ عمل ٌ فوق َ مستوى الخيال لم تمر ألا بضعة ِ دقائق حتى أخذت صفوف ُ الشعب ِ له ُ بالسجود ،التمثال ُ الكبير ُ الذي أفقدهم السيطرة على أنفسهم وخطف َ العقول التي غادرت بعيدا ً ولم يعثروا عليها وسام يتفرج ُ على ما يحصل مسرورٌ فعلا ً بهذا الانجاز الضخم الذي قضى على النحاتين . بينما الشعب ُ ثمل ٌ بمتعة السجود تجلى الغضب ُ بعاصفة ٍ هوجاء لاحت في الأفق مستجلبة َ الانتباه وسباباُت الناس تشير إليها والحذر ُ باسط ٌ ذراعيه ِ على ضفاف القلوب مكورا ً كل َ المخاوف تحت َ طية الترقب .
هجمت العاصفة ُ على التمثال والجمع فراح َ التمثال ُ يتهاوى من منصة العرض مودعا ً جماهيره راحلا ً إلى مثواه إذ أغتاله ُ القدر والشعب ُ يستفيق ُ من العاصفة وهم ينظرون َ جثة َ كبيرهم المتشضية ونحاتهم الذي ضربته ُ الخيبة بكف الإحباط لكنه ُ رويدا ً رويدا ً أستعاد َ قواه ململما ً أوراقه جامعا ً أشلاء تمثاله واعتلى المنصة َ من جديد بكل ِ شجاعة والشعب ُ غارق ٌ ببحار الألم والدموع ُ سفينة ٌ ثقبت حيث ُ النحيب ُ طوق المكان مستدعيا ً جنوده فراح َ سام مخاطبا ً : يا أيها الشعب يا شعب سام لا تحزنوا ولا تبكوا ولا يصبكم اليأس سأصنع ُ لكم صنما ً جديدا .
خالد جمال الموسوي -المثنى
AZPPPL