العمـــارة – نصوص – عبد الرزاق عبد الواحد

ذكرياتي 82

 العمـــارة – نصوص – عبد الرزاق عبد الواحد

أراهنُ أنَّ الذي أسمعُ الآنَ ليسَ الصَّدى

أراهنُ أنَّ الذي يتَسلَّلُ بين المفاصلِ

 شيءٌ سِوى الصَّمت

هل قلتُ شيئا ًعن الذاكره ؟

ربَّما كان لي قمرٌ

ربَّما أوَرقَتْ سِدرةٌ ذاتَ يومٍ

 بزاويةٍ في العمارةِ أعرفُها

ولَجأتُ إليها صغيرا ً

 يُعَذّبني الشكُّ في حَيةٍ قيلَ تَسكُنها

ولجأتُ إليها كبيرا ً

 فلم نتَعرَّفْ على بعضِنا

آهِ..

 مَن لي بخوفِ الطفولة ؟!

وأقسمُ أنَّ الذي أسمعُ الآن غيرُ الصَّدى

أنَّ ما يقلقُ الضَّجة َالآن َ

 شيءٌ سوى الصمت

يا قمرا ًفي شواطي العمارة

 مِن أين نأتي بحَدسِ الطفولةِ

 مِن أين ..؟!

  ********

  كثيرا ً ما يقال لي : جئتَ من العمارة وأنت ابن ثلاث سنوات .. وغادرتها وأنت ابن اثنتي عشرة سنة .. فكيف أثرت العمارة في شعرك ..؟

 وبطرفة عين تنهض العمارة أمامي .. أتذكر محلة ” السرية “*. .. أزقتها التي كنا نملأها بلعبنا : الدعبل ..الجعاب .. طوط للي ..

قمندار .. المحنق *.. الملاعيب التي كنا نشتريه في الأعياد ، بعد أن نجمع يومياتنا فلسا ًفلسا ًطوال أشهر : عين الشمس.. شخاط رحلو .. الطرقات .. مسدسات البوتاز *.. وكيف كنا نتشكل على شكل مجاميع تتقاسم الأزقة وأبواب البيوت ! .

 أتذكر بساتين الكحلاء ، وكيف كنا نتوغل في حشائشها وبين نخيلها وسواقيها بحثا ًعن ” سميسم الله ” .. و” الكاكلله “.. و” السعد” .. و” الحندكوك “*.. وكم ركض خلفنا الفلاحون ! . أتذكر كم بحثنا في الشواطيء عبثا ًعن ” الخريط “*.. كم كنا نحمل سناراتنا ونجلس ساعات طويلة على الشطآن ، فلا نصطاد إلا ” أبو الزمير ” ، فنعقد بين زعــانفه البردي ، ونطلقه في الماء .. لا يغطس ، ولا يطفو ! .

 أتذكر أيام العطل الصيفية ، وكيف كنا ـ رغم تحذيرات أهـــلنا نهرب إلى النهر .. كم مرة نجوت بأعجوبة من الغرق ! .

 ” علي الغربي ” .. وأخيلة الجبال البعيدة التي كنت أتأملها في الأماسي ، حالما ًبارتفاعاتها الهائلة ، وأنا ساهم على دكة بيتنا المشرف على النهر ..

 ” المجر الكبير “* .. بساتينها .. وأنهارها .. أسراب الطيور المهاجرة ، وأنا أتابع مثلثها متساوي الساقين ، وقد ترك ضلعه الثالث منفتحا ًعلى كل المجاهيل .. أصوات البلابل والعصافير متداخلة مع كل أصوات الطبيعة الأخرى ، وهي توقظني قبيل شروق الشمس ، فأنزل من السطح راكضا ًلأختبيء في أي مكان ظليل أواصل النوم فيه ! .

 ويقال لي : كيف أثرت العمارة في شعرك ؟! .

أنبل ما ورثته من الحياة .. خاصة طيبتها وبساطتها .. كان من العمارة ! . أعز ما تعلمته في الحياة .. لاسيما المحبة والحنين الجارف .. كان من العمارة ! .. وأعمق الحزن .. الذي تسمع صليل ارتطامه بالعظم .. وتحس مزاريب دموعه تنشج بين أودية الروح .. حملته من العمارة ! .

تَعَرَّت الأهوارْ

صَعدتُ مِن أحضانِها غيمَه

أرعَدتُ ،

أبرقتُ ،

تبَعثرتُ كما أشاءْ

وكلَّما لملَمَ أطرافيَ بَردُ الشتاءْ

عُدتُ رذاذا ً.. مطرا ً.. حالوبْ

أنقرُ في السقوفِ والأبوابْ

أركضُ في الدروبْ

ألصقُ بالأوجُهِ .. بالشفاهِ .. بالـ ..

 اللـــهْ ..

 يا دفءَ أحضانِ المشاحيفِ ! *

 عشر سنوات في العمارة .. هي ماسة الروح .. وكل ما تجمع فوقها بعد ذلك ، ظل يقتات من وهجها ، ولا يضيف إليه !.

 أعذب مياه عمري ، وشعري ، تتدفق كلما استطعت أن أثقب في طبقات الروح ثقبا ًعمقه خمسون سنة !! .

 وبين طفولتي ، وبين أرياف العمارة وقراها ، وبين أزقتها المسكونة أبدا ً بالحب وبالطفولة ، تنعقد معادلة العمر كله .. والشعر كله ! .

 ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~ – قصيدة للشاعر كتبها في أوائل السبعينات ، وهي بعنوان ” حنين إلى الطفولة ” من ديوان ” قصائد في الحب والموت ” .

– ” السرية ” محلة في وسط العمارة عاش فيها الشاعر طفولته ، وما يزال بيته قائما ًفيها .

– أسماء لعب كان الأطفال يلعبونها في العمارة ، ونفسها ، مع اخــــــــــــتلاف في التسميات في مدن العراق الأخرى .

– ألعاب نارية خاصة بالأطفال ، كنا نلعب بها في الأعياد

– نباتات مختلفة .. منها ما يستعمل كالعلكة ، ومنها ما يؤكل هكذا ، أو مع الخبز .

– ثمر يستخرج من البردي ، وهو كبير الشبه بالكبريت في صفرته وشكله .

– قضاءان من أقضية محافظة ميسان ” العمارة ” .

– قصيدة ” المشاحيف ” من ديوان ” خيمة على مشارف الأربعين ” عام 1970 .