الشاعر زعيم نصار يعالج الواقع المرّ جمالياً – وجدان عبدالعزيز
يكاد يكون الشعر فعالية عقلية في عصرنا الحاضر، لكنها من نوع خاص، لانها تحاول تفسير العالم واعطائه معنى، وقد تجبره على البوح بتلك الحقيقة الكامنة داخل الانسان، يقول الشاعر الصيني (لوتشي):? (نحن الشعراء، نصارع اللاوجود لنجبره على أن يمنح وجوداً، ونقرع الصمت لتجيبنا الموسيقى. إننا نأسر المساحات التي لاحد لها في قدم مربع من الورق، ونسكب طوفاناً من القلب الصغير في مساحة بوصة…)، من هنا حاول الشاعر زعيم نصار ان يجترح له صورة خيالية، غير انها تعانق الواقع، فاجترح صور جمالية واقعية، المرأة مثلا التي تمثل اشكالية فكرية تحرك الذهن، نحو اللذة العقلية الروحية، كما انها تحرك النفس ورغباتها نحو اللذة الحسية، وهذه الاشكالية المنفعلة جعلته في رؤية وموقف في اتجاه اجتراح ثورة منقلبة على مواد التدمير النفسي والروحي، تلك المواد ما انفكت تشكل الواقع المر المحيط بالشاعر، لذا لجأ الى مفردات المرأة، كما قلت والمغني والآلة الموسيقية، وكذا الشاعر من لارسا، وهي مواد الجمال المتاحة، التي بقيت تتبادل الامكنة في ذهنه، وتحركه نحو بلورة موقف جمالي من الحياة، وكانت لغته سهلة ابتعدت كثيرا عن الغموض والتقعر، مما ننعت من خلالها كتابات الشاعر بالقصدية والوعي، فالشعر لديه لم يكن عملا ذاتيا فحسب، انما ينأى به نحو إشراطات الواقع والتاريخ والمؤتمرات الاجتماعية والإنسانية… والواقعية عموماً، ولهذا ظهرت تجربة الشاعر نصار وخبرته المتراكمة في التعامل مع الموضوعة، بين لحظات الابداع واللحظات التي تليها، تقول الكاتبة زينب المحمود: (الإبداع يحتاج إلى انتباه، ففي زحمة العمل قد تعنّ الفكرة، وقد يحتاج المبدع إلى خلوة، بعيدا عن الضوضاء، وفِي كل حال يحتاج إلى قلمٍ وورقةٍ، ولربما يحتاج إلى تفكير مقلوب، فإذا كنت سارحًا سائحًا، فلا تنسَ تقييدَ أفكاركَ، وإذا حدَّقتَ في لوحة أو استمعت، والليل ساج، لموسيقى تعشقُها أو شعرٍ تنفعل معه، فدوِّنْ أفكارَك، فإن هذه الأفكار ستكون في لحظة ما عنوان مرحلة من مراحل حياتك)، والمقصود مرحلة ابداعية تحمل بصمتها الخاصة، وكان خطاب الشاعر نصار هكذا:
(أيتها الجوهرة،
اعرفُ عذوبةَ فمكِ
حينما اكتبُكِ
يشربني البرق.
*
أعطيكِ دمي، فقلبكِ يتوهجُ فيه،
انت صداقةٌ مضاءة بالمودة)
يقول الدكتور رحيم الغرباوي: (الشعر هو ظمأ واقع وأنين قلب ووجع تجربة في أحيان كثيرة، ذلك ما يجعل ولادة الشعر حتمية لدى الشاعر، كما أنَّ كلمات النص هي كثيرا ما تعبر عما هو مثال لدواخله، أي تعبر عن أمانٍ مفقود يحاول الشاعر امتلاكه من خلال بوحه للنص)، فعاش الشاعر نصار لحظات رومانسية ابداعية بقوله: (انت صداقةٌ مضاءة بالمودة)، فكانت كلماته هذه دليل أول على الحب والاهتمام، ووسيلة للتعبير عمّا يجول في داخله المبعثر، وكانت طريقة اظهرت كامن مشاعره الصادقة، فصدرت من قلب محبٍ إلى محبوبته، التي يرى فيها عالمه ودنياه..اذن عاش لحظة الابداع، فكانت الجوهرة امرأة، وكانت المرأة هي القصيدة، وبالتالي عاش حالة التحولات من لحظة الابداع بواسطة اللغة الى القصيدة، ومن ثم كشف الواقع من خلال هي، اي المحبوبة، المرأة اشكالية انفعاله، ليقول: (رحلتي نحوكِ/هي انتِ.)، وعالج الامر معالجة جمالية بالموسيقى من خلال قصيدته (المغني بأوصاله المقطعة)، حيث يقول:
(في رحلته الأخيرة
مع ملائكة السفينة
الذين انقذهم:
بموسيقاه من الزوابع
والعواصف، والتيه)
وهنا استخدم ايحاء السفينة وتيه البحر، حيث عمد الى اشارات للتعبير عن عواطفه وأفكاره المجرّدة، من خلال تبادل الكلمة ورمزها، كي يعبر عن حالة التيه، التي يعيشها وخضم الواقع المتلاطم، كما في موج البحر، لولا معزوفات المغني، وبهذا عالج الموضوعات معالجات جمالية من خلال عنصر المرأة والموسيقى، لا بدّ من الإشارة إلى أنَّ الصورة الشعريّة مُرتبِطة بالخيال، فهي وليدة خيال الشاعر وأفكاره فاتاح خياله له ان يدخل خلف الاشياء، كي يستخرج ابعاد المعنى لمحيطه الخارجي، ويشارك فكرته مع المتلقي، وهذا الامر يقترن بتجربة وخبرة كتابية مرتبطة بفعل الكتابة عند الشاعر نصار، حيث (أينما يكون تقف الوحوش/ أمام عزفه وتنحني/تهدأ الرياح/تتوقف الأنهار/تصغي إليه،)، فعالج الامر بالموسيقى، واوحى ان الحياة عبارة معزوفة يتبادلها المغني مع المرأة، ولكن ايّ امرأة؟ تلك التي تسكن اعماق الشاعر، اي حبيبته، اما في قصيدته (شاعر من لارسا)، فجعل الشاعر المترع باعماق التاريخ السومري معالجة جمالية اخرى، ليكون الشاعر بعد لحظاته الابداعية اللاوعية، واعيا يدرك مكانته وسط هذا الواقع، ويدرك ماذا يفعل؟، يقول نصار: (كم كان بصيراً وغريباً،/هذا الشاعر المنذور للكتابة،)، لذا يكون (داعي الكتابة يلجُّ على الإنسان كوخز الإبر، ولايكف عن الوخز حتى يشرع الكاتب في عمله، وحين ينتهي من نصيبه اليومي من الكتابة، يملؤه شعور بالتسامي والانشراح، لأنه عبر عن مكنونه، أو نطق بهموم غيره، أو أحيا ماضياً جميلاً، واستشرف مستقبلاً واعداً، ومنح الأمل للأجيال بعد العمل، فما أجمل هذا الفعل، وأجمل وخزاته، وأجمل آثاره)، وبهذا حقق الشاعر زعيم نصار حالة تسامي خاصة به، ولكنها تتجذر بايجاد جذور تلاقي مع الاخر، يقول “كانت”: (ان الانسان يمتلك ثلاث صيغ للوعي وهي: المعرفة والرغبة والشعور)، لتحقيق الغاية الجمالية من الابداع..
ـ الشاعر زعيم نصار وقصائد 2019 (جوهرةُ الرحلة/المغني بأوصاله المقطّعة/شاعرٌ من لارسا).