الدارمي.. والزمن الجميل – علي الموسوي

زمان جديد

شغفت‭ ‬وشغلت‭ ‬بالأدب‭ ‬الشعبي‭ ‬عموماً‭ ‬وبالشعر‭ ‬الشعبي‭ ‬العراقي‭ ‬خصوصا‭ ‬منذ‭ ‬صباي‭ ‬المبكر‭ . ‬قرأت‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬،‭ ‬وجمعت‭ ‬نصوصاً‭ ‬أعجبتني‭ ‬،‭ ‬واقتنيت‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬وقعت‭ ‬يدي‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬مطبوع‭ ‬ومسموع‭ ‬ومنذ‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬عاماً‭ . ‬استمتعت‭ ‬بقراءة‭ ‬النصوص‭ ‬وسماع‭ ‬اشعار‭ ‬وأنغام‭ ‬يعزف‭ ‬معها‭ ‬القلب‭ ‬على‭ ‬وتر‭ ‬الانتماء‭ ‬السحري،‭ ‬ليمتد‭ ‬بي‭ ‬العمر‭ ‬واقرا‭ ‬على‭ ‬الصفحات‭ ‬الالكترونية‭ ‬(‭ ‬الإنترنت‭ ‬)‭ ‬واسمع‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬كلاما‭ ‬غثا‭ ‬،‭ ‬يزعج‭ ‬وينحدر‭ ‬بذوق‭ ‬المتلقي‭ ‬بدل‭ ‬الارتقاء‭ ‬به‭. ‬أين‭ ‬نحن‭ ‬مما‭ ‬نظمه‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد‭ ‬،وغناه‭ ‬رواد‭ ‬ذلك‭ ‬الزمان؟‭ ‬لنقرأ‭ ‬شيئاً‭ ‬مما‭ ‬نظموه،‭ ‬بحلاوته‭ ‬وطلاوته‭ ‬وعذوبة‭ ‬كلماته‭ ‬التي‭ ‬تدخل‭ ‬القلب‭ ‬وتستقر‭ ‬فيه،‭ ‬لنقرأ‭ ‬دارميات‭ ‬مثل‭ ‬:

ما‭ ‬اطحن‭ ‬بحنطات‭.        ‬اطحن‭ ‬بهمك

اكعد‭ ‬ودور‭ ‬الروح‭.           ‬تلكاها‭ ‬يمك‭. ‬

أو‭ ‬

آنه‭ ‬من‭ ‬اشوف‭ ‬هواي‭.      ‬مجبل‭ ‬عليه

حيلي‭ ‬يكع‭ ‬للكاع‭.           ‬وتموت‭ ‬اديه

أو‭ ‬

رد‭ ‬يلطبيب‭ ‬الجاي‭.        ‬لا‭ ‬تلزم‭ ‬ايدي

سا‭ ‬تنكطع‭ ‬وبلاك‭.        ‬روحي‭ ‬بوريدي

صرنا‭ ‬اليوم‭ ‬للأسف‭ ‬نسمع‭ ‬كلاما‭ ‬مثل‭ ‬:

من‭ ‬كثر‭ ‬ما‭ ‬مشتاك‭.      ‬يمكن‭ ‬انجنيت

اكل‭ ‬بصل‭ ‬مثروم‭.      ‬حسباني‭ ‬جكليت

أو‭ ‬

لا‭ ‬مسج‭ ‬لا‭ ‬مس‭ ‬كول‭.      ‬جا‭ ‬شنهي‭ ‬فلمك

دزلي‭ ‬رسالة‭ ‬بساع‭.         ‬لا‭ ‬امسح‭ ‬اسمك

أو‭ 

بالنت‭ ‬صدك‭ ‬حبيت‭.      ‬حبيت‭ ‬بخبال

تالي‭ ‬فتحت‭ ‬الكام‭.          ‬طلعتلي‭ ‬رجال

ان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬الشعرية‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬أعطافها‭ ‬الملامح‭ ‬النفسية‭ ‬والفكرية‭ ‬والثقافية‭ ‬للمجتمع‭ . ‬وهي‭ ‬تشكل‭ ‬جزءا‭ ‬أساسياً‭ ‬من‭ ‬شخصية‭ ‬الفرد‭ ‬العراقي‭ . ‬لذا‭ ‬نلاحظ‭ ‬كيف‭ ‬يتغير‭ ‬الشعر‭ ‬الشعبي‭ ‬بتغير‭ ‬المجتمع‭ . ‬والدرامي‭ ‬،‭ ‬والذي‭ ‬هو‭ ‬موضوعنا‭ ‬اليوم‭ ‬،‭ ‬هو‭ ‬نظم‭ ‬،‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬واحد،‭ ‬له‭ ‬شطر‭ ‬وعجز‭ ‬فقط‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬يحتاج‭ ‬الدارمي‭ ‬لبيت‭ ‬اخر‭ ‬ليكمل‭ ‬معناه،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬نظم‭ ‬مكتمل‭ ‬بذاته‭ ‬،‭ ‬مثل‭ ‬:

الماتريده‭ ‬الروح‭.       ‬كشمرته‭ ‬بلوه

مثل‭ ‬اليودي‭ ‬الماي‭.     ‬كوه‭ ‬اعله‭ ‬علوه‭ ‬

وتفعيلة‭ ‬الدارمي‭ ‬سهلة‭ ‬وهي‭ ‬:

مستفعل‭ ‬مفعول‭.       ‬مستفعلاتن

ويبدو‭ ‬ان‭ ‬سهولة‭ ‬التفعيلة‭ ‬شجعت‭ ‬الكثيرين‭ ‬على‭ ‬نظم‭ ‬الدارمي‭. ‬للدارمي‭ ‬اسماء‭ ‬عديدة‭ ‬،‭ ‬منها‭ ‬:

التوشيح‭ ‬‭ ‬البسته‭ ‬‭ ‬الغناء‭ ‬‭ ‬نظم‭ ‬البنات‭ ‬‭ ‬غزل‭ ‬البنات‭ . ‬واستقر‭ ‬على‭ ‬كلمة‭ ‬دارمي‭ .‬

وادارميزمثل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أنماط‭ ‬الشعر‭ ‬الشعبي‭ ‬العراقي‭ ‬،‭ ‬نشا‭ ‬في‭ ‬الريف‭ ‬،‭ ‬وبخاصة‭ ‬مناطق‭ ‬الفرات‭ ‬الأوسط‭ ‬وجنوب‭ ‬العراق،‭ ‬ثم‭ ‬انتشر‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬العراق‭ . ‬ولست‭ ‬اعرف‭ ‬بلدا‭ ‬عربيا،‭ ‬غير‭ ‬العراق‭ ‬،‭ ‬ينظم‭ ‬الدارمي،‭ ‬وبهذه‭ ‬الكثرة‭. ‬ومن‭ ‬سمات‭ ‬الدارمي‭ ‬الاختصار‭ ‬والاختزال،‭ ‬فمثلا‭ ‬مجنون‭ ‬ليلى‭ ‬الذي‭ ‬عاتب‭ ‬بقصيدة‭ ‬طويلة‭ ‬ليلاه‭ ‬حين‭ ‬لاحظ‭ ‬احمرار‭ ‬في‭ ‬يدها‭ ‬ظنه‭ ‬خضاب‭ ‬(‭ ‬حنة‭ ‬)‭ ‬قائلا‭ ‬:

ولما‭ ‬تلا‭ ‬فينا‭ ‬على‭ ‬سفح‭ ‬رامة‭.      ‬رأيت‭ ‬بنان‭ ‬العامرية‭ ‬احمرا

فقلت‭ ‬خضبت‭ ‬الكف‭ ‬بعد‭ ‬فراقنا‭.  ‬فقالت:‭ ‬معاذ‭ ‬الله‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬جرى

ولكني‭ ‬لما‭ ‬الح‭ ‬بي‭ ‬النوى‭.          ‬بكيت‭ ‬دما‭ ‬حتى‭ ‬بللت‭ ‬الثرى

مسحت‭ ‬بأطراف‭ ‬البنان‭ ‬مدامعي‭.    ‬فصارت‭ ‬خضابا‭ ‬من‭ ‬دموعي‭ ‬كما‭ ‬ترى

أوجز‭ ‬الدارمي‭ ‬القصيدة‭ ‬ببيت‭ ‬واحد‭ ‬قائلا‭ ‬:

كلتلهه‭ ‬تتحنين‭     ‬بجفاج‭ ‬اليه

كالت‭ ‬مسحت‭ ‬العين‭.   ‬وأثر‭ ‬بديه‭ ‬

وما‭ ‬دمنا‭ ‬في‭ ‬محراب‭ ‬الحب‭ ‬والمحبين‭ ‬،‭ ‬أقول‭ ‬ان‭ ‬كتب‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬مليئة‭ ‬بقصص‭ ‬الحب‭ ‬واخبار‭ ‬المحبين‭ . ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭ ‬كتاب‭ ‬‭ ‬طوق‭ ‬الحمامة‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬الألفة‭ ‬والايلاف‭ ‬‭ ‬لابن‭ ‬حزم‭ ‬الأندلسي‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬خصص‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬الحب‭ ‬،‭. ‬علاماته،‭ ‬مثل‭ ‬الاضطراب‭ ‬عند‭ ‬روءية‭ ‬المحبوب‭..‬وخفقان‭ ‬القلب‭ ‬وأحوال‭ ‬المحبين‭. ‬يوجز‭ ‬الدارمي‭ ‬ما‭ ‬أسهب‭ ‬في‭ ‬وصفه‭ ‬ابن‭ ‬حزم‭ ‬،‭ ‬أمثلة‭ ‬:

ليش‭ ‬من‭ ‬اشوف‭ ‬هواي‭.     ‬يتغير‭ ‬اللون

والدنيا‭ ‬صفرة‭ ‬تصير‭.          ‬ويتماوج‭ ‬الكون

او‭ ‬

كلما‭ ‬يمر‭ ‬ويفوت‭.   ‬تاخذني‭ ‬خوفه

موعه‭ ‬تصيب‭ ‬الروح‭.   ‬لمن‭ ‬اشوفه

وفي‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬عند‭ ‬سماع‭ ‬اسم‭ ‬المحبوب‭ ‬او‭ ‬ذكره،‭ ‬قال‭ ‬الدارمي‭ ‬:

ريت‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬يبلاك‭.      ‬يلصحت‭ ‬بسمه

فر‭ ‬فرة‭ ‬العصفور‭.         ‬كلبي‭ ‬شيلزمه

او‭ ‬

يا‭ ‬يمه‭ ‬شيلي‭ ‬الزاد‭.    ‬جني‭ ‬تغديت

جابولي‭ ‬طاري‭ ‬هواي‭.   ‬بالزبد‭ ‬غصيت‭ ‬

او‭ ‬

سمجه‭ ‬وخبأها‭ ‬الروج‭.     ‬وذبهه‭ ‬بحلم‭ ‬حوت

هذا‭ ‬انه‭ ‬حالي‭ ‬يصير‭.     ‬من‭ ‬طيفك‭ ‬يفوت

اما‭ ‬الارتباك‭ ‬والحيرة‭ ‬عند‭ ‬المحبين‭ ‬،‭ ‬قال‭ ‬الدارمي‭ ‬:

لا‭ ‬ارضه‭ ‬عني‭ ‬تكوم‭.    ‬لا‭ ‬ارضه‭ ‬تكعد

لا‭ ‬ارضه‭ ‬جاري‭ ‬تصير‭.   ‬لا‭ ‬ارضه‭ ‬تبعد

او‭ 

يلهفت‭ ‬روحي‭ ‬اعليك‭.    ‬رييض‭ ‬لي‭ ‬اشوفك‭ ‬

لابييه‭ ‬اصدن‭ ‬ليك‭.       ‬لا‭ ‬بييه‭ ‬اعوفك

وفي‭ ‬عذابات‭ ‬الحب‭ ‬ولوعة‭ ‬الاشتياق‭ ‬،‭ ‬قال‭ ‬الدارمي‭ ‬:‭ ‬

ما‭ ‬تنسمع‭ ‬رحاي‭.    ‬بس‭ ‬ايدي‭ ‬تدير

اطحن‭ ‬بقايا‭ ‬الروح‭.   ‬موش‭ ‬اطحن‭ ‬شعير‭ ‬

او‭ ‬

انهض‭ ‬واكع‭ ‬للكاع‭.    ‬واتوجه‭ ‬وانهض

ما‭ ‬ظل‭ ‬عظم‭ ‬بعضاي‭.  ‬رضني‭ ‬الدهر‭ ‬رض

او‭ ‬

اتجبجب‭ ‬بهاليل‭.   ‬جيتك‭ ‬ونيده

كلما‭ ‬اكف‭ ‬والشوق‭. ‬يدفعني‭ ‬بيده

او‭ ‬

كلما‭ ‬يصير‭ ‬الليل‭.       ‬يطرن‭ ‬احزانك

عين‭ ‬العمه‭ ‬ولا‭ ‬شوف‭.   ‬خالي‭ ‬مكانك

مشاركة