زمان جديد
شغفت وشغلت بالأدب الشعبي عموماً وبالشعر الشعبي العراقي خصوصا منذ صباي المبكر . قرأت فيه الكثير ، وجمعت نصوصاً أعجبتني ، واقتنيت كل ما وقعت يدي عليه من مطبوع ومسموع ومنذ اكثر من خمسين عاماً . استمتعت بقراءة النصوص وسماع اشعار وأنغام يعزف معها القلب على وتر الانتماء السحري، ليمتد بي العمر واقرا على الصفحات الالكترونية ( الإنترنت ) واسمع هنا وهناك كلاما غثا ، يزعج وينحدر بذوق المتلقي بدل الارتقاء به. أين نحن مما نظمه الآباء والأجداد ،وغناه رواد ذلك الزمان؟ لنقرأ شيئاً مما نظموه، بحلاوته وطلاوته وعذوبة كلماته التي تدخل القلب وتستقر فيه، لنقرأ دارميات مثل :
ما اطحن بحنطات. اطحن بهمك
اكعد ودور الروح. تلكاها يمك.
أو
آنه من اشوف هواي. مجبل عليه
حيلي يكع للكاع. وتموت اديه
أو
رد يلطبيب الجاي. لا تلزم ايدي
سا تنكطع وبلاك. روحي بوريدي
صرنا اليوم للأسف نسمع كلاما مثل :
من كثر ما مشتاك. يمكن انجنيت
اكل بصل مثروم. حسباني جكليت
أو
لا مسج لا مس كول. جا شنهي فلمك
دزلي رسالة بساع. لا امسح اسمك
أو
بالنت صدك حبيت. حبيت بخبال
تالي فتحت الكام. طلعتلي رجال
ان الكثير من النصوص الشعرية تحمل في أعطافها الملامح النفسية والفكرية والثقافية للمجتمع . وهي تشكل جزءا أساسياً من شخصية الفرد العراقي . لذا نلاحظ كيف يتغير الشعر الشعبي بتغير المجتمع . والدرامي ، والذي هو موضوعنا اليوم ، هو نظم ، يتكون من بيت واحد، له شطر وعجز فقط ، ولا يحتاج الدارمي لبيت اخر ليكمل معناه، بل هو نظم مكتمل بذاته ، مثل :
الماتريده الروح. كشمرته بلوه
مثل اليودي الماي. كوه اعله علوه
وتفعيلة الدارمي سهلة وهي :
مستفعل مفعول. مستفعلاتن
ويبدو ان سهولة التفعيلة شجعت الكثيرين على نظم الدارمي. للدارمي اسماء عديدة ، منها :
التوشيح – البسته – الغناء – نظم البنات – غزل البنات . واستقر على كلمة دارمي .
وادارميزمثل الكثير من أنماط الشعر الشعبي العراقي ، نشا في الريف ، وبخاصة مناطق الفرات الأوسط وجنوب العراق، ثم انتشر في عموم العراق . ولست اعرف بلدا عربيا، غير العراق ، ينظم الدارمي، وبهذه الكثرة. ومن سمات الدارمي الاختصار والاختزال، فمثلا مجنون ليلى الذي عاتب بقصيدة طويلة ليلاه حين لاحظ احمرار في يدها ظنه خضاب ( حنة ) قائلا :
ولما تلا فينا على سفح رامة. رأيت بنان العامرية احمرا
فقلت خضبت الكف بعد فراقنا. فقالت: معاذ الله ذلك ما جرى
ولكني لما الح بي النوى. بكيت دما حتى بللت الثرى
مسحت بأطراف البنان مدامعي. فصارت خضابا من دموعي كما ترى
أوجز الدارمي القصيدة ببيت واحد قائلا :
كلتلهه تتحنين بجفاج اليه
كالت مسحت العين. وأثر بديه
وما دمنا في محراب الحب والمحبين ، أقول ان كتب التراث العربي مليئة بقصص الحب واخبار المحبين . ومن هذه الكتب كتاب “ طوق الحمامة ، في الألفة والايلاف “ لابن حزم الأندلسي ، حيث خصص اكثر من باب للحديث عن الحب ،. علاماته، مثل الاضطراب عند روءية المحبوب..وخفقان القلب وأحوال المحبين. يوجز الدارمي ما أسهب في وصفه ابن حزم ، أمثلة :
ليش من اشوف هواي. يتغير اللون
والدنيا صفرة تصير. ويتماوج الكون
او
كلما يمر ويفوت. تاخذني خوفه
موعه تصيب الروح. لمن اشوفه
وفي ما يحصل عند سماع اسم المحبوب او ذكره، قال الدارمي :
ريت الله من يبلاك. يلصحت بسمه
فر فرة العصفور. كلبي شيلزمه
او
يا يمه شيلي الزاد. جني تغديت
جابولي طاري هواي. بالزبد غصيت
او
سمجه وخبأها الروج. وذبهه بحلم حوت
هذا انه حالي يصير. من طيفك يفوت
اما الارتباك والحيرة عند المحبين ، قال الدارمي :
لا ارضه عني تكوم. لا ارضه تكعد
لا ارضه جاري تصير. لا ارضه تبعد
او
يلهفت روحي اعليك. رييض لي اشوفك
لابييه اصدن ليك. لا بييه اعوفك
وفي عذابات الحب ولوعة الاشتياق ، قال الدارمي :
ما تنسمع رحاي. بس ايدي تدير
اطحن بقايا الروح. موش اطحن شعير
او
انهض واكع للكاع. واتوجه وانهض
ما ظل عظم بعضاي. رضني الدهر رض
او
اتجبجب بهاليل. جيتك ونيده
كلما اكف والشوق. يدفعني بيده
او
كلما يصير الليل. يطرن احزانك
عين العمه ولا شوف. خالي مكانك