الخطاب الإعلامى للرسول الكريم (1)
وما اوتيتم من العلم الا قليلا
الرسالة التى يرسلها اى فرد تحتوى على المحتوى العاطفى للكلمات التى تختلف لدى كل فرد بفضل النص والظروف التى تحدد الداة والمعنى الذى تتضمنه الرسالة لتشكل القصد من القول والمفهوم الذى سيصل اخيرا الى السامعين ،ولكن الرسالة التى هى الخطاب الاعلامى للرسول الكريم (ص)تتطلب عدد من الكلمات والمفردات المطابقة والتى لا تقبل التاويل والتى ندعوها بالكلمات الرسالية والتى سميت بعدها “الاحاديث القدسية والسنة النبوية” وقد مر الخطاب الاعلامى بمرحلتين اولهما المكية ثم المدنية.
الخطاب المكى
المدينة وهى(مكة) التى عاش فيها محمد(ص) وتداول الناس شفاها ما احتفظت به الذاكرة عنه فعلى الرغم من الصعوبات الذهنية فى تقبل الخطاب الجديد الا انهم يدركون حقيقة ان مرسل الخطاب الاعلامى هو ” الصادق الامين” وبهذا اصبحت الرسالة موضوع معرفة وليس فهما ومع ذلك فقد جرى تداول المعلومات وترديدها مرات عدة لتصبح هذه الدلالات مقترنة للتذكير بما سبق وهو ماقاله واثنى عليه عمه ابو طالب فيما خاطب اهل مكة الم تعرفوه(بالصادق الامين) فقالو نعم وهذا مايقوم به اسم العلم محمد (ص) بمهمته فى تحديد المعنى ،فانه غالبا ما يلحق باسم شائع وجعل الكلمة هذه تدل على واقع الحال يعطيها معنى واحد مشتركا ويحفز وظيفة التعريف بالرسالة بدون ان يعزل الكلمة عن مرحلتها لتصبح فكرة ، والفكرة من جانبها قدمت سياقا كافيا لاظهار المضمون بيسر تام ويقوى الذاكرة، وينشطها التوضيح المفصل كوسيلة فى تعليم الخطوات الاولى فى الدخول فى الدين الجديد الذى ارسل كل الناس وهى بتقبل ناقل الرسالة النبى محمد(ص) والمرسل منه (الله جل جلاله) من خلال الاقرار بما هو كائن “اشهد ان لااله الا الله واشهد ان محمد رسول الله.
الخطاب المدنى
ان الانتقال من النظام القبلي المتميز بخصوصية فى الجزيرة العربية “فمن المعروف ان الرباط القبلى وثقيق تماما مهما كانت درجة القربى ومهما بعد النسب فان الصلة قائمة على الدوام ان يمكن دعوتة او طلب المساعدة منه والدعم عند الجاجة و الامر لايتعلق بمن ينتسب الى هذه القبائل او يجاورهم فالامر يصل الى مدى بعيد جدا ” من خلال التنوع في المعالجة فيصبح الاتصال ماهو سوى حصيلة التقاء عمليتين ذهنيتين احداهما تخص المتحدث والاخرى تخص المستمع على ان نقطة الالتقاء ليست واحدة لدى مستمعين مختلفين , فالخطاب لايعمل بمعزل عن المستمعين بل بصورة مباشرة (الشورى) والمعنى يثبت بفضل الاليات التي يعمل على وفقها عقل اولئك الذين يتلقون الكلمات التي تخص (العبادة والمعاملات والمؤاخات بين المهاجرين والانصار وامور الحرب والسلام والتي سنت قوانين ونظام الحياة في المدينة) وفي هذه الحالة لايقتصر الخطاب الاعلامي للرسول الكريم (ص) على شرح الفكرة بل يتعداه لتقديم قائمة كاملة العناصر لتقديم البدائل لهذه الاليات التي اصبحت واقعا وليس تأويلا ولذلك فقد اوصى الله عز وجل للنبي (ص) بكل تلك التفاصيل وعلى (المؤمنين) ان يتتبعوها بغض النظر عن الصعوبات الذهنية في تقبل هذا النوع من الحياة فضلا عن ان الضرورة التي تحتمها المناقلة والتي شجعت هي الاخرى عددا من المجاورين والذين لاتربطهم بالنظام القبلي او باللغة المشتركة او التاريخ المشترك من تقبل الدين الجديد ولم تكن (الرسائل) التي بعث بها النبي محمد (ص) الى الملوك والاباطرة في العالم قد لاتعود على ماتناوله الخطاب على الكلمات التي تمتلك معادلا في اللغة الاخرى بل بالتصرف المباشر او من خلال السفراء والقوافل عن التجربة وخصوصيتها وقدسيتها وعدم وجود مقابل لها في اللغة الاخرى مما يؤكد استقلاليتها بكيانها . والغاية من الخطاب ودلالتها الملائمة لها والتي تنبثق من السياق ذاته الا انه ماعدا ذلك تنتقل من صعيد اللغة الى الكلام دون ان يضاف اليها معنى اخر سوى الذي يضيفه نظام (العبادات والمعاملات , فما ينطبق على المسلم (الصلاة والصوم والزكاة وحج البيت من استطاع اليه سبيلا) اما لمن هم تحت الحكم الاسلامي المدني فهو (دفع الجزية والخيار بين ان يبقى على دينه وكتبه او دخول الاسلام)ولكن لعبدة الاصنام فلا خيار لهم الا الدخول بالاسلام .
الخطاب الانساني
وقد بعث الرسول رحمة للعاملين ولذلك فانه عندما تقوم جماعة او دولة لها خصائصها اللغوية بالدخول في الدين الاسلامي فأن المطابقة تلغي الحدود الفاصلة التي لاتبقى كما هي عليه عند تحولها من مستوى اللغة الى مستوى الغاية او الرسالة وهكذا فأن (القرآن الكريم وما يحويه من الفاظ وكلمات ودلالات والصلاة) تنظر اليه الجماعتان اللغويتان بنحو مماثل الاانه قد يفسر عبر كلمات تضم اليها دلالات مختلفة فمن الممكن ان يحتفظ كل شعب بلغته الاصلية ولكن لكي يؤدي الفرائض الاسلامية عليه ان يتعلم لغة القرآن وهي العربية ولذلك اصبح للمدلولات اللفظية والخطاب الاعلامي الرسولي له ابعاد واستخدامات انسانية لكي يستوعبها اكثر من مليار ونصف المليار مسلم في العالم , فالمتلقي في هذه الحالة مطلوبا منه ان يدخل في الدين ويعتنقه ليفهم بدلامن ان يفهم لكي يدخل في الدين من خلال الوصول الى تحليل لفكرة توافقية ملائمه له بل المطلوب منه ان يعتنق الفكرة بدون اي تردد او شك ولذلك يتم اكتساب اللغة والعبادات في سن مبكرة لكي يكون التقبل للخطاب الاسلامي بشكل عفوي دون ان نقلل من شأن التعلم الذي يأتي من قراءة القرآن والاحاديث النبوية لاننا في مثل هذه الحالة لانعمل على تكديس معلومات صرفية ولكن نوفر المصرفه المسبقة والمعارف المشابهة لكي يثبت المسلم هويته لاان تتعارض وما اكتسبه من عادات تحيط به ويوسع معرفته ويعمق تجربته التي سبق تثبيتها تحت طقوس معــروفة من اقرانه وهذا لايلغي التطور في المعرفة والعلوم فقد ذكر القرآن النبي محمد (ص) ” مااوتيت من العلم الا قليلا ” وهذا ما ثبتته حافات العلوم والمكتشفات والمخترعات ان القرآن الكريم والخطاب الاعلامي للرسول (ص) قد اثبت علميا عبر دراسات الأعجاز العلمي للقرآن الكريم فبعد1400سنة يثبت العلماء ان هناك حدا فاصلا ” بين الماء الأجاج والماء العذب كما جاء في الذكر الحكيم ” هذا ملح اجاج وهذا عذب فرات ” ولذلك فأن تحليل النص في الخطاب الاعلامي للرسول محمد (ص)سيجد انه يحتوي على ثلاثة محاور هي (اللغة البلاغية والموضوع والمفردات المتخصصة)بالرغم من كونه(أمي ..لايقرأ ولايكتب)ولكنه يمتلك من المفردات التي تتسع وتزداد بولادة مفردات وتعابير جديدة تتم بالحاق ماهو قديم من كلمات با المفاهيم الجديدة ,فما تعلمه من فصاحة في البادية وما حمله من ثقافة قرأنية جعلت من كل أحاديثه سنة لمن بعده وفي هذه الحاله لم تكن كلماته وخطبة تحمل الدلالة في المناسبة بذاتها التي استدعت وجودها لتنتهي بعدها بل تطابقت مع الافكار والمدلولات لتصبح من صناعة بشرية الى منتج قدسي رسالي واجب التطبيق فمن الفكرة الى التجربة الى الاختيار ثم التطبيق كان الخطاب الاعلامي للرسول الكريم محمد (ص).
تصنيف الخطاب الاعلامي للرسول(ص)
سنجد عند التحليل العلمي للخطاب الاعلامي للرسول الكريم محمد (ص) من خلال المفردات والاسلوب والنتيجة المتوفاة ان هذا الخطاب يحتاج ان تتوقف عنده قليلا ونقوم با الملاحظة نفسها التي قمنا بها فيما يخص الكلمات ذلك لان فقرات كاملة من الخطاب قابلة للنقل كما حدث في وصفه (للاسراء والمعراج)فيمكن تصنيفه بانه خطاب (وصفي)وهو في الواقع اكثر مادية وصورية من الخطاب المتعلق بالتربية ومشكلة التوازن بين ماهو مطلوب تحقيقه عن طريق استذكار شكل او عبر خيال صوري اي بالنتيجة النهائية بواسطة جهد عقلي وهو مايعرف (بالخطاب الاستدلالي) حيث يمكن الفهم والتذكر معا للوصول الى تفاصيل الادراك سواء اكانت شيأ ام كلمة وتبقى بالمقابل ذكرى ماكان قد فهم وهذا ما يحدث عندما نقرأالاحاديث النبوية الشريفة فهي خطابات استدلالية لتوليد حشد من الترابطات العفوية يجد من الضروري التحريض على التفكير والقيام بتحليل واع للفكرة التي تحتاج لنشاط ذهني وبذلك تكون مختصرة ولكنها ترسخ في الذهن فكلما كانت الفكرة معقدة انحسر امامها مقدار الكلمات للوصول الى معنى وهذا السهل الممتنع هو ماتستطيع ان نصف به الخطاب الاعلامي النبوي.
خضير العقيدي – بغداد