التغيير والمشروع الوطني

التغيير والمشروع الوطني

طارق الجبوري

شهد العالم ومنذ تسعينات القرن الماضي تغيرات جذرية في الكثير من المفاهيم التي كانت سائدة خاصة بعد تلك الهزة الكبيرة التي سببها انهيار الاتحاد السوفيتي ومعسكر ما كان يسمى بالمعسكر الاشتراكي ، وسادت لغة التشكيك بالايدلوجيات الوطنية التي حملت شعارات اليسار والطعن بمدى انسجامها مع الواقع .وكان لابد ان ينعكس ذلك على واقعنا العربي ومنه العراق الذي ضاعف من مشكلاته تلك الصراعات السياسية الدامية  في مرحلة ما بعد قيام ثورة الرابع عشرمن تموز واستمرت لحين احتلال العراق في نيسان 2003  ..تلك الصراعات التي دشنت عصراً جديداً استنزف الكثير من امكانيات التيارات والقوى الوطنية والتخريب والدمار للطبقة الوسطى ، عماد اي نهضة في اي مجتمع . وكان طبيعياً  في ضوء مثل هذه الاجواء ان تضيع  معالم المشروع الوطني الحقيقي  وتفقد الناس ثقتها باية حركة او تيار سياسي سواء كان قومياً ام شيوعياً ام اي من التسميات التي كانت تملأ ساحة العمل السياسي لفترات طويلة .. وجاء الاحتلال الامريكي  والتيارات الوطنية والديمقراطية  ليبرالية او يسارية في حالة انحسار كبير وخطير فانشأ مجلس الحكم بالصيغة المحاصصية المعروفة  التي استمرت تأكل من جرف ما تبقى من احلام ببناء دولة مؤسسات مدنية بعد ان استمرأت التيارات الاسلاموية اللعبة الطائفية لتحقيق المزيد من المكاسب والنفوذ السلطوي على خساب المشروع الوطني الكبير الذي عماده الديمقراطية التي رفع شعاراتها الجميع من دون تطبيق واقعي ملموس . .ومرة اخرى واخرى يجد المواطن نفسه غارقاً في متاهات الشعارات والوعود والبرامج الانتخابية من دون ان يلمس اي تقدم في واقعه السياسي والامني والخدمي، وزاد الوضع سوءاً تلك الازمات شبه الدائمة  وفقدان الثقة بين حلفاء الامس وسعي البعض الى التفرد والهيمنة وتسقيط الاخر .وصارالجميع يرفع يافطة مشروع وطني بحسب رؤاه  من دون ان يتيح لنا نحن المواطنون المعنيون بهذا المشروع  ان نعرف ملامحه او مرتكزاته او خطط تطبيقه  ..كلمات فضاضة عن المواطنة والحقوق والحريات والعدل والمساواة يقابلها واقع معاكس ومؤسسات نخرها الفساد والمحصصات الطائفية باسوأ اشكالها   .

اليوم ومع العد التنازلي لانتخابات مجلس النواب كيف لنا ان نعبر الى ضفاف امنة تعيد لنا الثقة بالمستقبل  اونختار بل ان نعرف صاحب المشروع الوطني بعد كل تلك الخيبات التي عشناها طيلة عشر سنوات مرت ثقالاً ؟!! وهل يستطيع التيار الديمقراطي الوطني ممثلاً بقوى قومية ويسارية و الاسلام المعتدل والمتنور ان يجمع ما تبقى من قواه ليشغل مقاعداً تجعله قادراً على التصحيح الجزئي كمرحلة اولى ؟وما  هي الوسائل المتاحة لجعل التنافس متكافئاً بين اصحاب التوجه الوطني والطائفيين وهم يمتلكون امكانات غير اعتــــيادية وفرتها لهم السلطة ؟ اسئلة صعبة ولن يكون  من الهين الاجابة عليها حيث تتطلب دراسة جدية للواقع  المحاصصي الذي فرض علينا والبحث عن صيغ عملية لتصحيح المعادلة التي تميل كفتها  لاطراف وظفت التنوع السكاني للمجتمع العراقي بشكل سيء  ، اضعف الوطن وحرم شعبه بمختلف مكوناته من ابسط حقوقه  ، غير ان الذي لايختلف عليه احد هو الحاجة الماسة لمشروع وطني  يؤسس لبناء دولة مؤسسات  ، تعتمد المواطنة والهوية الجامعة  كأساس في تنفيذ برامجها للبناء والتنمية .لقد جرت السنوات الماضية ومنذ الاحتلال الامريكي للعراق والى الان الويلات ومزيد من المشكلات وفقدان الامن والامان ، كما رسخت القناعة بما جرته الدعوات الطائفية من تراجعات وفشل سياسي واقتصادي ، ما يعني اهمية العودة الى الثوابت الوطنية التي من دونها لايمكن لاحد ادعاء الاخلاص لهذا الوطن .. ونعتقد ان تجربة مرة كالتي مررنا بها كافية لفرز القوى الوطنية المغيبة عن المشهد السياسي عن تلك التي استباحت بشراهتها الاوطان وضيعت الانسان .

{ صحفي عراقي

مشاركة