نذير الأسدي
إشرأب وجهه النوراني وهو يخرج من مخبأه الروحاني مشعا وقد زانته لحيته السوداء المشبوبة بشعيرات بيضاء، بهاء ً وجلالا عند اتباعه ومريده.
ما كان موقنا انه قد نال حظوة ومكانة عند من كان يتخذه مرجعا وقاضيا واماما بهذا الحجم الكبير فتوسع سلطانه وسطوته لحدِ فاق كل تصوراته..
كان يرى نفسه انه قد أصبح إلها او نصف إله عند من يركع امامه مصليا وساجدا من اصحاب العقول او انصاف وارباع العقول والشذاذ والمشردين والباحثين عن مأوى او طعام.
ادرك ان الخطر الذي يتسرب لمحرابه اتِ من اولئك الذين تتقافز وتتطافر عقولهم في جماجمها، ابتغاء مسلك مستقيم…
فعزم ان يبعدهم ويقصيهم في الافاق تحت طائلة تهمه الزندقة التكفير والاحاد .
كثيرا ما كان يطقطق مسبحته ويدير خرزاته لاظهار قدرته على التلاعب بالقضاء والاقدار، فاستطاع اقناع الاخرين ان في خرزات مسبحته يكمن المستقبل والقرار…
وكثيرا ما يصحبها بتحريك شفتاه ونظراته وحركاته ليضفي على نفسه صفات الاله او من يبحر في عالم الغيبيات و يستعيذ بهمساته خطوات الشيطان او يرتل دعوات وآيات بهمس دفين، قد تكون طلاسما او تعويذات يمررها كل صباح طموحا ان تمنحه مزيدا من العمر والعافية…
كان يقضي جل اوقاته يستقصي الحروف والكلمات ليصيغ منها كلمات وجمل مفيدة.
كان كل حلمه ان ينال موضعا متواضعا او ان يخلف أباءه او اجداده او من سبقوه في هذه البضاعة التي يقبل عليها من اضاع عقله في الاوهام وحظي بقدسيته بينهم..
لكنه لن يستطيع ان يتصنع ما حضي به اباءه و اجداده، ويلبس جلباب الزهد والتقوى ويقلد خطى من سبقوه من اسلافه ممن ظل التاريخ يحفظ لهم ببقيه حسنة ومكانة في النفوس والقلوب.
لكنه ما ان وجد الدنيا وقد اقبلت ووهبت واعطت له ما كان لا يستطيع نيله حتى بالأحلام.
استعظم نفسه واستطال شموخه وتعالى، فخبط الدنيا وطرها واستهان واستخف بناسها واهلها….
هذه الدنيا دائما تافهة عبر العصور.. سخية للابله والمجنون والارعن والاحمق واللص والدجال …فلم يسمع من قال فيها يوما:
تصفو الحياة لجاهل او غافلٍ..
عما مضى فيها وما يتوقعُ..
ولمن يغالط في الحقائق نفسه..
ويسومها طلب المحال فتطمعُ
في اعماقه مازال ذلك الشيطان الذي وسوس له وزين له افعاله يعتريه بين حين وحين ان ينتقم ويحاسب ويقمع كل صوت الا صوته…
في كفه امسك قابضا على السلطان والمال وفي حضرته تهطل الدموع وتتضرع الاكف داعيا له، وراجية منه ان يغدق عليها برزق او عطاء وامنيات تغزوا صدور اتباعه .
لكنه يعلم في قراره نفسه انه ليس له من العلم والعقل الا خصال دمية يتقاذفها الاطفال…
انه الوهم الذي حمله القطيع لعشرات من السنين.. دفعوا لأجله كل احلامهم، وامانيهم وقوتهم وقوتهم..
بل وصل الامر ان يكونوا خانعين وخاضعين لكل ما قاله ولو كلف ذلك حياتهم ومستقبلهم….
انه الوهم الذي استطاع ان يتغلغل بهدوء وقناعة وقبول مرضي الى تجاويف العقل ولفائفه..
هو من يمتطي الوهم..
ويتسربل بالعقيدة التي اغدقت عليه بما لم يكن ليحلم ويتمنى ويريد.
انها سلطة البلاء والجهلاء.