الاستقالة ..أخلاق مَن؟

حين‭ ‬تحدث‭ ‬مشكلة‭ ‬أو‭ ‬كارثة‭ ‬أو‭ ‬يقع‭ ‬خطأ‭ ‬جسيم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مؤسسة‭ ‬أو‭ ‬وزارة‭ ‬أو‭ ‬حكومة،‭ ‬نرى‭ ‬اللجان‭ ‬التحقيقية‭ ‬تمد‭ ‬أمامها‭ ‬قطيعا‭ ‬من‭ ‬أكباش‭ ‬الفداء‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هدف‭ ‬واحد‭ ‬لا‭ ‬غير‭ ‬هو‭ ‬حماية‭ ‬الرأس‭ ‬الأعلى،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬انّ‭ ‬الجميع‭ ‬يعلم‭ ‬علم‭ ‬اليقين‭ ‬أنّ‭ ‬عفن‭ ‬الفساد‭ ‬والخلل‭ ‬والعطب‭ ‬يسكن‭ ‬تلك‭ ‬الرأس‭. ‬ويتناسل‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬ليكون‭ ‬ثقافة‭ ‬راسخة‭ ‬وتقاليد‭ ‬عميقة،‭ ‬تكفل‭ ‬أن‭ ‬يلقي‭ ‬الوزير‭ ‬على‭ ‬وكيله‭ ‬أو‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬المسؤولية،‭ ‬ويفعل‭ ‬المدير‭ ‬ذات‭ ‬السلوك‭ ‬للخلاص‭ ‬من‭ ‬الإدانة‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬الموظفين‭ ‬الأصغر‭ ‬على‭ ‬مذبح‭ ‬المسؤولية‭ ‬والحساب‭. ‬لذلك‭ ‬ينجو‭ ‬الفاعل‭ ‬الحقيقي‭ ‬غالباً،‭ ‬وهو‭ ‬ذاته‭ ‬يقوم‭ ‬بالصعود‭ ‬على‭ ‬سلالم‭ ‬التدهور‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭.‬

من‭ ‬هنا،‭ ‬ليس‭ ‬للإصلاح‭ ‬مكان‭ ‬تحت‭ ‬شمس‭ ‬بلادنا،‭ ‬كما‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬أمل‭ ‬لكي‭ ‬ينجو‭ ‬البنيان‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬الانهيار‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حقبة‭ ‬زمنية،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬بين‭ ‬عشرين‭ ‬الى‭ ‬أربعين‭ ‬سنة‭. ‬إنّه‭ ‬مسلسل‭ ‬قابل‭ ‬للتكرار‭ ‬بعناوين‭ ‬وأشكال‭ ‬ووظائف‭ ‬متنوعة‭.‬

من‭ ‬هنا،‭ ‬تكون‭ ‬الديمقراطية‭ ‬مبنى‭ ‬عاماً‭ ‬أجوف‭ ‬بلا‭ ‬معنى،‭ ‬فنرى‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬ذلك‭ ‬تكرار‭ ‬الفشل‭ ‬واستمراء‭ ‬خيانة‭ ‬الأمانة‭ ‬واستباحة‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬واللعب‭ ‬الرخيص‭ ‬بالتشريعات‭. ‬وتلك‭ ‬أمور‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نضعها‭ ‬نصب‭ ‬عيوننا،‭ ‬ونحن‭ ‬نطالع‭ ‬خبراً‭ ‬مفاده‭ ‬استقالة‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬ورئيسة‭ ‬الاخبار‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬الإذاعة‭ ‬البريطانية،‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي،‭ ‬بسبب‭ ‬بث‭ ‬برنامج‭ ‬وثائقي‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬خلاله‭ ‬تعديل‭ ‬جزأين‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬معاً،‭ ‬في‭ ‬حقبة‭ ‬سابقة،‭ ‬ليبدو‭ ‬الرئيس‭ ‬وكأنّه‭ ‬يشجع‭ ‬صراحةً‭ ‬أعمال‭ ‬الشغب‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ ‬الكابيتول‭ ‬الأمريكي‭ ‬وقامت‭ ‬حولها‭ ‬الضجة‭ ‬السياسية‭ ‬والقضائية‭ ‬في‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭ ‬2021‭..‬

‭ ‬الاستقالة‭ ‬في‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬الراسخة،‭ ‬ليست‭ ‬سلوكاً‭ ‬وظيفياً،‭ ‬وانّما‭ ‬هي‭ ‬نهج‭ ‬سياسي‭ ‬والتزام‭ ‬أخلاقي‭ ‬وقرار‭ ‬مهني‭ ‬في‭ ‬التوقيت‭ ‬المناسب‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬اكمال‭ ‬المسيرة‭.‬

في‭ ‬العراق،‭ ‬توجد‭ ‬استقالات‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬اوراق‭ ‬مكتوبة‭ ‬ومبصوم‭ ‬عليها،‭ ‬يكتبها‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬لرؤسائهم‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬نعمتهم‭ ‬قبل‭ ‬تسلمهم‭ ‬المناصب،‭ ‬لكي‭ ‬يجرّوهم‭ ‬كالخراف‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حين،‭ ‬ويسوقوهم‭ ‬الى‭ ‬الحضيض‭ ‬اذا‭ ‬لعبوا‭ ‬بذيولهم‭.‬

فاتح‭ ‬عبد‭ ‬السلام

fatihabdulsalam@hotmail.com

رئيس‭ ‬التحرير‭-‬الطبعة‭ ‬الدولية

مشاركة