إستراتيجية القرار – جاسم مراد

إستراتيجية القرار – جاسم مراد

عبر التاريخ المعاصر ، كان الموقف والقرار العراقي بيناً واضحاً بين فلسطين والعراق ، بين القدس وبغداد ، فبالرغم من الاجتياح الاستعماري لبغداد عام 2003 لم تنحرف بوصلة الاتجاه عن فلسطين ، والكل يعرف بأن الغزو لبغداد كان أحد أسبابه ، أو لنقل أحد أهم أسباب الغزو هو جعل بغداد أن تفتح طريقاً مع تل ابيب ، وقدمت أمريكا من أجل هذا الهدف _ ترليوني _ دولار ، لكنها لم تحقق شيئا فظلت بغداد وفيه لموقفها وعهدها ، صحيح أن البعض غادرالعراق صوب تل ابيب ، لكن هؤلاء ظلوا محاصرين بالرفض العراقي الشعبي والرسمي ، وهم الان وفي كل وقت مطوقون بالعار والخزي الدائم.

قبل أشهر وبدعم شياطين الأرض عقدوا مؤتمر الخزي في أربيل ، لكن الموقف الرسمي لرئاسة الوزراء ومجلس القضاء الأعلى والبرلمان والشعب اسقط كل دعوات هذا المؤتمر وحاصر بالرفض القاطع لمثل هذه الدعوات وكل فكرة أو رأي تطبيعي مع الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين والجولان السورية وبعض أراضي لبنان . الان وبعد 70عاما من الاحتلال للقدس ، يخرج المستوطنون بتظاهرة الاعلام في هذه المدينة العربية الفلسطينية العريقة ، ويتصدى لهم أبناء بيت المقدس بالحجارة وراح ضحية ذلك 42جريحا ، مما يؤكد ذلك بأن الكيان الإسرائيلي المحتل رغم مرور هذه السنوات والدعم الأمريكي المطلق سياسيا وماديا وعسكريا إلا أنه لم يتمكن من الغاء الهوية العروبية الفلسطينية ، ظل محتلاً ويخشى من نتائج المواجهة كما حدث في معركة سيف القدس .

كانت دعوة السيد مقتدى الصدر للبرلمانيين بطرح أول قضية لأول اجتماع من الدورة الخامسة للبرلمان هو تجريم التعاون والاعتراف والعلاقات والتطبيع من الكيان الإسرائيلي ، موقفا وطنيا عروبيا اسلاميا استراتيجيا جسد روح الانتماء العراقي وعبر عن الرغبة الشعبية العامة في التصدي لهذا المحتل واسكات كل المحاولات لجر العراق لسياسة الذل والعجز الذي مارسته بعض الدول والأطراف والشخصيات . وكانت كلمة السيد رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي في مؤتمر البرلمانات العربية في القاهرة ، اكدت لكل العرب والمنظومة الدولية ، بأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون العراق خارج معركة تحرير فلسطين ، وانه سيبقى ذلك البلد الذي أسس في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم النواة الأولى لجيش التحرير الفلسطيني ، وهو ذاك البلد الذي حمل في الثلاثينات في عهد الملك غازي راية التحرر والتضامن والوحدة وعلى اثر موقفه الملكي الشجاع تم اغتياله بزعم اصطدام سيارته ، وهو ذات العراق الذي جسدته امبراطورية نبوخذ نصر .  لقد اكدت كل الاحداث ، بان الكيان الإسرائيلي المحتل لا يؤمن بالسلام ، وأن تكوينه واستمراريته مبني على العدوان والاغتيالات والتوسع ، ولعل مراجعة سريعة لبعض محطات هذا الكيان تكشف بان كل سياسات التطبيع معه ماهي إلا خللا في البنية الرسمية العربية والإسلامية ، ولو كان هذا الكيان يريد العيش بسلام في محيط الشرق الأوسط لاستجاب لقرارات الأمم المتحدة في الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 67 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس . إن المعادلات اختلفت في هذه المرحلة ، فلم يعد للكيان الصهيوني مطلق الحركة ضد الدول العربية وفلسطين كما كان يحدث، فجبهة المقاومة الواسعة والمؤمنة بالتحرير تمتلك القوة والقدرة على المواجهة ، ونعتقد ان المرحلة المقبلة ستشهد تطورات مهمة يكون عامل الفصل فيها لجبهة المقاومة .