ذكرياتي 42
أنا والثورة الجزائرية – مقالات – عبدالرزاق عبد الواحد
كان عمري لايتجاوز العشرين عاماً حين كتبت أولى قصائدي للجزائر .. وكانت موجهة ألى المناضلة جميلة بوحيرد .ديواناً كاملاً كتبت للجزائر واكبت فيه ثورتها منذ نشأتها حتى أنتصارها الذي كتبت فيه قصيدة هذا أخر بيت فيها :
ولدتِ غداً حراً جزائرُ فافخري
لقد عظمت ْ من أنجبت رجلاً حّرا !
ومطلعها …
لأهلي .. لأصحابي ، ولي ولكِ البشرى
وللناسِ كلَّ الناس ثورتك ِ الكبرى !
ولأنني كتبت ديواناً كاملاً واكبت به ثورة الجزائر فقد كنت أدعى في كل احتفال بذكرى انتصارها وكان لأخر احتفال حضرته غير بعيد أيام كان العراق يذبح بحصار أمريكا له .
كانت زوجتي معي .. واستقبلنا استقبالاً حافلاً من قبل وزيرة الثقافة الجزائرية.
حادثة لا أنساها في ذلك الأحتفال :
تقدمنا أنا وأم خالد للجلوس في المقاعد الأمامية فجاءنا رجل فارع الطول .. ملفوف الشاربين قال إرجعوا إلى الخلف .. هذا مكان الشخصيات المهمة !
أنا رأساً أمسكت بيد زوجتي وقلت لها : (يلله .. إمشينا أم خالد .. نرجع اليوم لبغداد وخرجت بها من القاعة).
سألت الوزيرة عني فأُخبرتْ بماحصل .. فجاءت مسرعة خلـــــفي تعتذر .. قالت هذا رجل أمنٍ لايعرفكما .
وظلت تعتذر إلى أن رجعنا معها فأجلستنا في مقدمة القاعة وطلبت من رجل الأمن ألا يدخل إلى القاعة مرة ثانية ! .
ودعيت مباشرة إلى الإلقاء . وقفت وراء المايكرفون .وبدأت أقرأ من قصائدي للجزائر .. منها قصيدة جميلة إلى قصيدة ( باريس وجنين الثورة ) ومنها :
باريس
ياباريس ياموتى وياضَلالْ
ياشبَّةَّ يُخجلُ أن تُقالْ
حّرية الرجال
كالرّيح ياباريس لاتَني ولا تُنالّ
كالريحِ ياباريس لاحدَّ ولا مجالْ
لامنبعٌ لها
كالريح ياباريس
كالريح لعلَّها
تهبُّ يوماً في سمائكِ التي تموتْ
تقتحم البيوت
تبحثُ عن جذوتِكِ القتيله
توقظُ روبسبير من رقدتهِ الطويله
تنثر من أحطابكِ الرّمادْ
فربَّما فهمتِ شيئاً مخلصاً أرادء
خمسةُ أنبياء
أن تفهميه قبل أن يقتلِكِ الضّياء
تيهي على البشرْ
تيهي علىيهم أنَّ كلَّ جيشكِ العظيم
تمكّنتْ قواتُهُ تمكُّنَ اللئيم
من خمسَةٍ من شُهب الثورة فانتصر
تيهي على البشرْ
تيهي بهذا الغدر والجُبن الذي أسَر
القصيدة طويله جداً لاأستطيع أن أواصل كتابتها ..
ثم قرأت مقاطع من قصيدة (ناعور الدم ) أكـتب بعضها :
ألا أيُّ حَرثٍ من قبوركِ أوجعُ
وأيَّ حصادٍ من ضحاياكِ أفَجعُ
وأيُّ دمٍ ديَفتْ به الأرضُ مثلى
يُدافُ ببحرٍ منكِ واديكِ أجمعُ
* * *
جزائُر عمري مادعوتُ إلى دمٍ
وإني أبٌ يحنو، وطفلٌ يُرعَرعُ
وأمٌّ يكاد المهُدبين ضلوعها
يُهدهَدُ … بيتٌ بين خبيَّ مودعُ
وكيف وإنّي ماأزال أبن محنةٍ
أُغّني حراباً فوقها اللحُم يضرَعُ ؟ !
ثم ختمت قراءتي عن الجزائر بقصيدتي التي عنوانها (مايعقد اللسان) والتي كتبتها في انتصار الثورة الجزائرية :
كذا تلدُ الأرضُ التي شهقت عسرا
وكلُّ مخاضٍ قدرَ ناتجِه قدرا
وضَعتِ دماً حراً فاشمخي
لقد عظُمت من أ نجبت رجلاً حُراً
لأهلي ، لأطفالي ، ولي ولك البُشرى
وللناس كلَّ الناس فرحتُك الكبرى
وقد يلُد الدَّهُر الرجال وإنما
رأيت رجالاً ههنا تلدَ الدَّهرا !
*******
ثم ختمت قراءتي بقصيدتي (الهائله) (حشودٌ من الحب والكبرياء )
التي كتبتها عام 1973 بدم زحفت الدبابات العراقية على سُرَفها لتَّرد جيش إسرائيل الذي صار على ابواب دمشق :
بلى كلُّ ذي قولةً قالها
وكلُّ أخي ميلةٍ مالها
إلى أن قلت : …
بلى نحن أدرى ببوُح الفرات
إذا سيَّلَ الغيظُ سيّالها
بلى نحن أدرى بهامِ النخيل
إذا هزَّت الريحُ أحمالها
بلى نحنُ أدرى بهولِ العراق
إذا ندَبَتْ حرَّةٌ حَالها
إذا أشعلَتْ رملةٌ آلَها
وأجفلَت النفسُ إجفالَها
وأخرجت الأرضُ أثقالَها
وأنكرتِ الأُمُّ أطفالها
وقفنا بأوساطها لانريم
وكنّ عليها وكنّا لها !
*************
(وآنه أقرة بيهه وكَفوا رئيس الديوان ووزير الأوقاف ووزيرة الثقافة إلى أن انتهت القصيدة .. لما ردت أنزل مدّت لي الوزيرة إيدهه فانطيتهه إيدي حتى تساعدني على النزول ، وإذا بيهـــــــــه تدنّكَك على إيدي وتبوسهه) !
(التفتت لأم خالد كَلتلهه أم خالد هذي وزيرة مو إنسانه عادية.. وحضنت الوزيرة وكَمت أبوّس بيهه)!
كيف تستطيع أن تنسى هذا ياعبد الرزاق ؟!
…………………………….
ولمصر كتبت أروع قصائدي
آخر قصيدة كتبتها لمصر هي أعظم قصيدة كتبتها في حياتي ولكنها لن تنشر ولم تُقرأ !!!
وسأتركها وأترك قصتها العجيبة إلى أخر هذا الحديث أول قصيدة كتبتها لمصر عام 1956 أيام العدوان الثلاثي على بور سعيد
كان بدر شاكر السياب ـ رحمه الله ـ موظفاً في مديرية الأموال المستوردة بعد فصله من التعليم .. دخلت عليه فرحاً قلت بدر (آنه كتبت قصيدة لمصر بس نص شعر عمودي ونص شعر حر) فضحك … (كَتله شو تضحك ؟ كَال شمدريني أنه هيجي مسّوي ؟ ضحكنه اثنينّه . كَال إقرالي … كَلتله آنه بديت عمودي وتحّولت للحّر على نفس التفعيله .. كَال آنه سويت بالعكس .. بديت تفعيله وتحولت للعمودي .. يلله إقرالي ).. فقرأت له :
الأرضُ أبقى ، وباق ِ ينحتُ البشَرُ
تأريخَهم فوقها نحتاً بما يَذَروا
الخيرُ يعشبُ فيها فهو مؤتَلَفٌ
والشرَّ يلظى عليها فهو مُشَتَجُر
والزارعون بها عدلاً مزارعُهُم
تزهو ، وينضج في أعوادها الثَّمَرُ
والزارعون بها شوكاً تردُّ لهم
شوكاً تجمّد في أعراقِه المطُر !
والجامعونّ قلوب الناس تستعرُ
هذي تسيلُ ينابيعاً مُروّيه
وتلك يصخب طوفاناً فلا تَذَرُ
والحادبون على الدنيا وأضلعهُم
تكاد من أنَّةِ المكلوم تنتظر
والحادبون على صرعى خناجرهم
والحقُد يعصَر منهم فوق ماعصروا
والأرضُ تنمو فينمو فوق جبهتها
بعضُ الغضون وشيءً مورقٌ نَضَرُ !
*****************
لاحظت أن بدر كان يصغي باهتمام عجيب .. (لما خلَّصت كَال هاي القصيدة إنته ما راح تكَدر تكَملهه .. كَتله ليش ؟)
(كَال إذا كمّلتها تصير هوميروس ثاني … بس قسم التفعيلة بيهه موبمستوى العمودي .. إنته العمودي مالك أحسن من العمودي مالي بس آنه مقاطع التفعيلة أحسن من مالتك) .
(العجيب كأنّ بدراً من كَال ماراح تكمّلهه أخذ على إيدي ماكَدرت أضيفلهه بيت واحد بعد . لهذا بقت مثلما هيّه وسمّيتها (مقدمة قصيدة ))!
كتبت لمصر قصائد عديدة . كنت كل سنة أزور مصر مرتين 🙁 مرّه آخذ دعوات المربد لشعرائها وأدبائها … ومرّه أروح أحضر مهرجان الكتاب مالهه وألقي بي قصيدة . لكن أعظم حدث حدثلي في حياتي ، وكتبت بي أعظم قصيدة كتبتها في حياتي هو تكريمي اللي ماحصل في مصر ، وقصيدة هذي ذُرى مصر ) :
(كنت في عام 2011 في بيت إبني سلام في أريزونا كنا في الشهر الثاني من السنة كما أتذكر في أوائل الشهر جاءني إبني وبيده التلفون … كَال بابا … تلفون عليك من القاهرة !
آنه تعجبت … منو بالقاهرة يعرف أنّي هنا ؟ …. أخذت التلفون من إيده … أوّل ماكَلت ألو ، كَال الصوت المقابل أستاذعبد الرزاق أهنيك … أختارتك مصر واحداً من العظماء السبعة الذين راح تكّرمهم هذا العام) .



















