تغيّر القيم
أرقام صادمة أم وقائع قادمة ؟ – منقذ داغر
6: المثلية الجنسية والأجهاض
على الرغم من ادراكي لصعوبة التصدي لموضوع التغيير القيمي بخاصة في القضايا الاخلاقية،الا اني اعتقد انني اليوم سأدخل في حقل العام قد يكلفني الكثير من النقد والتشكيك لكني لا ارى ذلك الا ناحية صحية. فأثارة النقاش في التابوهات الاجتماعية مهم لكسر الجمود وتحريك الراكد.ذكرتُ أن أول خطوة عملية وعلمية على طريق معالجة الظواهر الاجتماعية(ومنها المثلية الجنسية) هي التشخيص. في عام 2010 كانت نسبة من يرفضون المثلية الجنسية في العراق حوالي 90% وهو ما يعني شبه أجماع بخاصة اذا عرفنا انه كان هناك حوالي 3% ممن رفضوا الاجابة عن السؤال.،لكن هذه النسبة العالية أنخفضت بمقدار الثلث لتصل الى حوالي 60% فقط في عام 2020!! في المقابل زادت نسبة من يبررون هذه الظاهرة جزئياً أو كلياً من 7% فقط الى 13% خلال نفس المدة. وقد رفض أكثر من 30% الأجابة عن السؤال في عام 2020. صحيح ان نسبة من يجاهرون بتبرير هذا السلوك لا زالت متدنية(13%) الا انها تضاعفت تقريباً خلال العقد الماضي. من جهة أخرى فأن وجود 30% من الرافضين للاجابة يعني انه بلاشك وجود آخرين في المجتمع يؤيدون هذه الظاهرة مما يجعل نسبة التبرير لها اعلى من 13% حتماً. وبغض النظر عن التقويم القيمي لهذه الارقام فأن هناك تغييراً واضحاً في المنظومة القيمية يجب الوقوف عنده. أن مجرد الانكار أو الرفض لن يساعد في العلاج بل سيجعل هذه الارقام تقفز مستقبلاً بخاصة في ضوء التغيرات العالمية ووسائل الاعلام والتشريعات التي تروج للظاهرة.
من ناحية أخرى فأن موضوع الاجهاض والقبول به هو أحد أكثر المواضيع الاجتماعية جدلاً ليس في العراق فحسب بل في كل انحاء العالم. هذا الموضوع يتداخل فيه الدين مع الموروث الثقافي والقيمي لاي مجتمع. وحتى في أكثر المجتمعات انفتاحاً فأن تبرير الاجهاض موضوع خلافي حاد غالباً ما يقع ضمن النقاش السياسي والانتخابي للدول فما بالك بالعراق!
مناقشة التأثيرات
وعلى الرغم ان مثل هذا المقال لا يسمح بالغوص عميقاً في مناقشة التأثيرات المناطقية والجغرافية والتعليمية وسواها من الفروق الفردية على آراء مختلف شرائح المجتمع العراقي سواء بخصوص الاجهاض أو بخصوص القيم الاخرى التي تمت مناقشتها آنفاً، الا أن النظر الى الارقام بشكل عام وعلى مستوى العراق يعطينا أيضاً صورة واضحة عن اتجاهات التغيير والتحول في المجتمع العراقي.في عام 2004 كانت نسبة العراقيين الرافضين تماماً لفكرة الاجهاض 95% في حين كان 5% فقط يتراوحون ما بين مبررين للاجهاض تماما او الى حدٍ ما. اما في عام 2010 فقد انخفضت نسبة الرافضين تماماً لفكرة الاجهاض الى 81% يقابلهم 15% موافقين،ثم عادت نسبة الرافضين لتنخفض في عام 2020 لتصل الى 75% فقط مقابل 24% من المبررين له. بمعنى ان هناك واحد من كل اربع عراقيين حالياً يبرر فكرة الاجهاض عموماً.هذا يعني ان هناك تغيير واضح حاصل باتجاه تقبل فكرة الاجهاض.
المفاجئ في الموضوع انني كنت أعتقد (كما يمكن ان بعتقد كثير من القراء) أن هناك فروق ملموسة بين آراء النساء والرجال أو بين الشباب وكبار السن، بخصوص الاجهاض لكن الاختبارات الاحصائية لم توضح اي فروق في الآراء حسب الجنس او العمر. بمعنى أن هناك تغييراً شاملاً لكل فئات المجتمع نحو هذا السلوك. هنا أود التأكيد أنني كباحث لا أطرح تفضيلاتي الخاصة عن الاجهاض لكني اعتقد ان هذا الموضوع يمثل دليل آخر على حصول تحولات قيمية كبرى في مجتمعنا تستدعي الوقوف الجدي عندها. كما أود التأكيد مرة أخرى أيضاً ان التغيير هو أحد سنن الحياة الاجتماعية فكل المجتمعات الحية تتغير وبغض النظر عن اتجاهات ذلك التغيير والحكم عليه. في الحلقة القادمة ساتناول قيمتين أخلاقيتين فرديتين أخريين هما الانتحار والقتل الرحيم. بعد ذلك انتقل لمناقشة بعض القيم الاخلاقية الأسرية.