أبايع النهر مجدداً
عادل الصويري
حينَ فارقتكَ قبل ثلاثينَ نخلة
قلت لي: ستعودُ ذاتَ ولهٍ
أيها الولدُ المشاغبُ وحينها….
لن تجدَ الفتيات اللواتي كنتَ تُطارِدُهنَّ مزهواً بصدركَ،
صدرُك الذي سيستفيقُ فيه شَعرٌ كثير،
وتنخرهُ السجائرُ التي دخّنت احداها تحتَ شُجيرة الرمان تذكرتُكَ
مع أوّل قفزةٍ لادهشةَ فيها
أدركتُ أني (محني عكاده عالمهجور)*
تماماً مثل بيت جدّي الطيني
لم أستغرب تحقق النبوءة
فأنتَ مَلِكُ النبوءات
ماأذهلني….
هو سرّ ابتسامةٍ حافظَتْ على رشاقتِها منذُ ثلاثين نخلة
هل سقطَتْ فيكَ دمعةٌ ذُرِفت على الحُسين؟
أم ناحَت فواختُ القصائدِ بالقُربِ منكَ فبقيتَ جميلاً هكذا؟
وحدك أسطورتي
تمتدّ بين الصمتِ والشمس
فأعبر منكَ إلى الكلامِ فُراتاً مُخضباً بالضوء
أُبايِعُكَ عاشقاً
شربَ الرسائلَ التي كتبناها لحبيباتِنا
فزادَ الماءُ من جريانِه كنبضٍ يحترق
أُبايِعُكَ وطناً. لايصلح للساسةِ الأغبياء
والشعراء المنتفخين بالمصطلحات
أُبايِعُكَ أُغنيةً
تدورُ في شفاهِ الفُراتياتِ خيطاً
ينعَقِدُ اخضراراً
يُتمتِمُ على الأضرحة ماتيسّرَ من الحكايا
أُبايِعُكَ مخاضاً شديدَ الفضّةِ
لأُولدَ منكَ حقلاً شاعراً
تُقمّطُني النخلةُ بقصيدةٍ
وتُلقنني تَمرَ الشهادتين أُبايِعُكَ رؤيةً
أقترِفُ فيها قمحَ غوايتي
وأصطادُ المعنى
بِصنّارةِ اللغةِ التي تقتَرِحُها
أُقيمُ عُرسَ الإستفهامِ
على ضِفافك المُدججة بسطوع الطين
فترقصُ زُرقتُكَ على زغاريدِ الحصاد
أُبايِعُكَ فردوْساً
يُلمْلِم المُتساقِطَ من خريفي وطفولتي
بحذرٍ لم أعد أتقِنهُ بعدَ ثلاثين نخلة
أتسللُ إلى مراياك
أُراقِبُها تتهيّأ لانزِلاق الشمسِ مُلَوحةً للكمنجاتِ:
اعزفي موّالَ الغياب


















