مذيع الأجيال نهاد نجيب لـ (الزمان): أغلب فضائياتنا مازالت في دور المراهقة

مذيع الأجيال نهاد نجيب لـ (الزمان): أغلب فضائياتنا مازالت في دور المراهقة

 صلاح الربيعي

المذيع الرائد نهاد نجيب محمد علي أوجي اعلامي عراقي المنبت كركو كلي التولد متزوج من الدكتورة الطبيبة الاختصاصية كولر البياتي له منها ولد وبنتان تبدأ اسماءهم بحرف النون هم نيازي السائر على خطى ابيه مذيعا تلفزيونيا والبنت الكبرى ناهد محامية معروفة ونيفين البنت الصغرى طالبة جامعية . والاعلامي نهاد اسم وتأريخ وصوت يشنف الأسماع في كل حين وخبرة شاملة في الصحافة والتلفزيون ، انطلق من مدينة الذهب الأسود في كركوك بصوته الرخيم الذي لم يصدأ على الرغم من  مر السنين والذي جعله يطاول قامات المذيعين من زملائه وتلامذته الذين عملوا معه في الإذاعة والتلفزيون منذ تأسيسهما حتى الآن كان يحلم بأن يكون مذيعاً وقد تحقق هذا الحلم وهو في سن الرابعة عشرة من عمره حين شارك بتقديم برنامج يهتم بالفعاليات المدرسية عبر إذاعة بغداد كان حضوره خلف الميكروفون وإطلالته على شاشة التلفاز مدرسة بفن الإلقاء والالتزام المهني الجاد حتى ترك بصمة مميزة في تاريخ الصحافة والاعلام لا يمكن للزمن ان يتجاهلهما ،

 وبدأ شيخ المذيعين عمله في إذاعة بغداد عام 1964 وبأجر أسبوعي قدره ستة دنانير حينها كان طالبا في كلية الإدارة والاقتصاد ثم الحقوق وبعدها في كلية الآداب قسم الصحافة وقد قرأ أول نشرة إخبارية اذاعية رئيسة مباشرة في صباح اليوم الثاني من تعيينه خلافاً للسياقات المعروفة التي تقضي بان يكون المذيع سنة كاملة تحت التدريب ثم يسمى بعد ذلك مذيعا بشكل رسمي الأمر الذي لفت فيه أنظار جميع المحيطين به ولاسيما أستاذ الصحافة المصرية اللامع خليل صابات الذي تنبأ له بمستقبل مميز اضافة لاعجاب كل من سمع صوته عبر الاذاعة أو التلفزيون . ولأجل التعرف على تجربة  نجيب التي تواصلت لأكثر من أربعة عقود كانت ثرية بالجهد والتعب والإبداع وغنية بالمواقف والأحداث التي لا تنسى أبدا كان لـ(الزمان) هذا الحوار معه:

{ ماهي اصول وقواعد العمل الاعلامي الفاعل ؟

– اصول وقواعد الاعلام الصحيح تعتمد بالدرجة الاولى على العشق الكبير للمهنة ومن ثم الموهبة الخلاقة والمهارة ثم الثقافة العالية وهنا تكمن أهمية الاعلام المرئي والسمعي والمقروء والاعلام في النهاية فن الفنون ولا يمكن ان يقبل على مستوى الهبوط المهني والأكاديمي الذي وصلت اليه بعض الفضائيات العربية والعراقية مؤخرا والتي اتسم عملها بالتهريج  والخداع الذي أفقد الجمهور كل احاسيس الذوق الرفيعة .

{ ما نسبة مساحة الحريات الصحفية والاعلامية في العراق ؟

 – هنا استطيع القول بان لا مساحة محددة للحرية الصحفية والاعلامية في العراق وانما توصف بالحرية المنفلتة شأنها شأن حصان بلا لجام يصول ويجول في الساحة حسب هواه وأظن ان الكثير من الفضائيات التلفزيونية قد افتقرت لعدد من الاعتبارات المهنية المهمة وهي الثقافة العامة وحرية الاختصاص والاحتراف المهني واقصد بالحرية ان المذيع والمخرج والمصور يؤمن كل واحد منهم بحرية التجربة وضرورة توسيع ميدان الثقافة والتدريب فيهما ولا يمكن ان ينجح كل واحد من هؤلاء وهو قاصر الذهن مصطنع للمهنة لمجرد انه يهدف الى كسب المتلقي او الشهرة اللامعة حتى لو كان ذلك على حساب الذوق العام وهذا ما يجري اليوم في الساحة الاعلامية في العراق اضافة لذلك وهو الأهم بأنه لا توجد حرية كاملة للصحافة والاعلام بشكل عام وهنالك الكثير من القيود على ممارسة المهنة بالشكل الصحيح ليس في العراق فحسب وانما في بقية البلدان العربية والأجنبية الأخرى حتى الان لم تسن قوانين وتشريعات تحمي الصحفي والاعلامي وتتيح له فرصة وحق الحصول على المعلومة بحرية كاملة ومن يتوقع بان نصل الى مستوى يكون فيه الاعلام حرا بحق فهو واهم لأن معظم المؤسسات الصحفية والاعلامية مقيدة بسياسة صاحب المؤسسة اضافة الى قيود وممنوعات السلطة في ذلك البلد .

{ هل يمكن للمذيع ان يكون مؤثرا بالمستمع أو المشاهد ؟ وماهو السبيل لذلك؟

– نعم يمكن للمذيع ان يكون مؤثرا بالجمهور والسبيل الى تحقيق ذلك يكمن في حب المهنة وامتلاكه لناصية الابداع من خلال موهبة كبيرة تستند الى الثقافة العامة وحنجرة لا يشوبها الخلل اضافة الى المهارة بالتلاعب بالطبقات الصوتية صعودا ونزولا وكما يعرفه الموسيقيون بمصطلح القرار والجواب وان لايلجأ للتقليد بل يصنع لنفسه هوية مميزة بالاداء والحضور للتأثير بالمستمع اوالمشاهد وان يحافظ على الاداء الجيد من خلال متابعة مواطن الخلل الاخفاق التي تصادفه في العمل ومعالجتها حرصا على الاداء المميز وان مقومات المذيع الناجح كما ذكرت هي الكفاءة العالية المستوى في الثقافة العامة والتمكن في اللغة العربية وفقهها من قواعد اللغة واصوات الحروف المتعلقة بعلم الصوت والالمام بمخارج الحروف اضافة الى الحضور المرتبط  بالشخصية الجذابة وفي النتيجة نحصل على المذيع المتميز الذي نفتقده اليوم في الساحة الاذاعية والتلفزيونية .

{  كيف تقيمون مستوى اداء الفضائيات العراقية بشكل عام ؟ وماهو مستوى العاملين بتلك المؤسسات ؟

 تقييمي المتواضع لمستوى أداء الفضائيات هو اننا لا يمكن ان ننهض بمستوى الاداء فيها مالم نأخذ بالاعتبارات التي ذكرتها سابقا وهي الثقافة وحرية الاختصاص والاحتراف المهني والحق اقول ان اغلب فضائياتنا مازالت في دور المراهقة ولم تبلغ مرحلة النضوج وهنا يتوجب على المعنيين بتثقيف الفضائيات ورفدها بالمعارف الاعلامية مع تثقيف المشاهدين تلفزيونيا من خلال بث الاخبار بمصداقية وتقديم البرامج الرصينة بمذيعين أكفاء يتم اختيارهم بعناية فائقة ومخرجين ومصورين محترفين وهذا لا يمكن تحقيقه اذا ما بقيت الفضائيات على نهجها الحالي .

{ انتم أصحاب سفر طويل في العمل الاعلامي الشامل ما الذي يقلقكم على مستقبل الصحافة والاعلام في العراق ؟

– الذي يقلقني في المرحلة الراهنة هو استمرار  حالة الهبوط بمستويات وسائل الاعلام المختلفة من فضائيات واذاعات وصحافة على سبيل المثال لا الحصر لا يوجد كاتب بلا قارئ ولا تلفزيون بلا مشاهد ولا اذاعة بلا مستمع ومن هنا فان المتلقي المتمثل بتلك الاطراف يستطيع ان يكون متابعا جيدا ويستطيع في الوقت ذاته ان يعرض عن الهابط ويستطيع ان يشجع الجديد الرائع ومن هنا كانت الثقافة التلفزيونية والاذاعية والصحفية من اخطر القضايا الي تمس تلك الوسائل الاعلامية برمتها والمعنى واضح جدا.

مستوى الطموح

 { ماذا تحتاج مؤسساتنا الاعلامية العراقية لتصل الى مستوى الطموح من الناحية المهنية والفنية ؟

– ما تحتاجه مؤسساتنا الاعلامية العراقية اليوم شيئاً بسيطا وهو في متناول اليد ان توفرت النوايا الحسنة مع الابتعاد عن العواطف والوساطات المستندة على العلاقات الشخصية ومع توافر التكنولوجيا الحديثة لمعظم المؤسسات الاعلامية فهي تحتاج مذيع مبدع ومصور فنان ومخرج متمكن من ادواته مع اعتماد مهنية صادقة وفنية اكاديمية عالية المستوى والاستفادة من خبرات ومهنية الرواد من مذيعين ومخرجين ومصورين ومهندسين وعندها سنحصل على حضور متميز وأداء بارع ودون ذلك ستبقى مؤسساتنا الاعلامية والثقافية والصحفية والفنية في تخلف متواصل لان فاقد الشيء لا يعطيه ولن يستقيم الظل مادام العود اعوج .

{ ماهي مسؤولية السلطات الحكومية في توفير المناخ الملائم للعمل الاعلامي العراقي؟

–  تتحمل الحكومة مسؤولية كبيرة ومهمة في توفير المناخ الملائم لوسائل الاعلام المختلفة من خلال تأمين الحماية للمؤسسات الاعلامية وللعاملين فيها وفقا لما أقره الدستور العراقي بوجوب احترام السلطة الرابعة كما يطلقون عليها والحفاظ على استقلالية الاعلام في حدود معقولة ومن هذا المنطلق الحضاري يتبلور فهم السلطات الحاكمة لرسالة الاعلام والاعلاميين واهميتهما وان هذا الفهم سيكون دلالة على مظاهر الرقي والحس الحضاري في أي بلد كان .

{  ماهي الاسماء المميزة التي لها مكانة خاصة في الذاكرة وكان لها أثر كبير في حياتكم المهنية حدثنا عنها ؟

– هناك الكثير من الاسماء المميزة والتي لها مكانة خاصة في ذاكرتي وكان لها اثر كبير في مسيرتي الثقافية والمهنية يتصدرها استاذي بدرس اللغة العربية في الاعدادية الذي نهلت منه كل معارفي اللغوية هو الاستاذ الدكتور محسن عبدالحميد متعه الله تعالى بالعافية الدائمة والعمر المديد واما في مرحلة الدراسة المتوسطة كان استاذي في اللغة العربية الشاعر الكبير الراحل عبد الرزاق عبد الواحد رحمه الله تعالى واسكنه فسيح جناته اضافة الى الدكتور سنان سعيد عندما درسني مادة الفن والرسم في المتوسطة ومن ثم تأثرت به عندما كان مذيعا في بداية الستينيات واستاذيته الثالثة عندما درسني في كلية الاعلام فرع الصحافة واما مهنيا فقد تأثرت كثيرا بمعلمي واستاذي العبقري الكبير بلبل الاذاعة سعاد الهرمزي رحمه الله تعالى واضف الى تلك الاسماء الرائعة العلامة الدكتور مصطفى جواد صاحب البرنامج اللغوي المشهور في العراق والوطن العربي ( قل ولا تقل ) اما العلامة الشيخ جلال الحنفي البغدادي كان له الاثر الكبير في متابعتنا وثقافتنا اللغوية وهنا أتساءل كيف سيكون مستوى المذيع وهؤلاء العباقرة هم اساتذته ؟ وهنا يمكن أن أضع هذا الميزان الراقي لتقييم المذيع وصناعته فأين مذيعي اليوم من هذه المعايير ؟

عشق المهنة

{  هل هنالك أسباب قاهرة أبعدتكم عن العمل في الساحة الاعلامية الحالية ؟

 – كما هو معروف عني حتى بين ابناء جيلي عشقي الكبير لمهنتي الاعلامية مذيعا وبرامجيا وكاتبا صحفيا وممثلا في حقب مختلفة لذا كنت اتمنى ان لا انقطع عن مهنتي التي ارتبطت بها بشكل خرافي وكعشق حبيب لحبيبته ولكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه وقد حدث مالم يكن في الحسبان حيث تم تهجيري انا وعائلتي على اساس طائفي مقيت وتعرضت الى اعتداءات متكررة وتهديد وابتزاز ما دعتني هذه الامور الى ترك الوطن المفدى والغالي على وجداني وان الشيء الذي اصابني بالحزن العميق هو اني لم اكن استحق كل هذا الاضطهاد والاذى وانا ذلك الاعلامي المهني الوطني المستقل وانتمائي عراقي صرف يعرفه القاصي والداني وانني احتفظ في خزينتي ذلك التهديد الذي نص على تهجيري قسريا والا ستكون عاقبتي وخيمة وهنا اتساءل مرة اخرى هل استحق هذا الظلم من ابناء وطني ؟ وطالما العقل الباطن يميل دائما الى كبت الحوادث فأنني في غربتي هذه اتحايل دائما بالهروب من تلك الذكريات المؤلمة عن طريق النسيان تارة والتجاهل تارة اخرى وقد ظلت عقدة الالم عندي حبيسة في عقلي الباطن وستبقى لسنين طويلة وهكذا اجد نفسي اليوم أذرع الطريق بحثا عن ما ينسيني تلك المعاناة وبالرغم من كل ما جرى ويجري من تهجير وتجاوز على حقوقي كانسان ومواطن واعلامي فأن من التهذيب وعزة النفس اخجل من ان اطالب بالدفاع عن حقوقي وسمعتي ورد اعتباري بين ابناء شعبي العراقي الاصيل واننا مهما اختلفنا فأن حب الوطن يجمعنا وهو اقوى من كل الاحقاد والخلافات ولا املك الا ان ادعو الله تعالى بأن يؤلف بين قلوبنا ويصلح شأننا وذات بيننا ويهدينا سبل الخير والمحبة والسلام .

{ مسؤولياتكم المهنية كانت شاملة فما هي المجالات التي عملت بها لتترك بصمة لدى المتابعين ؟

– مسؤولياتي المهنية كانت فعلا شاملة بين عملي مذيع ومعد للبرامج ومقدم لها ونقلي المباشر للمناسبات المختلفة خارج الاستوديو في الشارع والساحات والقاعات والاحتفالات والمؤتمرات ونقل مراسيم الحج من مكة المكرمة ووقائع صلاة الجمعة وعضو للجان التحكيم في مهرجانات دولية متعددة منها مهرجان البرامج الاذاعية والتلفزيونية في العاصمة المصرية القاهرة والاشراف على عقد دورات اعلامية لاعداد المذيعين ومحرري الاخبار والصحفيين والقاء محاضرات بفن الالقاء والتلفظ داخل العراق وفي مصر والمغرب والجزائر وحصلت من خلالها على جوائز عالمية اعتز بها كثيرا ولو لا الجهد والمثابرة والجدية وحب المهنة لما تحققت تلك النجاحات ولهذا اوجه نصيحتي لكل اعلامي طموح يسعى للنجاح والمحافظة عليه ان يستفيد من خبرات الاعلاميين الرواد الاوائل وان يبذل جهدا مهنيا صادقا مضاعفا لتحقيق ذلك.

{ ماهي محطات عملك المهنية الأكثر تأثيرا  في حياتك العامة ؟

– كان عملي في اذاعة بغداد العريقة من اهم المحطات المؤثرة في حياتي المهنية والانسانية والتي منحتني الفرصة لتكوين شخصيتي الاذاعية باعتبارها الاساس الحقيقي في صناعة المذيع بعد الاستفادة من خبرات شيوخ الاذاعيين من الاساتذة الرواد وهم كنوز من الكفاءات النادرة والاسماء اللامعة وكل واحد منهم كان بمثابة مدرسة اعلامية وفي مقدمتهم الاساتذة محمد على كريم وسعاد الهرمزي وناظم بطرس وعادل نورس وحافظ القباني وبهجت عبد الواحد وعبد الكريم الجبوري وسليم المعروف وسنان سعيد واحمد الحسو وغيرهم من المبدعين الكبار وهم كثر وبرحيل البعض منهم وغياب الاخر اصبح في اذاننا فراغا كبيرا كأنه كهف ضرس عقل مخلوع وقد تنقلت في العمل بين الاذاعات المختلفة حتى استقر بي المطاف مذيعا رئيسيا في تلفزيون العراق ومن ثم التحقت بقناة العراق الفضائية حيث تم تكليفي برئاسة قسم المذيعين ومديرا للشؤون الدينية والاشراف اللغوي ومديرا لمركز الانتاج البرامجي ومشرفا لدورات اعداد المذيعين الى عام 2003 وفي عام 2004 تم تكليفي من قبل الاعلامي الكبير سعد البزاز رئيس مجموعة قنوات الشرقية بالعمل في قناة الشرقية بداية تأسيسها وكنت من اوائل الاصوات التي انطلقت منها وفي عام 2007 تم تعيني مديرا لقناة توركمن ايلي في كركوك وقد فاتني ان اذكر باني عملت مراسلا رئيسيا لوكالة اسوشيتد بريس في لندن وكان من ابرز المحطات المهنية في مسيرتي الاعلامية مساهمتي التي اعتز بها هي تأسيس جمعية المذيعين العراقيين في عام 1993 حيث انتخابي رئيسا لمجلس ادارتها ولدورتين متتاليتين كنت خلالها وخلال مسيرتي المهنية برمتها الهاما دافقا لا يتوقف الا بتوقف الالهام وحسا دقيقا يشبه حس الكومبيوتر وذوقا رقيقا يشبه ذوق نحلة تتنقل بين الازاهير ثم تحط على اجملها منظرا واحلاها مذاقا واروعها سحرا وهكذا كنت وما زلت عاشقا ولهانا لمهنتي الرائعة ومن اعمالي المهنية الاكثر تأثيرا على حياتي العامة هو عملي مذيعا بالدرجة الاولى ويليه عملي صحفيا وكاتبا لمئات المقالات الثقافية والاعلامية والفنية حيث كتبت اول مقال لي بعنوان  ما أتمناه للمسرح العراقي في العام الجديد الذي أخذ مساحته في جريدة الزمان القديمة عام 1963 وانا شاب صغير ثم توالت كتاباتي عبر مسيرتي الصحفية الطويلة واما العمل الفني الاخر فهو التمثيل حيث اسند لي دور بطولة مسرحيات عديدة على مسارح مدينتي كركوك حين كنت طالبا في الاعدادية وابرز ما مثلت دور الارضحالجي وهو عرض مسرحي ساخر وفي نهاية التسعينات مثلت في ثلاثة مسلسلات تلفزيونية وهي الاصمعي الزمن والغبار وسور الضباب وفلم سينمائي مشترك بين العراق والاردن الا ان فن التمثيل لم ينتزعني من مجال عملي الاعلامي الا انني جربت هذا المعترك استجابة الى دواعي العصر الفنية حيث بدأ الفن التمثيلي يشارك الاعلام شيئا فشيئا من منطلق فن الالقاء متعدد المستوى والاتجاهات .

مجال الابداع

{  برأيكم من هو الأقرب للنجاح من الناحية المهنية في العمل الاعلامي المرأة أم الرجل ؟

– في مجال الابداع يتساوى الرجل مع المرأة ولا فرق بينهما وعلى سبيل المثال لا الحصر هناك اثنان من مبدعي الاذاعة العراقية تميزا بالتفوق والابداع الرصين سعاد الهرمزي وكلادس يوسف لقد كانت مسيرتهما حافلة بالتميز والخيالات البديعة والرؤى الجميلة والاعمال المميزة من خلال نشرات الاخبار والبرامج المختلفة وهما من الاساطير الاذاعية ولكن مع شديد الاسف نجد تلك الاصوات في ايامنا هذه قد اختفت ولم نعد نسمع مثيلا لها كما اخشى يوما ننسى فيه مصطلح الابداع والمبدعين بعد أن اضاع علينا الطارئون متعة الاداء الجميل الهادئ وابدلوه باداء عشوائي متخلف.

{ ماهي ملاحظاتكم على المذيعين العاملين بالفضائيات الحالية وهل تتوقعون ظهور جيل مهني جديد قادر على النجاح والاستمرار فيه ؟

 – هنا يمكن القول بان معظم الذين دخلوا ساحة الاعلام مؤخرا لا يمتلكون المؤهلات الفعلية بالانتماء للمهنة فعلى مستوى الاداء الصوتي فان البعض لا يمتلك تلك المهارة ويفتقر لناصية اللغة العربية والفروق الجوهرية بين صفات الحروف من حلقية ولسانية وحنجرية كما لا يفرقون بين حروف المد والوقف اضافة لافتقارهم جمالية الطبقات الصوتية وعلمها والحضور المتميز وكثيرة هي العوامل والمقومات التي يحتاجها المذيع حاليا أو ربما يتهرب منها ولكن هذا لا يمنع بان نعترف بوجود مذيعين جيدين مثقفين وهناك ظواهر جميلة بامكانها ان تاخذ مكان الصدارة في فضائياتنا اذا مااتيحت لهم الفرصة بذلك ولشح تلك الظواهر فانها ستضيع وسط فوضى الاداء الهابط واذا ماتم اعتماد الآليات والشروط والضوابط المهنية الصحيحة والابتعاد عن المجاملات والعلاقات المبنية على المصالح الشخصية الضيقة لاختيار العاملين في المجال الصحفي والاذاعي والتلفزيوني عند ذلك يظهر جيلا اعلاميا مهنيا جديدا قادرا على حفظ مكانة وهيبة الاعلام العراقي ان شاء الله .

{ بماذا تحدثنا عن نجلكم المذيع الشاب نياز نهاد وما الذي جعله يسير على خطاكم الاعلامية ؟

 حقيقة لا أستطيع التحدث عن نجلي المذيع الشاب نياز لكي لا يتهمني البعض بالانحياز اليه وان جاز لي الحديث عنه مهنيا فيكفيه ان يكون خريجا في مدرسة والده نهاد نجيب حيث فاز بالمرتبة الاولى في بداية مسيرته من خلال دورة للمذيعين اقيمت في قناة الشرقية عام 2006 واستهل المهنة بنفس القناة بقراءة نشرة للاخبار مباشرة وهو لازال بمقتبل العمر ودون الخضوع الى العمل تحت التجربة المعتادة لكفاءته في هذا الاختصاص وبذلك يعتبر اصغر مذيع يتحمل مسؤولية المهنة وكون لنفسه هوية اعلامية مستقلة دون تقليد لأحد ويتصف نياز باحساس عذب يمتزج بصوت واداء رائعين وثقافة واسعة مما ادى الى ان يصل لمستوى مميز بالاداء والالقاء وشهد في ذلك المنصفون

{ من الذاكرة برنامج اذاعي عريق ماهي ذكرياتك عنه وهل يمكن اعادته للمستمعين بحلة جديدة ؟

 – برنامج من الذاكرة الذي كنت اعده واقدمه فهو عشقي الاخر وقد حظيت من خلاله باعجاب المستمعين في العراق والوطن العربي وكان برنامجا محببا للجميع لتميزه بالمعرفة الموسيقية والثقافة الغنائية الرصينة واداء متميز حيث ولد برنامج من الذاكرة عملاقا وخلق لم شمل العائلة وكان نبض قلب البيت العراقي وكسب حب الناس وكانت فقراته كنوزا من المواهب النادرة وضم البرنامج ذكريات كانت لها طعم الشذى ورائحة الندى والذكريات كانت انا وانت والغناء الطويل والقلب الذي يخفق بالمحبة والوئام وقد نال البرنامج شهادة الابداع من خلال مشاركتنا في مهرجان القاهرة الدولي للاذاعة والتلفزيون عام 2001 وكلي رغبة في مواصلة تقديمه عبر وسيلة اعلامية راقية ولكن اين سأجد تلكم الوسيلة.

ذائقة المتلقي

{ برأيك هل تغيرت ذائقة المستمعين والمشاهدين عن ذي قبل وما هي اسباب ذلك؟

 – نعم تغيرت ذائقة المتلقي بعد اصبح يميز بين الجيد والرديء واصبح بامكانه الاطلاع على الفضائيات العربية والعالمية ونمت عنده الثقافة الاعلامية وفي المرحلة الراهنة فقد انصرف المشاهد العراقي عن معظم الفضائيات واشاح عن مشاهدتها وسماعها بسبب تحول اغلب فضائياتنا الى دكاكين تجارية لتسويق البضاعة المنتهية الصلاحية وساحة محاكم واستجوابات وحماس زائف الا ان الفضائيات المهنية الحقيقية صاحبة المواهب والمهارات المتميزة العالية هي وحدها التي تقاوم الزمن وتقهره وتأبى العمل الرديء حرصا على بقائها وديمومتها.

 { ماهي مسؤولية السلطة في اعادة الروح المهنية والعملية للاعلام العراقي ؟

 – على الحكومات المتعاقبة دعم المؤسسات الاعلامية من اذاعات وفضائيات وصحف ماديا ومعنويا دون تمييز على ان لا يؤثر ذلك في حيادية عمل تلك المؤسسات ويفضل الدعم الحكومي للمؤسسات الفاعلة والمنتجة حتى وان كانت تلك المؤسسة من المتصدين للخلل الذي يحصل في مفاصل العمل الحكومي ومن جهة اخرى هناك قنوات فضائية تحاول اثبات وجودها بالتصادم والتقاطع مع فضائيات اخرى لتحقيق مكاسب جهوية وطائفية ومصالح شخصية لأصحابها بعيدا عن الموضوعية وشرف المهنة وضوابط اخلاقياتها وهنا ينبغي على الحكومات والبرلمان سن قانون للحد من هذا الانحدار والهبوط في المستويات المهنية المختلفة وانقاذ الساحة الاعلامية من الانفلات والفوضى العارمة التي لا تتماشى مع العصر الحديث وقد اصبحت بعض الفضائيات الان اقرب الى السطحية ولايمكن السيطرة على ترديها .

{ هنالك نظرة من البعض للاعلامي في العراق على انه جزء من منظومة محسوبة على النظام الذي يحكم البلد وليس جزءا من منظومة وظيفية مهنية  كبقية الوظائف الحكومية المختلفة الأخرى.. فما درجة تأثير تلك النظرة على بنية ومستقبل الاعلام في العراق ؟

  الخطأ الكبير هو القول بان الاعلامي جزء من منظومة سياسية ومحسوب على نظام معين وهذه هي الكارثة التي تعرض له الاعلام العراقي بعد عام 2003 حيث تم حل الاعلام العراقي بكل مفاصله بحجة انه من ابواق النظام السابق ومرتبط به وكان الامر لمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وقطعت الصلة فيما بين الرواد الخبراء وكنوز المعارف والكفاءات وبين الجيل الاعلامي الجديد كما انقطع الامتداد بين الماضي والحاضر وكل من كان يعمل في مجال الاعلام اصبح مشبوها ولا يتم التعامل معه أبدا متناسين المقولة ومفادها ( ناقل الكفر ليس بكافر) ولذلك خسر الاعلام العراقي بعد تغيير النظام الكثير من الخبرات والكفاءات كان من الممكن الاستفادة من خبراتهم ومعارفهم الاعلامية وفي مناسبة معينة طرحت سؤالا على المتحدث الرسمي للحكومة العراقية الاسبق ليث كبة قائلا له: اذا كنتم تعتبروننا من مخلفات النظام السابق فعليكم ايضا ازالة اثار بابل عن الوجود واثار الحضارات الاخرى لأنها من مخلفات الانظمة القديمة السابقة في التاريخ .

{ هل لديك طموحات في المجال المهني الاعلامي لم تتحقق ؟

– كثيرة هي الطموحات ولازال الكثير منها يمكن أن يتحقق هذا لو رزقنا الله عز وجل بمزيد من العمر عندها سأواصل المشوار في خدمة الوطن والمهنة التي يجري حبها في دمي وكما ذكرت باني عاشق لها وقد حققنا انا وجيلي من الزملاء الكثير من المنجزات الاعلامية الراسخة في التاريخ وذاكرة الجماهير في داخل العراق وخارجه والتي تميزت بالمهنية الصادقة والمعرفة الثقافية الواسعة في مجال الصحافة والاذاعة والتلفزيون والعمل الفني الجاد وسيبقى حنيني الى مهنتي ثابتا وسيبقى لرائحة الميكرفون والكاميرا عطر خاص يتشبث بجدران الوجدان والذاكرة وطموحي المهني لا حدود له حبا بالعراق وكما سيبقى حنيني لوطني ولرائحة ترابه عطر خاص في وجداننا لايمكن ان يمحوه الزمن أبدا وكان طموحي ان اضع كل خبرتي الاعلامية في خدمة الاجيال الشابة وتدريبها في دورات تخص فن الالقاء والتلفظ والتعامل مع الميكروفون والكاميرا وتهيئتهم ليكونوا اعلاميين متميزين ولنبدأ في تطوير وسائل اعلامنا العراقي منذ الان وان نسابق الزمن في استثمار قدراتنا في التخطيط والتنفــــــــيذ لتحقيق تلك الطموحات .

{  لو كان لديك عتب على أحد ما فما هو عتبك ؟ ولمن ستقول ولاتبخسوا الناس أشيائهم ؟

 – عتبي على الذين هجرونا واذونا وحرمونا من خيرات وطننا واقول لهم قد نختلف في مذاهبنا وعقائدنا أو نختلف في آرائنا ومبادئنا السياسية وفي لهجاتنا أو قومياتنا ولكن بالتأكيد نتفق جميعنا على حب الوطن والانتماء اليه واقول للذين حاولوا تشويه سمعتنا لكي تخلوا لهم المواقع لاستغلالها لمصالحهم الشخصية التي لا يستحقونها لعدم تملكهم الكفاءة والموهبة والمقدرة نقول لهؤلاء دعوا اصحاب الاختصاص والابداع من اخذ مواقعهم التي يستحقونها وبجدارة كل ذلك خدمة للصالح العام ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولننهض جميعا ونقوض انتشار التطرف والغلو والعنف والكراهية التي كانت نتيجة الفتاوى المغلوطة المتعمدة وان يتحمل الجميع مسؤولية مواجهتها فكريا وثقافيا ودينيا وان لا نأخذ تعاليم ديننا ونهج حياتنا من مفسري الاحلام كي نبقى أمة نائمة وهذا قول المفكر الاجتماعي العراقي الكبير الدكتور علي الوردي رحمه الله .

مشاركة