ليست الثكلى كالمستأجرة – حسين الصدر

ليست الثكلى كالمستأجرة

– حسين الصدر

-1-

من الأمثال المعروفة :

” ليست الثكلى كالمستأجرة “

والفرق بينهما هو الفرق بَيْنَ الغارق في بحرٍ من الشجى والاحزان وبيْنَ المتصنع الذي يعصر الأجفان ..!!

مَنْ منكم لم يسمع بما صَنَعَتْهُ (الخنساء) بعد فقدها أخاها (صخراً ) ؟

وهل يُقاس بمثل موقفها موقفُ مَنْ يؤتى بها الى مجلس العزاء لتُكثر الضجيج والعجيج، دون أنْ  يُلهب المصاب قلبَها ، وبالتالي فانها لن تذرف الاّ بارد الدموع ، واين هذه الدموع الباردة من دموع الثكلى الفاقدة ؟

-2-

وللناس حاجات يقصدون لقضائها مَنْ يرونه صاحبَ شأنٍ ونفوذ، يرجونه الاهتمام بهم وبقضاياهم، ويأملون أنْ يسعى بنفسه لقضاء تلك الحاجات وبالفعل :

فانَّ هناك رجالاً مِنْ اصحاب القلوب الحانية ، والمروءة الوافية ، والنبل الحقيقي، يتفاعلون مع آلام اصحاب تلك الحاجات ويبذلون من جاههم وعرقهم ووقتهم الكثير من اجل قضاء تلك الحاجات .

وهذا النمط من الرجال لا يقوم بمساعيه الحميدة من أجل مالٍ أو أجل سمعة طيبة ، وانما يقوم بذلك لوجه الله ، وهو بهذا يملك القلوب، ويمطره وابل الحسنات والمثوبات الالهية جزاءَ حرصِهِ على إغاثة اللهفان، وتنفيس كربه المكروب .

وهناك – للاسف الشديد – القسم الثاني من الرجال الذين لا يتحركون لقضاء الحاجات الاّ لمصالح ومنافع دنيوية  .

وهؤلاء يقومون بما يقوم به التجار من مساعٍ لاحراز الربح والمنافع

فهم يركضون وراء الأرباح المادية ولا يفكرون بالمثوبات الالــهية من قريب او بعيد ..!!

-3-

القسمان المذكوران من الرجال موجودان على مدار الأيام ..

واصحاب القسم الأول يحفرون اسماءهم في ذاكرة التاريخ فيسجل مواقفهم بأحرف التبجيل والتقدير ، وأصحاب القسم الثاني لا يَسْلمون من قوارص الكلام، ولا يحظون عند الناس بالاحترام ..!!

-4-

والكثير من الرؤساء والزعماء يُميّزون بين القسميْن ، فيحترمون الساعين لقضاء الحوائج لوجه الله ويكرمونهم، بينما نراهم لا يُعْنون بأصحاب القسم الثاني من قريب أو بعيد ، فهم محل احتقار وتوهين ..

وهذا التفريق بين الفريقين مهم للغاية ، وجدير بانْ يكون محلَ دراية وعناية،

 وهنا بيت القصيد .

-5-

سنكتفي في هذه المقالة الوجيزة بمثال واحد ، نستله مما حفظه لنا التاريخ مِنْ اقوال (عضد الدولة) مع (ابن يوسف) – احد أبرز رجال الصنف الثاني – حيث خاطبه قائلاً :

{ أنا لا أقضي حاجةً لك ، لأنك لا تقصد بها وجه الله ، ولا تبغي بها مكرمة ،

ولا تحفظ مروءة ،

وانما ترتشي عليها ،

وتصانع بها ،

وتجعلني باباً من أبواب تجارتك وأرباحك ،

ولو كنتُ أعلم انك تقضي حاجة لله ،

أو لمكرمة ،

او لرحمة ورقة ،

لكان ذلك سهلاً عليّ وخفيفا عندي ، ولكنك معروف المذهب في المطمع والحيلة ، وجَرِّ النار الى قرصك …}

وهكذا يجب ان يعامل أصحاب الأطماع وسيء الأطباع .

مشاركة