الصدر يتحدى الجائحة ويطل على قرائه بمنجز جديد

الصدر يتحدى الجائحة ويطل على قرائه بمنجز جديد

(مفارقات) و(من حصاد الحصار) يلامسان سقف الستين

احمد الامين

من فضائل العلماء، مثابرتهم الدائمة بالدرس وانشغالهم بما ينفع التفكير والتأدب واستخلاص العبر والقياس. ومنذ ان صدر الجزء الاول من موسوعة (العراق الجديد) قبل سنوات، يجتهد سماحة السيد حسين السيد محمد هادي الصدر في تقديم دروس الحياة والمعرفة ويثابر، دون هوادة، في رسم خلاصات قراءاته المعمقة للتراث فيغرف منه ما يعد مفيدا وفريدا، ارتأى ان ينشره على صفحات الجرائد ليشمل بالفائدة قطاعات عريضة من المواطنين. ويتفرد سماحة السيد الصدر في خصوصية انجازه من خلال امرين الاول انه اختار وسيلة إعلامية شائعة ومتيسرة لتقديم موائده المعرفية الى الجمهور، والثاني انه يختار من التراث العربي الاسلامي ما يغني الواقع بحيث يفصل الحاضر وكأنه امتداد للماضي برغم سعته وشموليته احيانا. وعبر متابعة قريبة لمنجزه التأليفي، وجدت ان المثابرة في الكتابة يقابلها او يجاريها يقين بأهمية التوثيق وعرض المآلات. ونراه غالبا ما يصدر كتابا في مدة زمنية وجيزة او كتابين في وقت واحد، وهي نتيجة تعكس حماسة روحية وجهادا في العطاء. ونادرا ما وجدت مؤلفا بمستواه يكرس انشغاله التام في قطاع مازال ثقيلا رائجا، لكنه يصارع تحديات المقاصد الجديدة في صناعة التواصل والتوصيل بفضل الثورات المتتالية في ميدان الاستثمار المعرفي وصياغة الرأي العام. وهو في ذلك لا يجاري السرعة العقدية في تحديث الوسائل والوسائط التقنية حسب، بل يتقدم على فارق العمر الذي غالبا ما يجد معظم المشتغلين في حقل المعرفة والابداع انفسهم عاجزين عن بلوغه او التعبير عن امكانياته يوما إثر يوم وبتقادم السنين.

محاولات تعطيل

 ورأيت تحدي السيد الصدر لمجهودات او محاولات التعطيل الطارئ لطاقات بعض العاملين في قطاع المعرفة، باستدراج استثناءات خارجة عن الارادة الى دائرة الحياة بقصد حجب الانجازات التي تندرج تحت مقومات فنونها، لكنها تتفوق عليها بالمعطى العام وبتحقيق التأثير المطلوب. وغالبا ما تقاس الرسائل او المحتوى الاعلامي من خلال ابعاد واعماق هذا التأثير. ومناسبة هذه المقدمة، هي صدور جزءين من موسوعة الصدر التي بلغ عدد حلقاتها حتى الان، ستين كتابا. والانجاز الجديد في محصلتها الراهنة هو صدورهما متزامنين مع حصار (التباعد الاجتماعي) و(حظر التواصل) المفروضين بسبب جائحة كورونا. وقد كان اثر هذا التحدي قويا بحيث قوضت بسببه جميع طرق الاطلالات التقليدية على الناس، في مقابل تأمين الفراغ او الفرصة اللازمة للانخراط في التفرغ بهدف جمع المصادر او اختيار الفكرة او الافكار القابلة للصياغة بما يتطابق مع اسلوب المؤلف في استقطاع جزء من الارث والتاريخ، لوضعه بين يدي القراء انسجاما مع واقعة او ظاهرة او سياق دارج. ولتأكيد قدرة السيد الصدر على خرق افتراضية (الحجر الصحي واجراءات السلامة)، فانه لم يكتف بمواصلة انجازاته المقالية التي حفلت بها ثلاث جرائد او اكثر، بل ودأب على استمرار جمع وتبويب المقالات بخصوصيتها واناقة لغتها، واصدارها في كتابين الاول بعنوان (مفارقات).

اشهر الحجر

 ويوحي هذا العنوان كما لو ان المرحلة تزدهر بمفارقاتها وتحفل بالمتضادات والمتقاطعات والمفاجآت غير المعهودة التي رافقت اشهر الحجر ونجمت عن ضيق او تضييق حالاته. وهذا الجزء او الكتاب احتوى 45  مقالة لا يصعب على القارئ اكتشاف او الاطلاع على محتوى المفارقات التي رصدها قلم المؤلف او كتبها بالعناوين الواردة من قبيل (لا للتلكس والجمود) و(الجشع الرهيب) و(المنحدر الخطير) و(ثنائية العمر والمال) و(المناعة النفسية) و(شياطين الانس) و(الحب المفقود) وسواها. واما الكتاب الثاني فيترجم عنوانه (من حصاد الحصار)، حصيلة اشهر من القلق والتوجس وربما الخوف على مصير شركاء في الحياة قريبين او بعيدين، واقعين تحت شبح كورونا او ينتظرون المنازلات معها، ليس بالندية المتوقعة او التكافؤ، بل بالمباغتة والغدر الذي عرف به الفايروس وصرع نحو 800  الف فرد من البشر حتى الان. والملاحظ في الكتابين انهما يغطيان المدة من اذار الى 21  تموز 2020  المدة شبه الكاملة لاندلاع حرب كورونا. وقد تضمنت بعض مقالاتها جوانب روحية او انسانية كتلك المقالات التي عناوينها (يا رب) و(الرصيد القرآني للشاعر) و(الفتوى الخالدة) و(الكورونا والحج) و(الباطن السليم) و(فوائد المطالعة) وغيرها. وطبقا لبعض ردود الافعال عن المنجز التأليفي للسيد الصدر فان مقالاته او (التوجهات التي اوردها بليغة ومهمة في معالجة الاوضاع السائدة، وهي تمثل اطراً ومفاصل حيوية نأمل ان تأخذ طريقها للتنفيذ). ولدى اخر فان مقالات السيد الصدر تنطوي على (ادب جم وشاعرية وجمالية وان معانيها بلسم للنفوس المضطربة الوجلة). وبحق فان تحليل محتوى مقالات السيد الصدر، يكشف عن مدرسة فكرية حية متجددة، وبمقدار ما ترصد الواقع المر، السياسي والاجتماعي والاقتصادي والامني، فانها تنأى بنفسها وبمعالجتها عن التجريح والتشهير وتعمد الى التصحيح والتهذيب والانقاذ. وبعبارة انها تفتح كوة امل في افق غائم مضطرب يعيشه العراق الذي ظل في نظر المؤلف (جديدا) بعد صدور الحلقة الستين من الموسوعة. ومن هذا المنطلق فانه يحمل املا بالتغيير المطلوب والمنتظر، ويدعو الى انعطافة كبرى لتحقيق الاهداف الوطنية المنشودة. ولعله يرى ذلك مفتاحا في كلمته على غلاف (مفارقات) بشأن الانتخابات المبكرة التي ستجري في 6 حزيران المقبل، لكن السيد الصدر اشترط في نجاحها ان تجري على وفق قانون انتخابي عادل ومفوضية مستقلة ومحكمة اتحادية كاملة الاعضاء وقضاء تام على التزوير والتزييف، وهي اشتراطات يشترك في اعلانها جميع الباحثين عن خلاص من محنة وطن يستحق ان يجد مكانا لائقا له ولشعبه تحت شمس الحرية.

مشاركة