25 عاماً على العرض الأول لتايتانك قصة الحب الغريق
هادي ياسين
لم يحظَ فيلمٌ في تاريخ السينما بالشهرة الواسعة ، كالتي حصل عليها فيلم ( تايتانِك ) الذي صدر عام 1997 ربما فقط فيلم ( ذهب مع الريح) الصادر عام 1939 . و لشهرة (ذهب مع الريح ) أسبابُها ، فهو من أوائل الأفلام التي ظهرت بالألوان ، وقد تناول أحداث الحرب الأهلية الأمريكية التي حصلت بين الشمال الجنوب ( 1861 ــ 1865 ) و ما صحبها من كوارث و قصص إنسانية وردت في الرواية التي كتبتها ” مارگريت ميچل ” ( 1900 ــ 1949 ) بذات العنوان ( ذهب مع الريح ) والتي قرأها معظم الأمريكيين ، ولشغفهم بها فقد طلبوا من المُنتج ” ديڤد سيلزنك ” ( 1902 ــ 1965) عدم قطع أي دقيقة من الفيلم على الرغم من طوله الذي بلغ أكثر من ثلاث ساعات ، خصوصاً و أن الدعاية كانت قد سبقت الفيلم على مدى عامين . والفيلم الذي بلغت ميزانيته نحو 3 مليون دولار فقط حصد أكثر من 400 مليون دولار في ذلك الوقت .
بدأ إنتاجُ فيلم ( تايتانِك ) عام 1995 أي أنه سبقته دعايته قبل عامين كما حصل لفيلم ( ذهب مع الريح ) . ولكن بطبيعة الحال ، فإن شهرة فيلم ظهر عام 1939 هي غير شهرة فيلم ظهر بعد نحو ستة عقود من الزمن ، لأسباب يعرفها الجميع . إنني أتحدث هنا عن فيلمين حظيا بأكبر شهرة في تاريخ السينما ، لا للمقارنة ، فلكل منهما موضوعه ووسائل و ظروف إنتاجه ، ولكن ثمة وشائج أو قواسم مشتركة بين الفيلمين ، لم تكن مقصودة أبداً : مناخُ كليهما مناخٌ كارثي : مناخ فيلم ( ذهب مع الريح ) هو مناخ الحرب الأهلية ، و مناخُ فيلم ( تايتانِك ) هو تحطم سفينة ( آر . أم . أس . تايتانِك) في أول رحلةٍ لها عبر المحيط الأطلسي . في كلا الفيلمين ولدت قصة حب عاصف . في ( ذهب مع الريح ) قصة حب بين ” ريت بتلر ” ( كلارك گيبل) و” سكارليت ” ( ڤيڤيان لي ) ، و في (تايتانِك ) بين ” جاك ” (ليوناردو دي كابريو ) و ” روز ” (كيت وينسلت ). كلا الفيلمين فاز بأكبر عدد من جوائز أوسكار حينها : ( ذهب مع الريح ) ثمان جوائز ، و ( تايتانِك ) إحدى عشرة جائزة . * كلا الفيلمين إستـُـقبـِلا من جمهور السينما بلهفة الإنتظار على مدى عامين و قد تفاعل معهما جمهور كلا الزمنين اللذين تفصلهما ستة عقود من السنوات .
نحن الآن أمام فيلم (تايتانِك ) الذي كتبه وأخرجه الكندي ” جيمس كاميرون ” . ” كاميرون ” كان مأخوذاً بقصة السفينة البريطانية (تايتانِك) ، و هي أكبر سفينة نقل ركاب حينها ، تمت صناعتها في إيرلندا الشمالية ، وتحديداً في حوض هارلاند آند وولف في العاصمة بلفاست ، وانطلقت رحلتها (الوحيدة) من لندن باتجاه نيويورك في 10 نيسان 1912 ولكن بعد أربعة أيام من رحلتها ، وتحديداً قبل منتصف يوم 14 من ذات الشهر ، اصطدمت بجبل جليدي لتحصل أكبر مأساة شهدها تاريخ السفر البحري حتى ذلك اليوم ، فلم ينجُ من المسافرين الذين كان عددهم 2223 سوى 706 فيما ابتلع المحيطُ 1517 منهم . وعلى الرغم من بدائية وسائل الإتصال في ذلك الوقت إلا أن خبرَ الحدث الجلل انتشر في جميع أرجاء العالم و شكّل مأساةً إنسانيةً هزت المشاعر وباتت حديث الناس في كل مكان قبل كارثة الحرب العالمية الأولى عام 1914 .
كان ” جميس كاميرون ” قد التقط حادثة غرق سفينة ( تايتانِك ) كمأساة بشرية تاريخية تصلح لأن تتحول الى فيلم سينمائي فخم ، ولكنه لكي يمنحه تلك الفخامة ، فقد أضفى عليها ، بطريقة ذكية ، قصة الحب العرَضية التي حصلت على ظهر السفينة بين ” جاك ” و ” روز ” ، و وفـّق في الموازنة بين كارثة غرق السفينة و بين قصة الحب المُتخَيلة ، بحيث جعل المشاهدين ــ بما فيهم المدركين لحيلة السيناريو ــ في حالةٍ قصوى من الإندماج والتعاطف التام مع القصة في سياق الكارثة ، ولكن شخصاً أمريكياً رفع عام 2017 دعوى قضائية على ” جيمس كاميرون ” إدعى فيها أنه حكى لأصدقائه قصة أقربائه المسافرين على السفينة ، و من ضمنها حكاية ” جاك ” و ” روز ” ، فوصلت الى ” كاميرون ” فالتقطها و وظفها بطريقة ( غير أخلاقية ) في الفيلم ، وطالب بتعويض مقداره 300 مليون دولار وبنسبة 1 بالمئة من أرباح الفيلم ، ولكنه لم يلق أذناً صاغية .
جديرٌ بالذكر أن ميزانية الفيلم كلّفت 200 مليون دولار و كانت حينها أكبر ميزانية في تاريخ السينما ولكن إيراداته بلغت ملياراً و 850 مليون و 197130 دولاراً وهي أعلى أرباح حققها فيلم حتى عام 2010 ? قبل أن يطرح المخرجُ فيلمه الشهير ( أڤاتار ) ــ في جزئه الأول ــ الذي تجاوزت ايراداته الملياري دولار .
كانت سفينة ( تايتانِك ) قد صُممت و بنيت بطرق و وسائل متقدمة في ذلك الوقت ، بحيث لم يتوقع أحدٌ غرقها ، ولكن الكارثة حصلت بعد أربعة أيامٍ من إبحارها ، مما شكل مفاجأةً و صدمةً للجميع . ولكن ثمة نظرية تشكيكية تقول أن السفينة التي غرقت لم تكن سفينة ( تايتانِك ) بل هي سفينة ( آر . أم . أس . أولمپيك ) ، هذا ما ذهبت اليه الكاتبة ” لورين كاهن ” في تقريرها لمجلة ( ريدرز دايجست ) بنسختها الأسترالية . و تقول الكاتبة أنه قبل حادثة ( تايتانيك ) بعام كانت ( أولمپيك ) قد تضررت بسبب إصطدامها بسفينة حربية ، و هي متطابقة ــ تقريباً ــ في مواصفاتها مع مواصفات ( تايتانِك ) ، بل هي توأمُها ، و لكي يحصل مالكو السفن على التأمين فقد أظهروا ( أولمپيك ) على أنها ( تايتانِك ) ثم قاموا بإغراق ( تايتانِك ) ، ولكنها نظرية غير مقنعة لأنها بلا أسانيد تؤكد صحتها . غير أن الكاتبة تتحدث عن فيلم وثائقي يشير الى أن الفحم الذي كانت ( تايتانِك ) تستخدمه في توليد قوة الدفع ظل مشتعلاً لمدة ثلاثة أسابيع قبل إبحارها و هو ما أضر ببدن السفينة فجعلها تغرق عند اصدامها بالجبل الجليدي ، و هذا يناقض رأيها الأول و يثبتُ أن السفينة لم تغرق عمداً للحصول على التأمين ، ولكنها تتدارك بقولها التشكيكي ( هذا إذا كانت قد اصطدمت بجبل جليد ) غير أنها لم تثبت عكس ذلك .
وحتى عام 1985 كان الجميع يعتقد أن السفينة هبطت الى قاع المحيط ــ الذي يبعد عن السطح مسافة ميلين و نصف الميل ــ هبطت سليمةً بكامل هيكلها ، قرب جزيرة ( نيوفاوندلاند ) الكندية ، لكنّ عالِمَ البحار الأمريكي الشهير ” روبرت بالارد ” إكتشف أن السفينة قد هبطت و قد انشطرت الى نصفين بسبب عيوب في تصنيعها .
لقد تعددت النظريات في تفسير غرق ( تايتانِك ) ، فهناك من ذهب الى أنها غرقت بفعل طوربيد إنطلق من غواصة آلمانية ، ولكن هذا خلطٌ بين غرقها و غرق سفينة ( آر إم إس لوسيتانيا ) البريطانية للمسافرين التي أغرقتها غواصة آلمانية عام 1915 أثناء حصار بريطانيا لآلمانيا خلال الحرب العالمية الأولى ، و قد إستغرق غرَقُها 18 دقيقة أمام السواحل الإيرلندية ، و على متنها 1198 راكباً لم ينجُ منهم غيرُ 761 شخصاً .
و ثمة من ينظر الى غرق ( تايتانِك ) من زاوية نظرية المؤامرة ليوجّه أصابع الإتهام الى أغنى رجل على الأرض في ذلك الوقت و صاحب النفوذ الكبير ( جون بيربونت مورگان ) بأنه أراد التخلص من منافسيه ، حين انسحب من الرحلة هو و أفراد أسرته في اللحظة الأخيرة ، و كان على متن السفينة منافسوه : ” جاكوب أستور ” و ” بنجامين گوگينهايم ” و ” إيزيدور شتراوس ” الذين ذهبوا الى أعماق المحيط . و ” إيزيدور شتراوس ” ، و هو نفسه العجوز الذي يظهر في الفيلم محتضناً زوجته ” إيدا ” قبل أن تنزل السفينة الى الأعماق ، و كانا يمتلكان محال ( ماكي ) الشهيرة ــ ذلك الوقت ــ في نيويورك ، و قد فضّلا أن يموتا معاً .. و تلك واقعةٌ حقيقية ، كما ذكر موقع ( هوليوود ) ، و ليست من إضافات السيناريو . و في سياق نظرية المؤامرة يُثارُ تساؤل الشك حول البّحار الذي انتقل الى سفينة أخرى قبل رحلة ( تايتانِك ) و احتفط معه بمفاتيح مخزن المناظير و ادعى أنه نسيَ أن يسلمها : هل كان له دور في غرق السفينة ؟
لقد مرّ الآن قرنٌ و عقدٌ من السنوات على حصول تلك الكارثة و مازال لغز غرق ( تايتانِك ) قائماً ، و كل ملابساته قابلة للتأويلات المتجددة .
كل هذه الملابسات و غيرها توقف عندها ” جيمس كاميرون ” و تحدث مع أكثر من 150 شخصاً من الخبراء و العلماء و المختصين و أقارب المسافرين الذين كانوا على متن السفينة قبل أن يبدأ كتابة سيناريو الفيلم و إخراجه .
و الواقع أن ” ليوناردو دي كابريو ” ، في البداية ، لم يكن بين المرشحين لبطولة الفيلم . المرشحون كانوا أربعة و هم : ” ماثيو ماكونهى ” و ” كريس أودونيل ” و ” بيلى كروب ” و ” ستيڤن دورف ” .
و كان ” دي كابريو ” يستحق جائزة الأوسكار لأفضل ممثل منذ أن لعب دور ” جاك ” في هذا الفيلم ، ولكن لم يتم ترشيحه أصلاً ، و وسط دهشة متابعي السينما في العالم و خارج توقعاتهم بفوزه لم ينل هذه الجائزة إلا عام 2016 عن دوره البطولي في فيلم ( العائد ).
الدهشة ذاتها أصابت الجمهور حين تجاوزت جائزةُ الأوسكار الممثلة الجميلة ” كيت وينسلت ” و قد ترشحت لها كأفضل ممثلة عن دور” روز ” الرئيس في الفيلم ، ولكن كان عليها أن تنتظر حتى عام 2009 لتفوز بها عن دورها الرئيس في فيلم ( القارئ)
و ” كيت وينسلت ” نفسها لم تكن مرشحة لدور ” روز ” في فيلم ( تايتانِك ) بل كانت هناك أربعُ مرشحات و هن : ” گوينيث بالترو” و ” وينونا رايدر” و ” كلير دينس ” و ” گابرييل أنور ” و كن جميعهن قد رفضن الدور . ولكن ” وينسلت ” هي التي رشحت نفسها عندما كانت تراسل المخرج ” جيمس كاميرون ” يومياً حتى طلب منها السفر من إنگلترا الى هوليوود ، فأسند اليها الدور .
أستعان المخرج بالموسيقي الأمريكي ” جيمس هورنر ” المتخصص بوضع موسيقى الأفلام فوضع موسيقىً أضفت على الفيلم مسحة إنسانية مؤثرة و ختم الفيلم بأغنية الحب المؤثرة بالصوت العذب للمغنية الكندية ” سيلين ديون ” . و عاد ” كاميرون ” فاستعان بـ ” هورنر ” لوضع موسيقى فيلم ( أڤاتار ) عام 2009 ? قبل أن يتوفى في حادث سقوط الطائرة و اشتعال نيران هائلة فيها عام 2015 عن 62 عاماً .
ترشح فيلم ( تايتانِك ) لأربع عشرة جائزة أوسكار عام 1998 فاز بإحدى عشرة منها ، من ضمنها جائزة أفضل فيلم و أفضل مخرج ، و عندما استلم ” جيمس كاميرون ” الجائزة صاح : ( أنا ملكُ العالم ) و هي العبارة التي أطلقها ” ليوناردو دي كابريو ” في الفيلم و التي لم تكن ضمن السيناريو ، ولكنه إرتجلها أثناء التصوير ، فأبقاها المخرج ، فباتت واحدةً من أشهر 100 جملة في تاريخ السينما الآمريكية .
تجدر الإشارة الى أن فيلماً آخر كان قد صدر عام 1953 باسم ( تايتانِك ) تنتهي أحداثه بإصطدام السفينة بجبل جليدي و تغرق ، ولكن قصته مختلفة ، و هو الآن من كلاسيكيات السينما . الفيلم من بطولة ” كليفتون ويب ” و ” باربرا ستانويك ” و ” روبرت ڤاگنر ” و ” أودري دالتون ” ، و إخراج المخرج الأمريكي من أصلٍ روماني ” جان نيگوليسكو ” ( 1900 ــ 1993 ).