إيهٍ يا كزار حنتوش – حسن النواب

كلام صريح

إيهٍ يا كزار حنتوش – حسن النواب

أوصاني كزار قائلاً: عليكَ أنْ تكون ابيض القلب على الدوام؛ عليكَ أنْ تكون كريماً حتى في عوزك، عليكَ ألَّا تشبع، مادام هناك جائعٌ على الأرض، عليكَ أنْ تسمع أغنية بريئة كل فجر، عليكَ أنْ تُصلّي بعيداً عن أنْظار الغواية، عليكَ أنْ تلهج بدعاء الخير إلى الناس؛ قبل نفسك، عليكَ ألَّا تكون أنْيقا في مأتمٍ مغدور، عليكَ أنْ تكون طاهراً في حضيرة الفساد؛ عليكَ أنْ تكون روحك مرآة وجهك، عليكَ أنْ تبوس تراب أقدام والديك؛ قبل أنْ تنام، عليكَ أنْ تترك نصف طعامكَ لجارٍ فقيرٍ؛ عليكَ أنْ تبوح بالحقيقة حتى لو كنت على صليب، عليكَ أنْ تطلق الورد بوجه البنادق، عليكَ أنْ تشعل شمعة على جبين البلاد، عليكَ أنْ تنزف عرق جبين، عليكَ أنْ تذرف دمعاً ساعة بهجتك، عليكَ أنْ تبتكرُ بلاداً؛ تشبه وطنك في وحشة المهاجر، عليكَ أنْ تغفر لمن طعنك في الظهر؛ عليكَ أنْ تصغي لحديث الصمت، عليكَ أنْ تدع النار تشتعل في مهجتك؛ حتى يستدلُّ بها التائهون، عليكَ أنْ تتوضأ بدمعك؛ ساعة الصلاة لوطن بعيد، عليكَ أنْ تموت؛ وتترك دمك يزهر حديقة ورد؛ حينذاك ستدخل إلى الجنة محمولاً على أجنحة الملائكة.

{ ليلة أمس زارني كزار في مهجري؛ وجلسنا نحتسي ابنة الكروم بصمت؛ حتَّى سألتهُ:

– كيف هي الجنَّة يا كزار؟

– وحشة!

– لماذا؟

– لأنَّكَ لست معي فيها

– هل تريد موتي يا كزار؟

– لا أدري؛ لكنَّ انتظاري لكَ؛ عند بوّابة الجنَّة؛ طالَ كثيراً

– عندما يكبرُ أطفالي؛ ستجدني بجواركَ على حينَ غرَّة

– ليتكَ تفعلُ ذلك؛ وستزيحُ وحشة قاسية عن قلبي.

– أما رأيت جان دمَّو؟

نفثَ دخان سيجارته ثُمَّ قال:

– كأنَّهُ برجوازي

– وضّح أرجوك

– يأتي خطفاً على مرابع الجنة؛ أكادُ لا أراهُ

– لماذا

– حمايته من الملائكة لا تعدُّ ولا تُحصى

شربت كأسي دفعةً واحدةً ثُمَّ سألته:

– كزار هل هناك طبقيَّة في الجنَّة؟

نظر نحوي محبطاً؛ ولأوَّل مرَّة أرى دمعة كزار تلمع في حدقة سمائه الدامية ثُمَّ قال:

– لا اشتراكية إلاّ في الكتب؟

– ماذا تقترح؟

شرب كأسهُ؛ وقبل أنْ يختفي عن أنظاري قال:

– لا سعادة إلاّ على الأرض.

{ سألهُ ملاك الموت: ماذا تتمنَّى يا كزار؟ تبسَّم كزار وأصاخَ السمع إلى غرابٍ ينعقُ غاقْ، غاقْ؛ غاقْ؛ حتَّى سقطتْ دمعة من عينهِ؛ وقبل أنْ تفيضُ روحه، ويضيقُ حول عنقهِ الخناق؛ أطلقَ حسرةً؛ واستنشقَ بعمقٍ هواء العراق.

{ بيتكَ أعزل يا كزار؛ لا امرأة تغسل ثوبكَ؛ لا أطفال سوى قصائدك الحزانى؛ وأنت الموهوم؛ تراهنُ في الوهم طويلا، عن شعر يبتكر الأنثى في الخمر؛ وعن أمٍّ تدركُ معنى الزئبق في دمعكَ، وترافق جرح الماء؛ بيت اعزل لا طير سيغني لا نجم يضيء؛ بيتٌ أعزل وبقايا كأس وبقايا وهم ورماد.

{ رحل كزار في 29/12/2006 وكانت الليلة الأشد ظلمة في حياتي، فلقد تيتَّمتُ بعد عروج روحه إلى السماء.

مشاركة