
باريس (أ ف ب) – بعد عامين على حصار ماريوبول التي تقع راهناً تحت السيطرة الروسية، لا يتوهم الصحافي الأوكراني مستيسلاف تشيرنوف أن الإعلام قادر على تغيير العالم، لكنّه يناضل مع ذلك لكي “لا تُنسى” الماساة التي شهدتها هذه المدينة خلال الحرب.
ويظهر فيلمه الوثائقي “20 دايز إن ماريوبول” الذي حاز جائزة “بافتا” لأفضل فيلم وثائقي الأحد في لندن، معاناة المدينة الأوكرانية التي استهدفتها القوات الروسية منذ بداية الغزو في 22 شباط/فبراير 2022، وسقطت في أيديها بعد 86 يوماً من المعارك التي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 22 ألف شخص ودمار شبه كامل للمنطقة.
وعلى مدى ثلاثة أسابيع، نجح مستيسلاف تشيرنوف وزميله يفغيني مالوليتكا الذي يعمل لصالح وكالة “أسوشييتد برس”، في التقاط مشاهد للمدينة المحاصرة وإطلاع العالم على المأساة الحاصلة فيها.
وفي ما يأتي نص حديثه إلى وكالة فرانس برس:
سؤال: فاز فيلمك في مهرجان صندانس ورُشّح إلى الأوسكار. كيف تتلقون هذه النجاحات؟
جواب: “كنت أفضل ألا يكون هذا الفيلم موجوداً، وألا تكون ثمة حاجة لإنجازه، لكنّه أُنجز، وتكمن الأهمية تالياً في أن تتم مشاهدته على أوسع نطاق ممكن. أشعر وكأنني مدين بشيء ما لسكان ماريوبول، أريد ألا تُنسى قصصهم”.
“في البداية كانت هناك حاجة ملحة لأن نُظهر للعالم حجم الدمار، والوجه الحقيقي للغزو الروسي. لكن مع مرور الوقت، باتت ماريوبول رمزاً لكل المدن التي دمرتها القنابل الروسية، ورمزاً على نطاق أوسع للنتائج المدمرة للحروب على المدنيين”.
س: بعد مرور عامين على حصار ماريوبول، لا تزال الحرب مشتعلة. ما هو دور الصحافيين؟
ج: “ليس لدي أمل في تغيير العالم، وربما هذه ليست مهمتنا. لدينا دور مختلف وعاجل جداً. ما صوّرناه كانت له عواقب مباشرة عل مسائل كثيرة منها مثلا ما يتعلق بالتفاوض بشأن ممر إجلاء إنساني. هناك مَن رأوا أحباءهم في صورنا، وعلموا أنهم على قيد الحياة في مواقعهم بماريوبول. وإذا كانت صورنا قد ساعدت في إنقاذ عدد قليل من الأشخاص، فهذا إنجاز كبير أصلا”.
“في ماريوبول، كان السكان يتوجهون نحوي عندما يرون خوذتي التي تحمل شعار الصحافة، رغم القنابل التي كانت تسقط. كانوا يسألونني “هل لا تزال الحكومة قائمة؟ هل لا تزال أوكرانيا موجودة؟ ماذا يحدث في أوديسا؟ في خاركيف؟” كانوا منقطعين عن العالم والمجتمع منهار. أدركت مدى حاجة الناس إلى المعلومات. وهذا عزّز أملي في العمل الصحافي”.
س: نستشعر في فيلمك هوس النجاح في إرسال لقطاتك إلى الخارج.
ج: “نعم، كان هوساً. ففي 20 يوماً، لم أتمكن من إرسال سوى 40 دقيقة فقط من المشاهد من أصل 30 ساعة تصوير. كانت شبكة الانترنت شبه مقطوعة، لا بطاريات ولا أقراص صلبة… كان الأمر معقداً جداً. لذا عندما غادرنا ماريوبول، بات مشروع الفيلم ممكناً بطبيعة الحال”.
س: هل تعلم ماذا حدث للأشخاص الذين صوّرتهم؟
ج: “لقد وجدنا جميع مَن صوّرناهم تقريباً. هؤلاء الأشخاص يحملون مدينتهم في قلوبهم. لقد تحطمت حياتهم، إذ خسروا ابناً أو عزيزاً. أعتقد أن الفيلم هو أداة لهم يظهرون من خلالها ما مروا به لمَن لم يعيشوا هذه التجربة الرهيبة. مع هذا الفيلم، يمكنهم أن يقولوا للآخرين: هذا ما عشناه في ماريوبول، مع أنّ التجارب على أرض الواقع كانت أقسى! نحن لا نستطيع أن نصوّر الشعور عندما يكون الشخص محاصراً ويواجه الخطر والرعب”.
سؤال: ما كان شعورك عندما أجلاك الجيش الأوكراني من ماريوبول؟
ج “أنا لا أستخدم كلمة الذنب، لكنّ شعوراً ما انتابني أعتقد أنّ الجميع أحسوا به عند مغادرة ماريوبول، وهو عدم القدرة على فعل المزيد. قمت بإنجاز فيلم وكل شخص قدّم ما يستطيع عليه، بطريقته الخاصة”.