يوميات آخر الشهر

LOAY

اضحك للدنيا

لؤي زهرة

جزا‭ ‬الله‭ ‬السيد‭ ‬المحاسب‭ ‬خيرا؛‭ ‬فقد‭ ‬أخَّرَ‭ ‬رواتبنا‭ ‬بحجةِ‭ ‬أن‭ ‬المصرف‭ ‬جزاه‭ ‬الله‭ ‬خيرا‭ ‬لم‭ ‬يصرف‭ ‬صكَّ‭ ‬الرواتب‭ ‬بذريعة‭ ‬أن‭ ‬وزارة‭ ‬المالية‭ ‬جزاها‭ ‬الله‭ ‬عنا‭ ‬خير‭ ‬الجزاء‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تصرفهُ‭ …‬جزا‭ ‬الله‭ ‬الجميع‭ ‬خيراً‭ ‬وأبقاهم‭ ‬ذخرا‭ ‬لنا‭.‬

لم‭ ‬ينفع‭ ‬الدمع‭ ‬والبكاء‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬المؤلمة‭ ‬و‭ ‬تذكرتُ‭ ‬قول‭ ‬الحُطيئة‭ ‬

ﻣﺎذا‭ ‬أﻗﻮلُ‭ ‬ﻷﻓﺮاخ‭ ‬ٍ‭ ‬ﺑﺬي‭ ‬ﻣﺮخ‭ ‬ٍ‭ :: ‬زﻏﺐِ‭ ‬اﻟﺤﻮاﺻﻞ‭ ‬ﻻ‭ ‬ﻣﺎءٌ‭ ‬وﻻ‭ ‬ﺷﺠﺮُ

أﻟﻘﻴﺖَ‭ ‬ﻛﺎﺳﻴَﻬﻢ‭ ‬ﻓﻲ‭ ‬ﻗﻌﺮ‭ ‬ﻣﻈﻠﻤﺔٍ‭ :: ‬ﻓﺎﻏﻔﺮ‭ ‬ﻋﻠﻴﻚ‭ ‬ﺳﻼمُ‭ ‬اﻟﻠﻪ‭ ‬ﻳﺎ‭ ‬ﻋﻤﺮُ

كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬شئ‭ ‬يسد‭ ‬رمق‭ ‬اﻷطفال‭ ‬لذلك‭ ‬تخليتُ‭ ‬عن‭ ‬كبريائي‭ ‬وشموخي‭ ‬وعزمت‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬كسائق‭ ‬تاكسي‭ ‬في‭ ‬سيارتي‭ ‬الخصوصي‭ ‬وأسرعت‭ ‬بأجراءات‭  ‬اﻷجازة‭ ‬الزمنية‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬الدوام‭ ‬وتوكلت‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬كما‭ ‬يتوكل‭ ‬المتوكلون‭ : ‬يا‭ ‬فتاح‭ ‬يا‭ ‬رزاق‭ ‬ويا‭ ‬مقسم‭ ‬اﻷرزاق‭ ‬ارزقني‭ ‬من‭ ‬واسع‭ ‬رزقك‭ . ‬لم‭ ‬أنتهِ‭ ‬من‭ ‬الدعاء‭ ‬وأذا‭ ‬برجل‭ ‬عجوز‭ ‬يستوقفني‭ : ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬والشكر‭ ‬لك‭ ‬يا‭ ‬رب‭ ‬،‭ ‬صعد‭ ‬الرجل‭ ‬العجوز‭ ‬وهو‭ ‬يجر‭ ‬أنفاسه‭ ‬بصعوبةٍ‭ ‬بالغة‭ : ‬الى‭ ‬أين‭ ‬يا‭ ‬سيدي‭ ‬الكريم‭ ‬؟‭: ‬الى‭ ‬دائرة‭ ‬التقاعد‭ ‬ﻷستلام‭ ‬راتبي‭ ‬،‭ ‬قلت‭ ‬في‭ ‬نفسي‭: ‬يا‭ ‬الله‭ ! ‬صيد‭ ‬ثمين‭ ‬،‭ ‬فهذا‭ ‬الرجل‭ ‬العجوز‭ ‬بعد‭ ‬ساعة‭ ‬سيكون‭ ‬رجلا‭ ‬غنيا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يستلم‭ ‬راتبه‭ ‬التقاعدي‭ ‬وسيدفع‭ ‬لي‭ ‬ما‭ ‬شئت‭ ‬أنا‭ ‬وما‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬،كانت‭ ‬الأرقام‭ ‬تتقلبُ‭ ‬في‭ ‬رأسي‭ ‬أسرع‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬عداد‭ ‬،‭ ‬سأطلب‭ ‬خمسة‭ ‬أو‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف‭ ‬،‭ ‬على‭ ‬العموم‭ ‬لن‭ ‬أتخلى‭ ‬عن‭ ‬الخمسة‭ ‬آلاف‭ ‬على‭ ‬اقل‭ ‬تقدير‭ ‬،‭ ‬وبأسرع‭ ‬من‭ ‬اي‭ ‬حاسوب‭ ‬قسمت‭ ‬الخمسة‭ ‬الاف‭ ‬الى‭ ‬مشتريات‭ ‬‮«‬‭ ‬طماطة‭ ‬وبطاطا‭ ‬وبصل‭ ‬وصمون‭ ‬وعلبه‭ ‬سجائر‭ ‬أسبين‮»‬‭ ‬قطع‭ ‬أسلاك‭ ‬تفكيري‭ ‬صوت‭ ‬الرجل‭ ‬العجوز‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭ : ‬‮«‬‭ ‬والله‭ ‬عمي‭ ‬أستلم‭ ‬300‭ ‬الف‭ ‬كل‭ ‬شهرين‭ ‬و‭ ‬ما‭ ‬اعرف‭ ‬وين‭ ‬اوديها‭ ! ‬وساكن‭ ‬بيت‭ ‬تجاوز‭ ‬وعندي‭ ‬أطفال‭ ‬وأطفال‭ ‬ابني‭ ‬الله‭ ‬يرحمه‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬المشتكى‭ ‬الى‭ ‬الله‭ ‬وحدهُ‭ ‬،‭ ‬قطَّع‭ ‬كلام‭ ‬الرجل‭ ‬العجوز‭ ‬نياط‭ ‬قلبي‭ ‬ولو‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬أستلمت‭ ‬الراتب‭ ‬الشهري‭ ‬لتبرعت‭ ‬بجزء‭ ‬منهُ‭  ‬لهذا‭ ‬الرجل‭ ‬العجوز‭ ‬،‭ ‬وصلنا‭ ‬الى‭ ‬دائرة‭ ‬التقاعد‭ ‬فأخرج‭ ‬الفين‭ ‬دينار‭ ‬ليضعها‭ ‬في‭ ‬يدي‭ ‬مع‭ ‬كلمات‭ ‬اﻷعتذار‭ ‬لقلتها‭ .‬وهنا‭ ‬نبض‭ ‬العرق‭ ‬اﻷنساني‭ ‬‮«‬‭ ‬لعنهُ‭ ‬الله‭ ‬‮«‬في‭ ‬جبيني‭ ‬،‭ ‬قلت‭ ‬له‭ : ‬لا‭ ‬والله‭ ‬حجي‭ ‬خليها‭ ‬على‭ ‬حسابي‭ ‬ما‭ ‬تسوه‭ ‬؟‭ ‬وكنت‭ ‬أنتظر‭ ‬أن‭ ‬يرد‭ ‬مجاملتي‭ ‬بكلمات‭ ‬شكر‭ ‬ويدفع‭ ‬الالفين‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬الرجل‭ ‬فرح‭ ‬بمجاملتي‭ ‬وقال‭ ‬رحم‭ ‬الله‭ ‬والديك‭ ‬والله‭ ‬يكثر‭ ‬من‭ ‬أمثالك‭ ‬،‭ ‬نزل‭ ‬الرجل‭ ‬وأنا‭ ‬العن‭ ‬حظي‭ ‬الذي‭ ‬وضعَ‭ ‬بهذا‭ ‬الرجل‭ ‬العجوز‭ ‬في‭ ‬طريقي‭ ‬،‭ ‬قلت‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ : ‬علي‭ ‬أن‭ ‬أجتهد‭ ‬في‭ ‬عملي‭ ‬وان‭ ‬لا‭ ‬اقف‭ ‬الى‭ ‬الشيوخ‭ ‬وكبار‭ ‬السن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬،‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬السوداء‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬رأسي‭ ‬ولساني‭ ‬يتلو‭ ‬أدعية‭ ‬الرزق‭ ‬الحلال‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬الا‭ ‬لحظات‭ ‬وأذا‭ ‬برجل‭ ‬عليه‭ ‬علامات‭ ‬القدرة‭ ‬واﻷستطاعة‭ ‬يستوقفني‭ ‬وما‭ ‬أن‭ ‬نظرت‭ ‬اليه‭ ‬وأذا‭ ‬به‭ ‬صديقي‭ ‬‮«‬فرحان‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أستغرب‭ ‬عملي‭ ‬كسائق‭ ‬وقال‭ :‬هل‭ ‬تعمل‭ ‬سائقاً‭ ‬؟‭ ‬،‭ ‬طبعا‭ ‬أنكر‭ ‬البته‭ : ‬لا‭ ‬استاذ‭ ‬‮«‬‭ ‬فرحان‮»‬‭ ! ‬لكن‭ ‬أحببت‭ ‬أن‭ ‬اوصلك‭.‬،‭ ‬مشتاقلك‭ ‬،‭ ‬وبعد‭ ‬السلام‭ ‬والتحية‭ ‬اوصلته‭ ‬الى‭ ‬حيث‭ ‬يريد‭ ‬وعبارة‭ ‬الشكر‭ ‬واﻷمتنان‭ ‬هي‭ ‬أجرتي‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬ومعها‭ ‬‮«‬سوينا‭ ‬عليك‭ ‬زحمه‭ ‬‮«‬‭  ‬وطبعا‭ ‬قلت‭ ‬‮«‬‭ ‬لا‭ ‬والله‭ ‬كل‭ ‬زحمه‭ ‬ما‭ ‬كو‭ ‬وبخدمتك‭ ‬‮«‬‭ ‬قلت‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬يبدو‭ ‬ان‭ ‬رزقي‭ ‬لم‭ ‬يأتِ‭ ‬بعد‭ ! ‬وفتحت‭ ‬مسجل‭ ‬السيارة‭ ‬وأنا‭ ‬اترنم‭ ‬باغاني‭ ‬غزلان‭ ( ‬تريد‭ ‬حب‭ ‬،‭ ‬تريد‭ ‬بوسه‭ ‬،اني‭ ‬حاضر‭ ) ‬وأذا‭ ‬برجل‭ ‬ملتحي‭ ‬يستوقفني‭ ‬،صعد‭ ‬الرجل‭ ‬و‭ ‬عندما‭ ‬وصلنا‭ ‬الى‭ ‬حيث‭ ‬يريد‭ ‬قال‭ :- ‬عمي‭ ‬ما‭ ‬تستحي‭ ‬فاتح‭ ‬مسجل‭ ‬وأغاني‭ ‬نزلني‭ ‬هنا‭ ‬وحرام‭ ‬واحد‭ ‬ينطيك‭ ‬الأجره‭! ‬نزلني‭ ‬بالعجل‭ ! ‬لم‭ ‬يعطيني‭ ‬فرصة‭ ‬أن‭ ‬اقف‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬المخصص‭ ‬،‭ ‬نزل‭ ‬الرجل‭ ‬وهو‭ ‬يدعي‭ ‬علي‭ ‬بشرِّ‭ ‬دعاء‭ ‬،‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬نزل‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬،‭ ‬قلت‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬حسبي‭ ‬الله‭ ‬ونعم‭ ‬الوكيل‭ ‬وأذا‭ ‬بشرطي‭ ‬المرور‭ ‬على‭ ‬راسي‭ ‬يقطع‭ ‬وصل‭ ‬غرامة‭ ‬بثلاثين‭ ‬الف‭ ‬وانا‭ ‬امسح‭ ‬كلماته‭ ‬النابية‭ ‬بلحيتي‭ ‬وانا‭ ‬أستلم‭ ‬وصل‭ ‬الغرامة‭ … ‬عدت‭ ‬الى‭ ‬البيت‭ ‬ومؤشر‭ ‬البانزين‭ ‬يشير‭ ‬الى‭ ‬نفاذ‭ ‬الوقود‭ ‬في‭ ‬جولتي‭ ‬لكسب‭ ‬الرزق‭ … ‬شكرا‭ ‬للسيد‭ ‬المحاسب‭ ‬شكرا‭ ‬للمصرف‭ ‬المعتبر‭ ‬شكرا‭ ‬لوزارة‭ ‬المالية‭ ‬جزاكم‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬العباد‭ ‬والبلاد‭ ‬خير‭ ‬الجزاء‭ . ‬

مشاركة