يمضون ونبقى

يمضون ونبقى
براعم علي العكيدي بغداد
عندما انهى الدكتور محاضرته واغلق الكتاب وقال اراكم غدا، هممت بالخروج مسرعا من القاعة كي اذهب الى موقف السيارات مبكرا لعلي اصل الى البيت قبل الازدحام اليومي المعهود، وانا اجمع كتبي وارتبها قال لي صديقي عماد بصوت خافت الم تسمع اخر خبر؟ فقلت له ساخرا ماذا هناك هل سينسحبون الامريكان من العراق ام سيوزعون رواتب حسب البطاقة التموينية ؟فقال لي مبتسما شئ مرتبط بالاحتمال الاول وبعيد كل البعد عن الاحتمال الثاني فقلت له وانا امشي متجها نحو باب القاعة بالله عليك قل لي ما هو الخبر اريد ان اذهب الان وليس لديِّ وقت لمزاحك
فاجاب آسف ياصديقي لقد اخبروني الان ان عبوة ناسفة قد انفجرت على رتل امريكي والطريق الان مغلق تماما واذا اردت ان تصل الى البيت فسيكلفك ذلك على الاقل ثلاث ساعات في الطريق . بقيت صامتا ولم اقل شئ ومشينا سوية حتى باب الكلية فقال لي مابك هلهذا بسبب تاثير الخبر عليك ؟ على العموم انضر الى يمينك وتفائل ياصديقي . فادرت راسي فوجدت لافتة كبيرة مرسوم عليها جنود امريكان ومكتوب يمضون ونبقى فابتـــسمت ونضرت الـــيه فقال لي
هكذا اضحك صدقني سينتهي الاحتلال ويعود العراق للعراقيين وستنتهي الازدحامات وسنصل بيوتنا في اسرع وقت لكن الصبر ياصديقي الصبر مفتاح الفرج والله مع الصابرين سيمضون ونبقى باذن الله وبعدها ودعته وذهب كل منا الى طريقه وفي الطريق كنت افكر فيما يقوله لي عماد فهو على الرغم من ان والده قتل على يد الامريكان ورغم حالته الصعبة الا اني اجده متفائلا غارقا بالامل وكان يرى ان الاوضاع ستتحسن رغم انها تسوء يوما بعد يوم
وانا افكر فيه خطر في بالي قصيدة فكتبتها على غلاف الكتاب الذي كنت احمله وقررت ان اريها اياه غدا كي اسمع تعقيبه عليها
لقد استغرقت في طريقي الى البيت قرابة الثلاث ساعات او اقل بقليل حيث اني خرجت من الكلية الواحدة والنصف ووصلت الى البيت الساعة الرابعة وعشرون دقيقة كنت منهكاجدا فرميت الكتب وغرقت بنوم عميق حتى إني لم اتمكن من انهاء مادة الامتحان بل قرات شيئا قليل منها
وفي اليوم التالي صادفت عماد امام باب الكلية فدخلنا سوية وفي طريقنا الى القسم تناقشنا في موضوع الامتحان لاني كنت لم اقرا منه الا شئ قليل فشرح لي بعض المواضيع ثم قلت له
يبدو انني لم استطع ان احصل على درجة جيدة في امتحان اليوم لاني لم اقرأه البارحة
ولماذا لم تقراه ؟ اكيد كنت مشغولا مع اصداقائك على الفيس بوك
رجاءا عماد كفاك مزاحا تعلم جيدا اني لااجيد استخدام الانترنيت لكن البارحة وصلت متاخرا الى البيت ولم استطع قراءة شئ كله بسبب هؤلاء الاوغاد فما ذنبنا نحن ننتظر كل هذه الساعات
فقال لي وهو يضع يده على كتفي كن على يقين ياصديقي بانهم سيولون مدبرين وسيبقى العراق للعراقيين. ثم خرج خارج القاعه وبقيت انا لوحدي اراجع بعض الواضيع واذا بصوت هز المكان حيث تصاعدت سحب الدخان والكل صار يركض ويصرخ لم ارى امامي سوى اموات على الارض وكتب تحترق وطالبات وطلاب يبكون لايعلمون مالذي حدث واين يذهبون وماذا يفعلون فجاة اصبح النهار ليل أما عماد فأين هو ؟ لا أدري ، عماد صرت اصرخ وانا واقفا في مكاني ثم تقدمت الى الامام انضر في وجوه الـناس والاشلاء الملقاة على الارض لعلي اراه وبينما انا ماشيا ابحث عنه احسست بان قدمي قد وقعت على شئ ما نضرت واذا بها حقيبة عماد ، نعم انها هي حقيبته التي لاتفارق يده يحمل بها كتبه المنهجية وغير المنهجية، كان كالطالب المبتدء يحملها بيده اينما ذهب ركعت على الارض وامسكت بالحقيبة فرايت انها قد احترق بعضها اخذتها ورحت ابحث هنا وهناك اين عماد ؟
هاهي حقيبته اين هو ؟ او بالاصح اين جثته بقيت اصرخ حتى اغمي علي ولم افق على نفسي الا وانا في المستشفى كنت مصابا اصابة خفيفة بقدمي بقيت في المستشفى يوم واحد ثم عدت الى البيت لو اسال عن عماد ولم يقل لي احد اي شئ فالمسالة كانت واضحة وضوح الشمس عماد مات واكلت جثته النيران لم اكن على استعداد ان اعود الى الكلية بعد ان تحسنت حالتي فلم اتخيل القاعة بدون عماد ومزاحه وضله الخفيف كيف ستستمر الحياة بدون الامل الذي كان يحمله في شخصه وكيانه ؟
وبعد مدة وجيزة ذهبت الى الكلية وانا في الطريق رايت اللافتة التي طلب مني ان انضر اليها وهو يقول يمضون ونبقى وها هو اليوم قد مضي ولاتزال الدبابات والمدرعات الامريكية تجول في شوارع بغداد ولايزال رجل الامن الامريكي اعلى مستوى من المواطن العراقي ابن البلد .
لقد مضي عماد تاركا وراءه امال كبيرة بعودة العراق كما كان وذهاب المحتل . لقد مات عماد لكن ذكراه لم تمت في داخلي على الرغم من وحشة المكان اكملت طريقي في الدراسة في الكلية ونشرت قصيدة في مجلة الجامعة الطلابية اهديتها الى روح صديقي عماد الغالي وكل الشهداء العراقيين وسميتها يمضون ونبقى كان مضمونها
يمضون ونبقى
ام نمضي ويبقون
آه عليك ياعراق
يابلدي
ياقرة العيون
اعدائك على ارضك
واولادك بعيدا يتالمون
اين نجد مثلك بلدا
وهل لنا دفء سوى شمسك الحنون
اين اهلنا
اين طيبة ارضنا اين هم من كانوا ادمُعنا يمسحون
واذا بكينا قبلنا يبكون
آه عليك ياوطني
لن نتركك
لو ايدينا والاعناق يقطعون
قولوا لي يااهل ارضي
اجيبوني بالله عليكم وانا لكم ممنون
هل يمضون ونبقى
ام نمضي ويبقون …..


/7/2012 Issue 4250 – Date 14 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4250 التاريخ 14»7»2012
AZPPPL

مشاركة