كلام أبيض
يلعن أبو هل بلد – جليل وادي
( يلعن أبو هل بلد ) بهذه العبارة القاسية أنهت صبية لبنانية كلامها المنفعل لفضائية عربية، بينما كان دخان انفجار مرفأ بيروت يتصاعد من خلفها، وما كان لهذه الفتاة أن تصرخ بعلو صوتها لولا يأسها من امكانية الحياة الكريمة في بلد كل ما فيه جميل، لكن يهيمن عليه الفاسدون، والراهنون مصيره بيد الآخرين، وفوق هذا وذاك، ينتهي الأمر بالناس الى انفجار مهول يدمر نصف المدينة ويشرد أهلها ويخرب أسباب رزقهم. من المحزن جدا أن يدفعنا مثل هؤلاء الى لعن أوطاننا، مع ان حبها راسخ في وجداننا، الا ان المتراكم من الهم يجبرك على الصراخ بعبارات ما كنت لتتصور يوما لفظها.
لا أظن هذه العبارة بعيدة عن مئات الآلاف من الشباب الذين قذفتهم جامعاتنا الى الشارع ليواجهوا مصيرا مجهولا، وليضافوا الى كدس العاطلين الذي يتضخم عاما بعد آخر، وليظلوا عبئا مستديما على الآباء الذين قضوا أعمارهم على أمل أن يتبدد قلق المستقبل باستقرار أبنائهم وتأمين أرزاقهم، ما أشد الاحباط الذي يكابده الشباب وهم يغادرون بوابة الجامعة ليستقر بهم المطاف في ( مسطر العمّالة ).
وذاك الانكسار الذي نبصره في عيون فتياتنا الخريجات اللواتي حكم عليهن القدر بالسجن المؤبد بين جدران المنزل لا يخرجن منه الا لما هو طاريء، بينما حلمن باستقلال اقتصادي، يحررهن من قيود فرضتها ثقافة بائسة مازالت تحنط المرأة ولا تستسيغ عملها الا في مؤسسات الدولة، ثقافة متخلفة يتعذر معها على المرأة أن تتمتع بحرية اختيار العمل وممارسته باسترخاء بعيدا عن الضغوط التي تعرفون.
ضئيلة جدا او تكاد تنعدم فرص العمل المناسبة للخريجين في القطاع الخاص، اما الذين توفرت لهم هذه الفرصة، فلا يحصلون منها سوى على أجر يندى له الجبين ، تخيلوا : بعض الخريجين يعملون بأجر قدره خمسة آلاف دينار، ولأصحاب العمل أعذار شتى لهذا الأجر المتدني، منها ما هو مقبول والاخرى توضع في خانة الاستغلال، وهكذا تهدر الكرامات، عندما تضطرك الظروف للعمل بأجر بخس. ولا أخطر على البلاد من الشعور بالانكسار والمهانة.
ليس خافيا عجز الحكومة عن ايجاد فرص عمل للشباب، فهي تعاني بالأصل من ترهل في جهازها الاداري، وتنتظر رحمة أسواق النفط لتأمين رواتب موظفيها، فقوت الناس مرهون بهذه الأسواق صعودا وهبوطا، القرار بيد الآخرين، ولا نملك القدرة على التحكم به، وهذا هو حال الدول الريعية الفاشلة التي لم تتمكن من تنويع مصادر دخلها مع انه بديهية في العمل السياسي.
أما القطاع الخاص فليس هناك من ارادة مخلصة لتفعيله، مع انه المنقذ لحالنا، وكيف لهذا القطاع أن يعمل، وللاستثمار أن يُقبل، وأصحاب النفوذ والسطوة والسلاح واقفين له بالمرصاد، فيشد أصحاب رؤوس الأموال رحالهم الى حيث الأمن والاستقرار في دول تعمل بالأصل على ادامة الفوضى في بلادنا، ويدير المستثمرون لنا الظهر، مع ان لعابهم يسيل لسوقنا المغري والواعد.
لا اقول جديدا عندما أتحدث عن تداعيات بطالة الشباب نفسيا واجتماعيا وأمنيا، ولا يمكننا التهوين منها، او التقليل من خطورتها، فليس من المنطق أن يتساءل البعض عن أسباب الجريمة والانحراف والانضمام الى الخارجين عن القانون والانضواء ضمن التنظيمات الارهابية، واتساع ظاهرة الطلاق والعزوف عن الزواج وشيوع العنف الاسري وكثرة حالات الانتحار والعلاقات الاجتماعية المتشنجة وغيرها، فهي حصيلة طبيعية لشباب بلا عمل او قل بلا أمل، هذه التداعيات بدأت تظهر الى السطح، ما يعني ان الغاطس أعظم، ولابد من حلول عاجلة لمأساة الخريجين، فهم الأجدر بالاهتمام تقديرا لشهاداتهم العلمية، كيف نؤمن لهم مصروف الجيب على أقل تقدير ؟، قبل أن يلعنوا بلدهم كما لعنته البيروتية.
jwhj1963@yahoo.com