يد إبن مقلة

يد إبن مقلة
بانت يميني يا حياة فبيني
فأنا غريق في بحار شجوني
كالجدول الرقراق يقطع ماءه
ويكف بلبله عن التلحين
ما لذتي في العيش قد قطعوا يدي
ومن الكتابة بعدها حرموني
وبها كتبت كريم قرآن بدت
آياته كالجوهر المكنون

في هذه الابيات رثى ابن مقلة يده التي قطعت في سبيل الحق ، قطعت ليس لانه لص سرق من مال العام او اغتصب ارضا او سرق يتيما … لا ، بل قطعت بسبب وشاية الواشين ، وقسوة الحاكمين عقابا لانه قال كلمة صدق وكلمة حق ، فما اكثر عقوبة تعاقب بها شخص ؟ اقسى العقوبات هي ان تحرمه من هوايته وتكبل علمه ، يرى النور امامه وهو في ظلام دامس ، يرى الحرية تبعد عنه امتار معدودة وهو مكبل .
ولد ابن مقلة سنة 272هـ/ 886 م وتوفي سنة 328 هـ / 939 م …. خطاط عربي ، وهو اشهر الخطاطين العرب ، واضع خط الثلث ، وواضع اصول الخط ، من كتبه الشهيرة (جمل الخط) ، ورسالته المشهورة (رسالة الوزير ابن مقلة في علم الخط) ، تولى الوزارة ثلاث مرات لثلاث خلفاء عباسيين هم المقتدر بالله والقاهر بالله والراضي بالله ، ثم وشي به فقطع الراضي يده ورماها في نهر دجلة ، فرثاها بمرثيته الشهيرة ، لكنه واصل عطائه ونتاجه ولم يتوقف …. قيل انه بدأ يكتب بيده اليسرى وكانت يسراه اروع من اليمنى وقيل كان يربط القلم على ساعده وهو يكتب ، لم يكتف الحاكم بهذا بل زج به في السجن وقطع لسانه وكان يوجد في السجن جب ، كان يسحب الدلو بيده وفمه ليستسقي الماء حتى توفي، ومن الطرائف التي صادفت حياته انه تقلد الوزارة ثلاث مرات لثلاثة خلفاء وسافر ثلاث مرات وسرق داره ثلاث مرات ودفن ثلاث مرات حيث انه دفن اول مرة في دار السطان ثم حمل فدفن في داره ومن ثم اخرج فدفن في مكان اخر .
يبقى ابن مقلة في ذكرانا ويبقى رمزا تتفاخر به الامة العربية ، لم يستطع الحاكم كبحه والتقليل من شأنه بل زاده رفعة ومكانة في القلوب واصبح رمزا تتغنى به الشعوب العربية وتتفاخر به ، ولم يعد ذكر للسلطان وجبروته ، لان السلطان ليس في الحكم ولا في الاستبداد لكن السلطان في العلم والانتاج ، الامة تحتاج الى اقلام ولا تحتاج الى السياط ، لا نرتقي بالسياط والجلاوزة ، هذه الادواة هدامة للمجتمع .
اكثر السلاطين يريدون ان يطفئوا شمس العلم وشمس الثقافات ويدعون ابناء شعبهم للتخلف رغم شعاراتهم وأهازيجهم للنهوض بالمستوى الثقافي ، نرى عالم يقتل هنا واخر يهجر هناك ، عالم فقير يبحث عن لقمة عيش واخر قابع في غياهب السجون والظلم والتعسف ، لكن الامة التي تنتج العلماء لا تموت ، امتنا العربية باقية وتزدهر كل يوم ليس بفضل السلاطين بل بفضل ما تنتجه من علماء ومثقفين وشعراء وادباء ، كلهم بناء للمجتمع لذا كتب على امتنا ان لا تموت وتبقى خالدة الى ما شاء الله .
تكلمت بشكل يسير عن حياة ابن مقلة العالم الوزير ، والغرض من مقالتي هذه هو دعوة المثقفين لعدم ترك ثقافتهم وعلمهم بسبب ما يحدث لنا الان في جميع الاقطار العربية ، مهما كانت الظروف علينا ان نكون كأبن مقلة ، لا نكون كعالي الاشجار التي تهتز مع ابسط الرياح وتقلبها ذات اليمين وذات الشمال حيث يصفها المتنبي.
ان الرياح اذا اشتد عواصفها.. فما تضر سوى العالي من الشجر.
سيف شمس الدين الالوسي
AZPPPL

مشاركة