يا أول التيه – وجيه عباس

يا أول التيه – وجيه عباس

جعلتُ في التيه من بعضي عصاً ويداً

وفوق ظهري ألواحٌ وألواحُ

وقلت ياوطناً حتى أودِّعُهُ

فغاب أهلوه عني حينما لاحوا

وكنت أحملُ فيهم وردتي قبساً

وصوتُها خطوتي، والنايُ مصباحُ

حتى تعثّرت بالموتى، وواحدُهم

مابين عينيك قتّالٌ وذبّاحُ

*****

ياأول التيه في الستين يحملني

الشيب ساريتي والريح ملّاحُ

البحرُ خلفي، وصوتُ الماء يصرخُ بي

أفقْ، فدونك أحلامٌ وأشباحُ

توزّعتكَ وجوهٌ فوقَ لوحتِهِ

ياكلَّما سكنت أمواجُهُ:صاحوا

يا أنتَ وحدَكَ من قامتْ قيامتُهُ

كأنما برزخٌ، يُطوى وينداحُ

حتى المرايا بها عُميٌ، وأعينُها

دون الترابِ، وأهدابي لها ساحُ

توزّعتني وجوهٌ لستُ أعرفُها

متنٌ وهامشُهُ في الغيبِ شُرّاحُ

أصابعي والغيابُ البابَ أوصدَها

ودون ظلي أبوابٌ…. ومفتاحُ

*****

أقولُ للقلب لاتحزنْ، ويحزنُني

اني أنوءُ به حِملاً، ويرتاحُ!

دارت بك الأرضُ مادارتْ، ولاوقفتْ

متى تؤوبُ؟ متى تغفو وترتاحُ!؟

لاقبلةً، ورحالي دونها سَفَرٌ

أقمتَ وجهَكَ والباقون سوّاحُ

توزّعتْكَ جنوباتٌ وأزمنةٌ

ولاتزالُ جنوباً، والمدى ساحُ

ولاتزالُ كعهدي فيك من ظمأٍ

كأن كوثرَكَ الظامي له راحُ

أدرتَ وجهَكَ عني واستطلتَ به

كأنني فيكَ من شكواي ملحاحُ!

ويدَّعيني بما أنكرتُ قافيةً

وأدَّعيهِ صحيحاً وهو إصحاح!

ما أُنكرتْ فيكَ، والبلوى قسيمتُنا

إن الخساراتِ في كفيك أرباحُ

أَلُمُّ ذنبَكَ لم أفضحٰ غوايتَهُ

وبين عُمي المرايا أنتَ  فضّاحُ

لاأكتمنَّكَ أوجاعي، وأنكرُها

إني بما قلتُ في الحالين صدّاحُ

*****

وياصبوراً على البلوى منادمةً

كأن أوجاعَها في الصدر أرماحُ

وواقفاً وحدَهُ، والظلُّ دارَ به

ماضرَّهُ فيه إمساءٌ وإصباحُ

وماطراً غيمَهُ الفيروزَ أغنيةَ

حتى كأنَّ الأغاني فيه أقداحُ

معلّقاً بالثريا، والسماءُ له

ثوبٌ، وزرقتُها عرسٌ وأفراحُ

وجندُهُ الغيمُ يرعاهُ ويمطرُهُ

مرعى الخيال، فغادٍ فيه روّاحُ

فمن عليكَ سطا؟ حتى نماك به

القدّاحُ والتينُ، والتفاحُ فلّاحُ

ومن تسوَْرَ بابَ القلبِ فانشعبتْ

أصابعٌ ، وصداها فيك نوّاحُ

مازال يتبعُكَ الماضي وحاضرُهُ

كلاهما فيك لعّانٌ ونبّاحُ

وماتلفتَّ.. لم تعبأ بنابحةٍ

وأنت دونهما في الغيب منّاحُ

أسلتَ من دمك الزاكي ندىً لهما

حتى كأنك فيما جئت: مدّاحُ

يغنيك مافيكَ أن الصبرَ نافذةٌ

وملءُ ثوبك أحزانٌ وأتراحُ

******

تعثّرتْ فيكَ بالمرآة أعينُهُ

وانت كالظلِّ تدنيهِ، وتنزاحُ

أأنتَ…؟أعرفني، لكنني شَبَهٌ

الطفلُ ضيَّعَهُ في الشيبِ مسباحُ

وكان يركضُ…. لكن أوقفته يدٌ

وكادَ يرقدُ… لولا أنهم ناحوا

وحين نامَ، مشت في عمرِهِ قدمٌ

والموتُ وقفٌ على عينيهِ لوّاحُ

ماذا تريدُ من الموتى وتوقظُهم؟!

وليس فيهم عماليقٌ وأقحاحُ

القبرُ روضةُ اطفالٍ وزقزقةٍ

وللعصافيرِ يامسكين أرواحُ

مشاركة