و بشّر الصابرين
إذا الشعب يوماً ..
مرت قبل ايام قليلة ذكرى ثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي قام بها الشعب المصري ضد رئيس النظام المخلوع وقد حكم البلاد ثلاثة عقود واستطاع ترسيخ حكمه الا ان ارادة الشعب المصري كانت اقوى وقد رابط المتظاهرون المطالبون برحيله وانهاء حكم الاستبداد في ميدان التحرير دون جزع أو تردد رغم المحاولات العديدة من قبل النظام أنهاء ذلك الاعتصام وتفريق المتظاهرين، وباءت كل المحاولات بالفشل وقد كانت لحادثة الجمال التي ارسلها النظام واخترقت ميدان التحرير من بعض البلطجية واستخدام السلاح الابيض وطعن بعض المتظاهرين من اجل ارهابهم وحملهم فما زادهم الا ثباتاً فقد اعتمد المتظاهرون على شعار مدني واحد (ارحل) وعندما ارسل رئيس النظام رئيس جهاز مخابراته ويعتبر الرجل القوى والاكثر صرامة من بعده السيد عمر سليمان الى التحاور مع المتظاهرين كان الجواب واحداً هو ضرورة اسقاط النظام ورحيله وكذلك الحال في بقية المحافظات حيث امتدت لتشمل اغلب محافظات الجمهورية وأخيراً كان لهم ما ارادوا والحال كذلك في بلاد الرافدين حيث خرجت تظاهرات في عام 2011 مطالبة بالتغيير على خلفية الفساد المستشري في مفاصل الدولة وألانفلات الامني وسطوة المليشيات ألا ان الحكومة انذاك جابهتها بأستخدام القوة مما ادى الى سقوط عدد من القتلى والجرحى وأعتقال آخرين رغم ان الدستور الحالي كفل حرية التظاهر السلمي وانهم يحترمون الدستور ويقدسونه وعادت التظاهرات في العام الماضي مطالبة رئيس الحكومة الحالي تبني خيار ألاصلاح خصوصاً بعد اعلان الحكومة عزمها أعلان حالة التقشف وتخفيض الرواتب والأجور ومطالبة الحكومة الشعب بشد الاحزمة على البطون لمواجهة الازمة المالية الخانقة الناجمة عن انخفاض اسعار النفط العالمية وحجم السرقات من قبل المسؤولين التي بلغت عشرات المليارات من الدولارات ورفع بعض المتظاهرين شعاراً (نريد دولة مدنية) بينما راح آخرون يرفعون شعرات دينية ذات بعد تاريخي يستلهمون من ارث الماضي مثل(تعلمت من الحسين كيف اكون مظلوماً فأنتصر) الا ان الوقائع اثبتت بما لا يقبل الشك انهم لم يتعلموا شيئاُ من تلك الثورة العظيمة؛ نعم قد تعلم منها آخرون من غير المسلمين مثل (المهاتما غاندي) رغم ان التظاهرات كانت في شهري محرم وصفر حيث تاريخ استشهاد أبي الاحرار في العاشر من شهر محرم وكان المفروض ان يعطي تلك التظاهرات زخماً حقيقاً من اجل انتزاع حقوقهم المسلوبة بيد حفنة من الفاسدين ولكن الواقع يدل ان روح الثورة لم تتشرب نفوس من ادعى بأنه تعلم شيئاً منها بل بقيت مجرد كلمات تتردد على الشفاه فقط دون ان تخالط بشاشة القلوب لتصنع منها مجداً وعنفوناً ولكي يثبتوا للعالم بأنهم فعلاً استمدوا من تلك الثورة قيمها النبيلة وروحها ألاصيل قولاً وفعلاً وفي ذات البلد الذي استشهد على ثراه وسالت دماؤه الزكية وصار فيما بعد مناراً للحق ضد الفساد والأنحراف والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا نجحت ثورة 25 يناير في مصر وفشلت في بلادنا؟ ربما يقول البعض ان محاولات التضييق وقطع الطرق ومنع مكبرات الصوت واعتقال بعض الناشطين واستخدام القوة ضدهم وأخذ تعهدات بعدم المشاركة مستقبلاً ناهيك عن عدم معرفة مصير احد الناشطين الذي اخُتطف منذ قرابة خمس شهور، تلك الأجراءات التي ابعدت المتظاهرين وجعلتهم يتوارون ويتقاعسون عن ألاستمرارية مع أنهم كانوا يرددون أبيات شعرية لأبي القاسم الشابي يقول فيها (أذا الشعب يوماً اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر) وقد خيبوا ظن الشاعر فأما أنهم ارادوا حياة الذل والاستكانة أو ان القدر وقف في وجه تطلعاتهم فلو كانوا يحملون جزءاً من اصرار أشقائهم في مصر العروبة لما انتهت تلك التظاهرات ووصلت الى هذا المستوى الهزيل وانا على يقين ان ساسة المنطقة الخضراء لم يشعروا بجدية القلق من تلك التظاهرات لأنهم يعلمون ان الشعارات لم تنطلق من اعماق نفوسهم بل هي مجرد حضور أسبوعي ناهيك عن تثبيط عزيمتهم من قبل أقرانهم آلاخرين الذين يرون ان لا جدوى منها ولا طائل.
ولا أدري كيف يمكن لمن يراهن على تحرير كل شبر من أرض العراق يخشى الاستهداف، وهل عجزت القوات الامنية بكل ما تملك من قوة لتأمين تظاهرات في ساحة التحرير لا تتجاوز مساحتها بضع مئات من الامتار! وكذا الحال بالنسبة للمحافظات الأخرى، أنها مفارقة غريبة! أذن كيف أستطاعت القوات الامنية متفاخرة بتأمين حشود الزائرين بعشرون مليون وستة اخرى من خارج البلاد، ثم هل لمن كان يؤمن بثورة عظيمة قادها أبي الاحرار ويعتبره نبراساً ورمزاً ان يتهاون من مساندة أقرانهم المطالبين بأزاحة حفنة من الفاسدين والمارقين عرباً وكرداً وجعلوا العراق الذي كان بلداً دائناً الى مستدين يستجدي القروض والمنح تحت شروط قاسية ومجحفة وهاهي احد اعضاء البرلمان تصرح الى وسائل الاعلام عن أن الاموال المنهوبة تقدر بحدود 312 مليار دولار على مدى عقد من الزمن انها لم تحدد لنا هل في الرقم المذكور كسور عشرية وما دقة هذا الرقم ومن زودها بهذه الارقام؟ وأن كانت دقيقة يعني ان لصوص المنطقة الخضراء سرقوا ثلث واردات النفط في جيوبهم! وعلى العموم فالتظاهرات ما كانت لتستمر وتؤتي أُكلها لأنها رفعت شعاراً ولم تؤمن به رغم توقع بعض الناشطين ان التظاهرات ستعود الى قوتها في الاسابيع القادمة. وستكون هناك ثورة الجياع واشك في ذلك لأنها لا تحمل شعاراً جوهرياً فلو صدقت وحققت اهدافها لكانت خالفت السنن الكونية ولحدث ارتداد عقائدي ولا يمكن ان تثمر أبداً فالباري عز وجل سّير هذا الكون وفق النواميس المعتادة دون خوارق وهو القائل عز وجل في كتابه العزيز (ولن تجد لسنة الله تحويلا) فهنيأً لشعب الكنانة ثمرة جهوده وصبره واصراره على ازاحة الفاسدين وأيمانهم العميق بأن ارادة الحياة تتحقق بشعارات نابعة من القلب والضمير والوجدان وللحديث بقية.
ناطق العزاوي – بغداد