ويوم يعض الظالم على يديـه

ويوم يعض الظالم على يديـه
اختلف الناس وتقاطعوا في تشخيص أسباب ظلم الإنسان لأخيه الإنسان. فمِن قائلٍ أن سببَ الظلم مرضٌ نفساني يصيب الإنسان منذ نعومة أظفاره نتيجةَ معاناته من إيذاء الآخرين وظلمهم له وانتقاص حقوقه أو الاستحواذ عليها، وكذلك ربما تعرّضه للأهوال وأسباب الدمار. ومن الناس مَنْ يعزو الظلم إلى أسباب غريزية في نفس كل إنسان منذ ولادته ولا يمكنه التخلص منها أو العدول عنها إلا بالتعلّم والتأدّب والتخلّق بأخلاق الدين ومخافة الله والعمل بطاعته ومجانبة نواهيه من أجل معاملة الآخرين بالشفقة والرحمة والإحسان. وليس أصدق وأدلّ على هذا الرأي من قول الشاعِر العربي الكبير أبي الطيب المتنبي، حيث قرَّر:
والظلمُ من شِيَـمِ النفوسِ، فإنْ تَجِدْ
ذا عِفَّـةٍ ، فَلِعِلَّـةٍ لا يَظلُـمُ
والظلمُ نوعان: ظلمُ النفس، أي يظلم الإنسان نفسه وقد نهى اللهُ سبحانه عنه، وظلم الآخرين وهو مخالفٌ لتقوى الله وإنَّ عاقبته البوار والدمار للظالم ولأولاده وأحفاده من بعده حيث أن النبي الكريم قال: (مَنْ خافَ على عِقبه وعِقب عِقبه، فليتقِ الله). فهو الظلم الذي على الإنسان أنْ يتقيه بتقوى الله والعمل بأوامره والابتعاد عن نواهيه، فقد قال سبحانه في محكم كتابه: (فقطعَ دابِرَ القومِ الذينَ ظلموا) الأنعام 45 وكذلكَ صرح ربُّ العِزةِ والجلال في دستوره العظيم ومحكم كتابه الكريم: (ويومَ يعضُّ الظالمُ على يديه …) الفرقان 27 و(إنَّ الذين كفروا وظلموا لم يكن اللهُ ليغفرَ لهم …) النساء 168 . وقد شبَّه نبيُّ الرحمة وإمامُ الهدى والحكمة ظلم الإنسان لأخيه الإنسان بظلمات يوم القيامة حينما قال: (الظلمُ ظلمات يوم القيامة) مروج الذهب 3/36 وأوصى بالمحبة والعطف والرحمة لأنَّ شعار الإسلام شعارُ سلام وأنْ (لا إكراهَ في الدين) .
وكثيراً ما كان الإمام علي عليه السلام يوصي مقاتلته وقوّاده بقوله: (إذا وصلتم إلى رِحال قوم، فلا تهتكوا ستراً ولا تُجهزوا على جريح ولا تكشفوا عورة ولا تدخلوا داراً إلا بإذن ولا تأخذوا شيئاً من أموالهم ولا تهيجوا امرأةً بأذى وإنْ شتمنَ أعراضكم وسببن أُمرائكم) النهج /العتبة العلوية ص399 .
إنَّ تاريخنا العربي ناصعُ الصفحات ومُشرق الجوانب في:الكرم والنخوة والشجاعة والبلاغة وحُسن البيان والشِعر واللغة وباقي الفنون الأخرى، ولكن يمكنني القول إنه تاريخٌ أسود وأيامه مظلمة كظلمات يوم القيامة لظلم الناس بعضهم بعضاً حتى أن الذي يستعرض التاريخ بعقل وافر وبصيرة نافذة، يجد من المصائب والآلام وقتل النفس التي حرّم الله دون حق ولا جريرة ما يعجز عن استيعابه. فالعدل مفقود في تاريخنا القديم والمعاصر والظلم بكل أصنافه وسِماته متحقق على الرغم من كثرة الآيات في كتاب الله العزيز التي حذّرتْ الناس وأوعدتهم النار ورغّبتهم بالجنة إنْ هم ابتعدوا عن ظلم الناس والتي أحصيتها فوجدتها (289) آية شملتْ كل أصناف الظلم والعدوان مما دعا رسول الله (ص) إلى أن يشبّه الظلم بظلمات يوم القيامة (ومَنْ يفعـل ذلكَ عدوانـاً وظلمـاً فسوفَ نصليهِ نـاراً) النساء 30 . وما أن انقضى عصر الخلفاء الراشدين حتى تسلّط الأمويون وظلموا الناس ظلماً لا يرضاه الإسلام ولا يقرُّ به، ولم يكتفوا بظلمهم عباد الله واستبدادهم بأمور الدولة ومصائر الناس وإنما تعمدوا إلى أن يسلّطوا عليهم مَنْ هو أكثر منهم ظلماً مثل زياد بن أبيه الذي سجّل عنه التاريخ أنه أول مَنْ دفن الناس وهم أحياء بعد تعذيبهم وسلِّ أظافرهم وشرح أجسادهم. أما ولده الظالم الشرير عبيد الله بن زياد، فقد سار على خطا أبيه في العدوان والجور والقتل.
ولم يكتفِ بقتل سيد شباب أهل الجنة وسبي عياله وحرق خيامه وإنما تحدثنا الصفحات السود من تاريخه بأنه كان يقتل الرجل البريء بأن يرميه من شاهق ليموت ثم (يبعث برأسه إلى أبنته الصبية، فإذا جاءتْ تطلب جثة أبيها لتدفنها، أمر بالابنة فقتلتْ) أنساب الأشراف 5/89.
ومن الجلاوزة الظالمين والقساة الطاغين الذين سلّطهم يزيد وعامله على الكوفة الخبيث عبيد الله بن زياد، شمر بن ذي الجوشن وشبث بن ربعي ومن لفَّ لفهم من الظلمة حيث طال إجرامهم وظلمهم الإمام الحسين عليه السلام فعدوا عليه وقتلوه واحتزّوا رأسه الشريف ونهبوا خيامه وسبوا عياله ومنعوهم الماء حتى عضَّ الظالم شبث بن ربعي على يديه وقال: (ألا تعجبون؟! إنا قاتلنا مع علي بن أبي طالب آلَ أبي سفيان خمس سنين، ثم عدونا على ابنه – وهو خير أهل الأرض – نقاتله مع آل معاوية وابن سميّة الزانية؟! ضلالٌ يا لكَ من ضلال!) ابن الأثير 4/68.
ولا يمكن أن ينسى المتتبّع والقارئ الفاحص ما نقله الرواة والتاريخيون عن الظلم المقيت والعدوان السافر والبغي المُتعمَّد الذي انتهجه الحجّاج بن يوسف الثقفي الذي (قتل ما يزيد على ألف ألف إنسان لا ذنب لهم سوى أنهم من أتباع أو من محبي آل بيت النبوة ومعدن الرسالة.
وسلك نفس ذلك المسلك خلفاء بني العباس ومن والاهم من العمال والأمراء، فسلّطوهم على رقاب الناس ليقتلوا ويذبحوا ما لذَّ لهم وطاب حتى كانوا يسمّرون الناس في الجدران ويبنوا عليهم الحيطان. ولكن، ما هي العواقب التي تنتظر الظالمين العدوانيين المتجبّرين؟ إنهم قتلوا جميعاً وقُتل أبناؤهم وهلك نسلهم وصاروا إلى مزبلة التاريخ الذي لم يُكتبْ إلا بصفحات سوداء مظلمة وهو الأمر الذي بشّر به كتاب الله الكريم بقوله سبحانه: (وأخذَتِ الذينَ ظلموا الصيحةُ فأصبحوا في ديارِهِم جاثمين) هود 94 و(ولنْ ينفعَكم اليومَ إذْ ظلمتم أنكم في العذابِ مُشرَكون) الزخرف 39 .
محمد حسين علاّوي غيـبي – بغداد
/4/2012 Issue 4178 – Date 19 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4178 التاريخ 19»4»2012
AZPPPL

مشاركة