نقرأ في مقدمة البيان رقم (1) لثورة 14 تموز 1958
أيها الشعب العراقي العظيم
( لقد تم بعون الله القضاء على الزمرة الفاسدة التي نصبها الاستعمار …)
وكأن التاريخ اليوم يعيد نفسه حيث اقتربت لحظة الحسم لحظة الخلاص من الزمرة السياسية الفاسدة التي عاثت في البلاد فساد
يا أبناء الشعب العراقي العظيم :
أن فوز المشروع الوطني هو إعلان خلاصكم من الزمرة السياسية الباغية التي نصبها المحتل وجاء بها التوافق (الأمريكي الإيراني) إلى هرم السلطة .
أيها الغيارى .. انتصروا لعراقكم الحبيب فلقد اقتربت ساعة الخلاص لتحول الظلام إلى نور والشر إلى خير ، والظلم إلى عدل ومساواة أن اختـيارنـا المـشروع الوطـني .. سيواجه نقيضة الفساد السياسي وهو أبو الفسادات ، وهذا المشروع لم يفر برضا الأمريكان ولا الطبقة السياسية الحاكمة في العراق فهم لايقرون بحق الشعب بالتمتع بموارده ومقدراته لقد أخطأت الطبقة السياسية الحاكمة وظللت الشعب بأن لا خيار أمامنا ،وقدرنا طالما أننا اخترنا الحرية والديمقراطية علينا ان نرضى بالمستعمر، وان العروبة والمقاومة مع الاستبداد. وتأتي مصر مثالا يسقط أكذوبة الحاكم الجديد الأتي على صهوة المستعمر وبين تلك المفاهيم والأفكار ، وبين الصراعات التوسعية والفراغات الحضارية وبين الثقافات السلفية والحديثة ، ومن معاناة الشعب وما لحق به من ظلم وقتل وتهجير وفقر سببته الطبقة السياسية الحاكمة وتدخلات الدول الإقليمية الطامعة بالعراق ، طيلة العشر سنوات الماضية فعناصر هذه الطبقة هم من الحاقدين على الحياة العامة والخاصة ، جاءت لتصب غضبها وحقدها على حياة العراقيين ، فهذه العناصر هم أصحاب المصالح الشخصية والنفعية والذاتية ، أصحاب الأحزاب الطائفية والفئوية الضيقة .. ووسط هذه الظروف الصعبة ولد المشروع الوطني .. فهو الضرورة التاريخية التي لا تختلف شيء عن المسؤولية التاريخية وهي تعبير عن معركة العراق في التوحد والتحرر والانعتاق ومقاومة المشروع (الصهيوني الأمريكي الغربي) الباغي عادة تفتيت العراق والأمة إلى دويلات طوائف ودكاكين إمارات تتقاتل فيما بينها نيابة عن الأخر (إيران، تركيا ، السعودية). من هنا تأخذ هذه الدورة الانتخابية للبرلمان في العراق أهمية خاصة لأنها ستكون مفصلية في العملية السياسية ، ويجب أن تسبقها ثقافة تعبوية تحقق التزاما بالمبادئ العليا ذودا عن الشعب امن اجل بناء نظام الحكم الديمقراطي الحقيقي في العراق ، بتحرير العراق من كل أشكال الاستعمار والنظام الفاشستي الطائفي البغيض .
إن الوعي الشعبي الناتج عن هذه التجربة المريرة سيؤدي حتما الى :
1- اختيار المرشحين وفق أسس واقعية ووطنية
2- سيكون الفوز لذوي السجايا النبيلة الذين لا يطلبون الا المودة بالشعب في حاكم رشيد يضمن حقوق كل العراقيين ويحافظ على مقدراتهم ويكون رمزا حقيقيا لوحدتهم الوطنية
3- أهمية هذه الدورة الانتخابية تكمن أيضا بأنها ستواجه تحديات تاريخية في مقدمتها إعادة النظر في الدستور .. هذا الدستور الذي فيه المساحات الفراغ في مواده ، وعدم وضوح في النصوص الدستورية التي تحدد شكل الحكم وطبيعة النظام ، والتي استغلت من قبل الحاكم حيث فجر في ضلالها النزاعات الطائفية والاثنية بشكل متعمد من اجل انفراد حزبه في السلطة وتهميش الآخرين .
وان فشلنا لا سامح الله يدخل العراق والمنطقة في حروب أهلية تحت عنوان الحروب الدينية والطائفية والاثنية ، وهذا ما يلوح به رئيس مجلس الحكومة بين الحين والأخر ويهدد الشعب به .
من هنا نفهم بأن المعركة الانتخابية البرلمانية هي معركة العراق وفوز المشروع الوطني سيكون حتميا إن شاء الله وسيلد عراقا موحد الخيارات وان ربحنا معركة العراق المبنية على رهانها الانتخابات سيضع الطبقة السياسية الحاكمة في العراق وجه لوجه مع قدره المحتوم ويلقي بها في مزابل التاريخ .
خالد محسن الروضان – بغداد
. م�2��@i �Y يت الله الحرام وذلكَ كافٍ لتجد أن بيوتهم تمتلئ بعد ساعاتٍ قليلة بالضيوف والمهنئين من كل صوب، وكثيرةٌ هي الأسر التي كانت تتسابقُ في شغلِ مساحة من الجدارِ الكريم قبل أن تغطيه المناسبات الأخرى وتسرق منه الاهتمامَ وحظ المباركة العاجل.
مدينةُ الجدار لم يكن لها سماء تشوبها غيوم تعكر صفو بال ساكنيها، فالسماءُ كانت راضية عنهم، كانوا يلتحفون بها ويفترشونَ أرضهم مطمئنين آمنين، فيها الأفراح مشتركة يتشاركُ فيها صاحب الدار والجار وجار الجار وضيف الجار! وتكونُ الزغاريدُ إعلاناً رسمياً بالفرح ودَيناً يرده كل دارٍ للآخر.
حتى توفي طفلٌ رضيع دون سبب معلوم ولكثرة نحيب والدته وحرقة قلبها عليه راحت تعلقُ نعيه في قماش اسود على جدار المدينة ليعرفَ كل من يمر بقربه بموتِ صغيرها المفاجئ وبعظيم مصابها فيأتي ليشاركها الفاجعة والحزن، فكانَ ذلكَ كافياً لدقِ المسمار الأول في نعش الجدار!
توالتْ الحوادث المشابهة، مرضٌ فتاكٌ يخطفُ أرواحَ ملائكة المدينة واحداً تلو الآخر في عدٍّ تصاعدي مخيف، إعلان ثانٍ اسود ثم ثالثٍ… ثم عاشر… ثم خامس وثلاثين في أسبوعٍ واحد، لفت الأوشحة السوداء حولَ بياض رقبة الجدار وكأنها تخنقه وتعتصر روحه و ألتهمَ على اثر ذلكَ الحزنُ الفرحَ في مأدبة موتٍ جماعية!
المدينةُ الغائبةُ عن تعدادِ المدن في دفاترِ الدولة، يُفتح لها ملف عاجل الآن ومن لم يكن يعرفها كان قد سمع مع الأسبوعِ الثاني بكارثةِ (مدينة الجدار) وارتعدَ خوفاً من أن تنالَ مدينته عدوىً منها عبرَ الهواء أو الماء أو فتات الغذاء!
من يعرف ماذا يحدث هناكَ لجعل الجدار يلبسُ ثوباً اسوداً جديداً مع كلِ طلعة شمس ومغيب؟!… لا احد!
بعضُ الأسرِ راحت تحزمُ حقائبَ ذكرياتها وتشدها بما استطاعت حمله من حزم الثياب في محاولة لإخفاء الانتساب إلى هذهِ المدينة، مهاجرة إلى المجهولِ دونَ تذكرةِ تعريف بحثاً عن مدينةٍ جديدة لا يقفُ فيها منتصباً جدارٌ للموت! نعم، فـ(جدارُ الموت) صار هذا اسمهُ الجديد الذي ينتقلُ على السنةِ الجميع، متناسينَ أنه ظلَ لسنواتٍ طويلة -يجهلون عددها- جداراً لأفراحهم. الطفلُ التاسع والتسعون يوارى تحتَ ترابِ مدينتهم في جوٍ من الحزنِ العميق، كانت فيه المعاول تُغسلُ بدموعِ الأمهات قبل أن تحفر قبراً في ارضِ المدينة، فكل أمٍ تبكي الوليدَ الفقيد الجديد أو روحَ الابن الغائب من أولادها فيه.
في لحظةٍ واحدةٍ يجهلُ المرء لها صفة تناسبها إن كانت لحظة عقل أو لحظة حزم أو كانت لحظة جنون وتسرع، قرروا جميعاً دون اتفاقٍ مسبق أن لا يعودوا إلى منازلهم وان يقصدوا جدار الشؤم لهده قبل أن تنشفَ عن معاولهم دموع الأمهات! ساروا نحوه يحملونَ فؤوساً ومعاولَ ونيران مشتعلة وهم يصرخونَ باكين حزناً أو مهددين بـ:
الويل لجدار الشؤم….الويل لكَ!…نحن قادمون…
اجتمعوا حوله يضربونه بوحشية، كأنهم يضربونَ قاتلَ فلذات أكبادهم ليسلبوه الحياة على عجلٍ قبل أن يغتالَ روحاً أخرى من وسطهم في الصباحِ القريب، ساعات وكان الجدار القوي قد أصبحَ بقاياً لجدار، تمدد على الأرضِ قتيلاً، ذكريات لأجيال وأجيال منهم ومن سابقيهم سقطت أرضاً وتبعثرت فراداً، كل قطعة حجر منه كانت قد حملت يوماً ما إعلاناً لبشرى سارة أو ذكرى جميلة غنت فرحاً لبيتٍ منهم.
تناثرت القطع إلى أشلاء، لم يفكروا للحظة أنهم بذلكَ يعيدوا مشهد موت أولادهم، فهم يقتلونَ حجراً شاركهم فرحة ولادته يوم خرجَ من ظلمةِ الرحم البشري إلى مهدِ الدنيا، لم يعلموا وهم يتجهونَ إلى منازلهم بعد جريمتهم الجماعية ويتركونَ قتيلهم خلفهم جثةَ ماض مبعثرة بمعاول الحاضر في ثورة غضبهم العارمة، أن أولادهم لن يعودوا إلى الحياةِ بفعلتهم هذه وان قتل الجدار ليس سوى إعلان وفاة جماعية لهم جميعاً، بعد أن فقدت مدينهم هويتها وفقدوا بقتلهم أباهم وثيقة انتسابهم إليه!
إيمان أكرم البياتي – بغداد